"أقضى العرب" لفظ أطلقه على بن أبى طالب على القاضى الفقيه الشاعر شريح بن الحارث بن قيس بن الجهم الكندى، والذى ولد قبل ثلاثين عاما من هجرة الرسول من مكة إلى المدينة، حيث أثر فيه أن المظلوم يحتاج إلى الإنصاف عندما لا يجد شاهدا ولا دليلا، تعرض للظلم فى سن صغيرة حينما كان فى الخامسة من عمره واصطحبه أبوه فى سفره وفى الطريق رفض الأطفال اللعب معه فلعب وحيدا، فرآه أبوه بعيدا عن القافلة فنهره، فضح الأطفال عليه ثم قالوا له لنلعب معك، قف حيثما أنت، وسنختبئ ثم نأتيك، وذهبوا إلى أبيه يخبرونه أنه عصاه، فضربه وأقسم لأبيه أنه مظلوم ولا يجد دليلا فاستمر فى ضربه.
أخذ "شريح" علمه من الصحابى معاذ بن جبل، حينما أرسله النبى قاضيا إلى اليمن، وبرع فى القضاء فى سن مبكرة، إلى درجة أنه قضى بين الناس ولم تكتمل لحيته بعد، ولما أرسله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب قاضيا إلى العراق جالس عبد الله بن مسعود، فتعلم منه ثم لازم أمير المؤمنين على بن أبى طالب، واشتهر بالقضاء حتى صار مثلاً على الألسنة فى ذكائه حيث قيل عنه "إن شريحا أدهى من الثعلب".
حرص "شريح" على تطبيق العدل حيث كتب فوق مجلسه عبارة "إن الظالم وإن حكمت له ينتظر العقاب، وإن المظلوم وإن حكمت عليه ينتظر الإنصاف" ودون تحت ذلك الحديث النبوى القائل: إنكم تختصمون إلى وإّما أنا بشر فأيما رجل اقتطعت له حق من أخيه لا يستحقه فإنما اقتطعت له قطعة من النار سيطوق بها يوم القيامة، وظل يطبقه لـ60 عاما خلال توليه قضاء الكوفة.
من بين الأشياء التى اشتهر بها القاضى "شريح" أنه كان يمتنع عن التعامل مع الذين يقضى بينهم طوال فترة الحكم، وفى ذات مرة كان يقيم رجل فى بيته ضيفا، فأراد أن يرفع إليه قضية، فقال له أترك القضية أو أترك بيتى ومن أشهر أقواله "عدل يوم أفضل من عبادة ستين سنة، وعند وفاة "أقضى العرب" كان يبكى فسئل لماذا، فأجاب: فى مرة لم أساو بين متخاصمين، فسألوه كيف، فرد قائلا: قال مال قلبى لأحدهما.
أكثر المواقف التى تدل على تطبيقه العدل حتى على أهل بيته حينما كفل نجله طرفا فى قضية، فأخذ ذلك الرجل المال وهرب به، فأصدر شريح حكما بحبس نجله ثلاثين يوما وكان يقول له حينما كان يزوره "تذكر حديث النبى الذى قال فيه لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها".
من بين المواقف التى تدل على عدله، حينما تنازع على بن أبى طالب أثناء توليه منصب أمير المؤمنين مع يهودى على درع، فاحتكما إلى "شريح" وكان وقتها القاضى وأراد "على" أن يشهد ابنه الحسن رضى الله عنه أن الدرع درعه، لكن قال شريح له يا أمير المؤمنين شهادة الابن لا تجوز، فرد على متعجبا : سبحان الله رجل من أهل الجنة لا تجوز شهادته، فرد عليه شريح : يا أمير المؤمنين ذلك فى الآخرة، أما فى الدنيا فلا تجوز شهادة الابن لأبيه، فقال على: صدقت ورد الدرع لليهودى، فقال اليهودى متعجبا: أمير المؤمنين قدمنى إلى قاضيه، وقاضيه يقضى عليه ونطق الشهادة فى الحال وأسلم، واعترف أن الدرع درعك على وأنه سقط منك ليلاً، فأهداه له أمير المؤمنين، ن بين أشهر أقواله :عدل يوم أفضل من عبادة ستين سنة.
الدكتور رفعت السيد الخبير القانونى والدستورى، فند عدم أخذ القاضى "شريح" بشهادة الإمام الحسن بن على بن أبى طالب فى قضية أبيه قائلا: إن من الممكن أن يشهد الابن لأبيه، وأحيانا يكون هو الشاهد فى القضية ويأخذ بشهادته.
وأضاف الخبير القانونى والدستورى، أن الأخذ بشهادة أى شخص متروك لضمير القاضى، لأنها مسألة طمأنينة ليس أكثر، موضحا أنه فى العصر الحديث لا يوجد فى القانون رفض أو قبول شهادة الابن لأبيه، حيث من الممكن أن يشهد الأب لابنه، والأخ لأخيه، والصديق لصديقه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة