تحدت جميع الأعراف والتقاليد، وتحدت نفسها أيضًا بدخولها مجال مقصور على الرجال فقط، لتكون أول مبتهلة دينية فى مصر، غير عابئة بالهجوم والنقد الذى لاحقها منذ البداية من قبيل «صوت المرأة عورة» واتهامها بأنها تسعى للشهرة بدخولها هذا المجال، إلا أنها تؤكد أن صوت المرأة ليس بعورة فى كل الأحيان خاصة فى الإنشاد، وأن جذورها الصعيدية، وتحديدًا محافظة الأقصر، كانت سببا فى قوة صوتها الذى أهلها لعالم الابتهال، إضافة إلى عشقها لإذاعة القرآن الكريم منذ نعومة أظافرها جعلها تتعلق أكثر بتلاوة القرآن الكريم والابتهالات والتواشيح.
فى حلقة جديدة من سلسلة «المدّاحون»، التقينا شيماء عبدالعليم النوبى أول مبتهلة دينية فى مصر، التى أكدت أنها واجهت صعوبات كثيرة حينما قررت أن تكون مبتهلة، أبرزها ترديد «صوت المرأة عورة»، إلا أنها فى الغالب لا ترد على هذه الانتقادات، لأنها مؤمنة بما تفعل ومؤمنة بأن صوت المرأة ليس عورة دائمًا، مشيرة إلى أن البعض يتهمها بأنها تسعى للشهرة بأن تكون أول سيدة تدخل عالم الإنشاد، ومن ثم تتجه للغناء بعد أن تشتهر.
ترى شيماء النوبى أن هذه الاتهامات تأتى بسبب عدم وجود مبتهلات سيدات حتى الآن، لأن الابتهال يحتاج طبقة صوتية معينة نادرًا ما توجد لدى المرأة، مؤكدة أنه بشكل عام فإن الابتهالات الدينية ليس لها جمهور كبير، ويكثر جمهورها فى المناسبات الدينية فقط، ورغم إنشاء نقابة للإنشاد الدينى، فإننى أرى أنها لم تقدم جديدا لتخريج منشدين جدد قادرين على جذب الجمهور، قائلة: «منذ تأسيس النقابة قبل أربع سنوات، لم تقدم شيئًا للإنشاد الدينى، على العكس تسببت فى انفجار مواسير منشدين ليس لهم علاقة بالمهنة».
وحول بداية دخولها إلى مجال الابتهال الدينى، تقول شيماء النوبى: «منذ صغرى أعشق سماع إذاعة القرآن الكريم، وكنت أحب أقلد المقرئين والمبتهلين فى الإذاعة، وبدأت فى حفظ ابتهالات كبار الشيوخ، وحينما دخلت المدرسة كنت أشارك فى الإذاعة المدرسية بأناشيد دينية، وأبرزها غناء «تتر» المسلسل الدينى القديم «لا إله إلا الله» ثم بدأت أبحث أكثر عن هذا الفن بدراسة المقامات الموسيقية وعلم النغم، وذهبت لأحد أساتذة المقامات الموسيقية وتعلمتها على يديه، وكنت أقرأ القرآن الكريم لكن بعد ذلك وجدت نفسى أكثر فى الابتهالات، وشاركت فى الأنشطة الفنية والعروض الشعبية والغنائية والرقص بمرحلة ما قبل الالتحاق بالمدرسة».
وتتذكر شيماء النوبى بدايتها على يد المنشد الدينى البارز زين محمود، قائلة: «فى يوم ما قررت أن أتواصل عبر «فيس بوك» مع الشيخ زين محمود، وأرسلت له ترنيمة الحلاج بصوتى، فكان رده: «إنتى معانا فى الشغل.. كنت بدور على الصوت ده من زمان»، فأرسل لى «مربعات ابن عروس» بأكثر من مقام، وأديتها بصوتى وأرسلتها له مرة أخرى، وبعدها بأشهر قليلة قدمنى للجمهور»، مؤكدة أنها تعلمت على يد الشيخ زين محمود الكثير، وتعلمت على يديه أداء السيرة الهلالية وبالفعل قدمتها معه ومع الشيخ سيد الضوى ونجل الشيخ زين ربيع زين.
وتؤكد شيماء النوبى أنها متأثرة بالجيل القديم من المبتهلين أمثال المشايخ «على محمود، وسيد النقشبندى، ونصر الدين طوبار، وطه الفشنى، ومحمد الفيومى، وإبراهيم الإسكندرانى»، قائلة: «المثل الشعبى يقول كل شيخ وله طريقة، وأنا أحب أن أتعلم كل الطرق ومازلت أتعلم».
وتضيف أول مبتهلة فى مصر: «الابتهالات ليس لها جمهور كبير مثلما قلت، لذلك بدأت عمل شىء جديد فى البدابة، وهو أننى أبدأ حفلاتى مثلا بالإنشاد والسيرة الهلالية لجذب الجمهور ثم الابتهال، حتى أصبح الجمهور يطلب منى الابتهالات».
وحول طموحها تؤكد شيماء النوبى أنها تتمنى أن تفتح الإذاعة الباب أمام المبتهلات والمقرئات، مثلما كان قبل الحرب العالمية الثانية، حيث كانت هناك مقرئات قرآن كريم ينافسن كبار القراء، وكانت الإذاعة تعتمدهن رسميا لديها، كما تتمنى أن يصل صوتها للعالم، وأن يهتم الإعلام بالفن الدينى من ابتهالات وإنشاد وتواشيح، طوال العام وليس فى المناسبات الدينية فقط.
وتوجه شيماء النوبى رسالة للمنشدات قائلة: «ارتقين ويجب الاهتمام بالكلمات الجديدة إلى جانب التراث لا أن يكون كل ما نقوله تراث فقط»، معتبرة أن من أهم صفات المنشد الناجح أن يكون صادقًا فيما يؤديه من قصائد، وأن يكون محبا لهذا الفن الراقى الذى يقدمه، ومدركا لما يقول، مضيفة : لا يجوز أن يكون منشدًا لأجل السبوبة فقط، كما أنه إذا أصقل المنشد أو المبتهل موهبته بالدراسة والاستفادة من خبرات السابقين من رواد هذا الفن سيكون من أفضل المنشدين والمبتهلين.
كما تدعو شيماء النوبى كل الآباء والأمهات لتشجيع أبنائهم على تنمية مواهبهم، سواء كانت فى الإنشاد أو غيرها من المواهب الفنية، قائلة: «رغم ظروف نشأتى وطبيعة أسرتى فإننى وجدت تشجيعا كبيرًا من داخل الأسرة، فوالدى صعيدى وكان ضابطًا بالقوات المسلحة، ومع ذلك كان يشجعنى أنا وأخوتى، فكانت شقيقتى وشقيقى لديهما مواهب فى الشعر والموسيقى، كذلك والدتى كانت تشجعنى كثيرًا وتصطحبنى أنا وأخوتى لمعرض القاهرة الدولى للكتاب سنويًا، وكنت أذهب لفرع صوت القاهرة داخل المعرض، وتشترى لى شرائط لكبار المبتهلين مثل الشيخ طه الفشنى والشيخ نصر الدين طوبار».
وتضيف شيماء النوبى: «وأكثر من ذلك كانت والدتى تحضر معى الحفلات التى كنت أحييها، وتظل طوال الحفل حتى انتهائه، وكانت توجهنى كثيرًا، وكانت تطلب منى التركيز فى دراستى إلى جانب تنمية موهبتى، وكانت تسمح لى بالذهاب لبعض الموسيقيين والمشايخ للتعليم على يديهم المقامات الموسيقية مثل أحمد مصطفى كامل، حامل تراث الشيخ مصطفى إسماعيل، الذى جعلنى أتأثر كثيرًا بمدرسة الشيخ».
وتروى شيماء النوبى أكثر موقف لا تنساه من والدها، قائلة: «منذ صغرى كنت أحلم بالذهاب إلى دار الأوبرا المصرية لحضور الحفلات والتعلم، وكنت أخشى طلب ذلك من والدى، وفى إحدى المرات سمعتنى جارة لى وأنا أغنى فطلبت من والدى السماح لى بالذهاب للأوبرا، فقال لها هى لم تطلب ذلك ولو طلبت لن أمنعها، وبالفعل أصحبت أذهب وأحضر حفلات فى الأوبرا».
وترى شيماء النوبى أن للابتهالات والإنشاد الدينى دورا فى مواجهة التطرف والعنف، قائلة: «إن محاربة التطرف تتم بمنظومة فكرية وثقافية كاملة وليس بالإنشاد والابتهالات فقط، والفن الدينى هو من ضمن هذه المنظومة فمجرد انتشاره هو وعى للجمهور»، مؤكدة على ضرورة السعى وراء تقديم بعض قصائد الإنشاد الدينى باللغة الإنجليزية، سعيا وراء نشر الإنشاد الدينى فى ربوع العالم، ومن ثم نشر الوعى ضد التطرف.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة