شاعر وخطيب وقاض مصرى، ألم بالأحكام والأحاديث، واشتهر بالتقوى فلقب بـ" تقى الدين"، وتقواه تلك جعلته يقف فى وجه الأمراء لصالح الحق دائما، فوضع نفسه على رأس المجددين فى الإسلام، إنه العلامة أبو الفتح محمد بن على القشيرى المنفلوطى المشهور بـ"ابن دقيق العيد".
"ابن دقيق" كان يجهر بالحق ويدافع عنه لأنه كان ورعا متدينا عالما، فلا يقبل شهادة الأمير لأنه عنده غير عادل، وإن كان الكبراء والعلماء يتقربون إليه، منذ أن تولى منصب قاضى القضاة في عام 695 هـ، وقبله بعد إلحاح شديد من رجال الدولة حيث كان مترددا فى قبوله، وأصبح على اتصال وثيق بالسلطان ، لكنه كان لا يهابه فى القضاء بالحق.
ابن دقيق
من بين الوقائع التى تدل على عدم خوف "ابن دقيق " من قول الحق، حينما بعث إليه نائب السلطنة فى عهد السلطان "حسام الدين لاجين" يعلمه أن تاجرا مات وترك أخا من غير وارث سواه، وأراد منه أن يثبت استحقاق الأخ لجميع الميراث بناء على هذا الإخبار، ابن دقيق رفض هذا مرارا وتكرار خلال مراسلات متعددة بينه وبين نائب السلطنة، لأن الأدلة لم تكن كافية لإثبات أخوة المذكور إلا شهادة نائب السلطنة ، وأمام إصرار نائب السلطنة، استقال ابن دقيق من منصب القضاء احتراما لنفسه وإجلالا للمنصب ، فلما علم السلطان بالأمر غضب مما فعل نائبه ، وأرسل في طلب القاضى، فلما جاء قام إليه وأجلسه بجواره، قام باسترضائه كى يرجع عن استقالته.
وفى عهد السلطان "الناصر محمد بن قلاوون" وقعت حادثة شهيرة أيضا رفض فيها الانحياز للحاكم، حيث أن السلطان بدأ جمع المال من الرعية لمواجهة المنغول، مستندا إلى فتوى العز بن عبد السلام بجواز ذلك أيام سيف الدين قطز.
"ابن دقيق " تدخل فى الأمر وقال للسلطان إن " العز" لم يفت فى ذلك إلا بعد أن أعطى جميع الأمراء قطز كل ما لديهم من أموال، ثم قال له : كيف يحل مع ذلك أخذ شيء من أموال الرعية، لا والله لا جاز لأحد أن يتعرض لدرهم من أولاد الناس إلا بوجه شرعي، واضطر السلطان أن يرضخ لكلام القاضي الشجاع ويأخذ أموال الأمراء قبل الرعية.
يعود لـ "ابن دقيق " الفضل فى تأسيس"المودع الحكمي"، أو "المجلس الحسبى" ، وذلك حينما وجد أن بعض الناس تستحل أموال القصر اليتامى الذين لا يستطيعون التصرف فيما يرثونه من أموال، وقرر "ابن دقيق" بأن من مات وله وارث إن كان كبيرا حصل عليه ، وإن كان صغيرا أحمل المال في المجلس الحسبى ، وإن كان للميت وصي خاص ومعه شهود يندبهم القاضي لينضبط أصل المال على كل تقدير.
الناصر محمد بن قلاوون
الدكتور رفعت السيد الخبير القانونى والدستورى، ورئيس محكمة الجنايات الأسبق، قال إن المجالس والمحاكم الحسبية كانت تعمل فى العصور الأولى وعصر ما بعد الخفاء الراشدين بالاجتهادات، لكن فى العصر الحالى أصبحت هناك قوانين تحكم العمل بها ، مؤكدا اهمية الدور الذى لعبته تلك المجال منذ إنشاؤها .
قاضى
الخبير القانونى والدستورى أضاف: حاليا هناك قوانين تحكم أحوال القصر والولاية عليهم والتصرف فى أموالهم، ودور النيابة العامة فى الحفاظ على تلك الأموال، والمراقبة على أموال الوصى فى التصرف فى الأموال، وضرورة تقديم حساب سنوى للنيابة العامة تعرضه على المحكمة لتقبله أو ترفضه، كما أن هناك مكتب الخبراء المكلف بمراجعة التقرير الذى يعده الوصى، ويرى مدى سلامته، وعدم جواز البيع إلا بموافقة المحكمة الحسبية، موضحا أن أمر المجلس حاليا اختلف كثيرا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة