"عندما يقرأ فهو يعيد إلى أذهاننا لحظات خالدة فى تاريخ البشرية، تلك اللحظات التى شهدت نزول الوحى على الرسول صلى الله عليه وسلم، عندما لقنه سيدنا جبريل أولى آيات القرآن المجيد".. هكذا وصف الكاتب الصحفى أنيس منصور الشيخ محمود البجيرمى، أحد عمالقة دولة التلاوة المصرية.
وٌلد محمود عزب السيد البجيرمى، الشهير بـ"محمود البجيرمى" عام 1933، فى قرية بجيرم التابعة لمحافظة المنوفية، ووهبه والده للقرآن الكريم، حتى يرعاه الرحمن برعايته، سيما وقد توفى 4 من أخوته فى سن مبكرة قبل ولادته، فألحقه بكتاب القرية، وحفظ القرآن الكريم وهو دون العاشرة من عمره، وجوده وهو فى الرابعة عشر من عمره، وأرسله والده للدراسة فى معهد القراءات بالقاهرة، لكن شهرته التى بدأت تتسع حالت بينه وبين استكمال الدراسة فى المعهد، وأصبح ذلك الشاب العشرينى يجالس كبار قراء القرآن الكريم، وظل على درب النجاح ما يقرب من 15 عامًا حتى اختير قارئًا للسورة فى مسجد عمر بن عبدالعزيز بمصر الجديدة عام 1966، وكان العاهل السعودى الراحل الملك سعود بن عبدالعزيز آل سعود يقيم فى القاهرة فى هذه الفترة.
وفى إحدى المرات سمع العاهل السعودى، ذلك الشيخ الذى يرتدى طربوشًا أحمرًا لا يفارقه أبدًا، وكان يقرأ من سورة إبراهيم، وبعد انتهاء التلاوة صافحه الملك سعود، وقال له لقد أبكيتنى يا شيخ محمود حينما تلوت الآية الكريمة:" رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ"، ودعاه إلى قصره بمصاحبة وزير الأوقاف، فى اليوم التالى، واستمع منه إلى نفس الآية أكثر من مرة، وقال له وهو يودعه أمام الحضور: "حقاً إن القرآن نزل بمكة ودون فى إسطنبول وقرئ فى مصر".
سمعه الملحن والموسيقار محمد القصبجى، فقال له: "إن صوتك مميز جدًا لولا أن حرصك الشديد على التلاوة جعل لديك بطء فى بعض الحروف"، فأرسل له عازف الكمان والملحن عبدالمنعم الحريرى، لكى يدربه على المقامات الموسيقية فى منزله بمصر الجديدة.
كما سمعه الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب، وكان يتلو "البجيرمى" من سورة الضحى فقال له: "إننى لحنت أنشودة الشرق، من الموسيقى الضمنية للقرآن الكريم فى سورة الضحى، كما تقرأها أنت".
وفى ذكرى وفاة الشيخ على حزين، وكان بحضور كبار قراء القرآن الكريم، سأل أحد القراء الشيخ مصطفى إسماعيل، عمن يحب الاستماع للقرآن الكريم منه، فقال "محمود أبو طربوش.. بس لو يبطل خوف ورهبة من الميكروفون هيبقى غول".
ويقول أشرف محمود البجيرمى، نجل الشيخ، إنه حينما كان يسأله عن إحساسه أثناء تلاوته القرآن الكريم، كان يقول: "بكون فى غيبوبة، ومع نفحات القرآن الكريم".
فى عام 1968 اختير الشيخ البجيرمى قارئًا للسورة فى مسجد عين الحياة، ذلك العام الذى تم اعتماده فيه قارئًا بالإذاعة، وكانت تربطه علاقة صداقة قوية بالشيخ عبد الحميد كشك خطيب المسجد، وظل يقرأ السورة فى المسجد حتى انتقاله لمسجد الفتح فى رمسيس عام 1985، قارئًا للسورة حتى وفاته فى مثل هذا اليوم عام 1992، وأثناء دفنه وقف الشيخ كشك على قبره قائلاً: "يا محمود ماذا ألقنك، عندما يأتيك الملكان سيجدان القرآن عن يمينك وعن شمالك ومن فوقك ومن تحتك".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة