لم يحظ الخلاف العاصف بين الرئيس الإيرانى السابق، أحمدى نجاد، مع سيده ومولاه ومرشده الأعلى، السيد على خامنئى، بالاهتمام الذى يستحقه فى صحافتنا العربية أو فى صحف العالم، ربما يطغى على هذا الحدث «إعلاميًا» قرار الرئيس الأمريكى بشأن الاتفاق النووى الإيرانى، غير أن الصراع الحالى بين نجاد وعلى خامنئى، يشكل انقلابًا كبيرًا فى التحالفات الداخلية الإيرانية، وفى الاستقرار السياسى داخل دوائر السلطة، ولا تقل آثاره عن تداعيات إلغاء الاتفاق النووى الداخلية والدولية.
نجاد لم يكن سوى تابع متواضع الإمكانيات لا يملك كاريزما للقيادة، سقفه الأعلى رئيس بلدية وليس رئيسًا للجمهورية، لم يكن لنجاد موهبة أكثر من علاقته الوثيقة مع المرشد الأعلى، والسمع والطاعة المطلقة لمن بيده مفاتيح الحرس الثورى، ومن يستطع حشد ملايين المتشددين فى الشوارع لتخويف كل من تسول له نفسه تحدى القبضة الحديدية للجمهورية.
اليوم ينقلب نجاد نحو النقيض الكامل، لا يتوقف عن نقد المرشد سياسيًا، ولا عن توجيه اتهامات بالفساد والسرقة وإهدار المال العام لهذه النخبة التى تحكم فى الكواليس، وعلى رأسها خامنئى نفسه.
كيف تمرد خادم المرشد إلى هذا الحد؟ وكيف انطلق لسانه متحديًا «أسياد الظلام» فى طهران بهذا الجموح؟ ثم كيف برر هذا الانقلاب لأتباعه السابقين الذين عاصروا تقديسه لخامنئى لسنوات طويلة؟!
ما يجرى فى إيران من الداخل ليس هينًا ولا عابرًا، ربما ننشغل نحن بما يفعله المال والسلاح الإيرانى فى اليمن ولبنان وسوريا والعراق وغيرها جنوبًا أو غربًا، لكننا لا ندرس بدقة ماذا يحدث فى الكواليس السياسية والأمنية، ولا نتعامل مع «جغرافيا القوى السياسية والدينية» بما تستحقه من تحليل وما تشمله من تضاريس مختلفة ومتنوعة ومتقلبة.
فالداخل الإيرانى ليس كله «خامنئى» والخريطة السياسية تتغير حسب الأفكار حينًا، وحسب المصالح والأهواء أحيانًا أخرى، وإذا كانت إيران تضرب أمتنا فى القلب استنادًا إلى العمق المذهبى لدى بعض الجماعات المتطرفة، فإن اصطياد إيران فى الداخل ليس أمرًا صعب المنال، وهيمنة الصراعات فى دوائر السلطة فى قلب طهران، أو شيوع الخلافات العاصفة بين آيات الله فى «قم» على المال والسلطة والنفوذ تفتح بابًا واسعًا فى العمق الإيرانى، وتكشف وهن هذا النظام وهشاشته التى يسترها بأقنعة الدين وبما أهدره من أموال الشعب الإيرانى على شراء الأسلحة لوكلاء الحرب فى الإقليم.
نجاد يكشف هذه العورات، ويزيح الأحجبة عن فساد أسياد الظلام، والكرة الآن فى ملعبنا العربى «استراتيجيًا وتكتيكيًا».
لماذا نحارب ذيل الأفعى إذن؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة