العالم ينتظر تغيرات جذرية بعد قمة شبه الجزيرة الكورية.. الاتفاق يمنح الصين فرصة تاريخية لغلق الفجوة التقنية مع واشنطن.. والضغط الأميركى سيتحول بالكامل للجبهة الروسية.. وأوروبا يمكنها استعادة مجدها

السبت، 28 أبريل 2018 06:30 م
العالم ينتظر تغيرات جذرية بعد قمة شبه الجزيرة الكورية.. الاتفاق يمنح الصين فرصة تاريخية لغلق الفجوة التقنية مع واشنطن.. والضغط الأميركى سيتحول بالكامل للجبهة الروسية.. وأوروبا يمكنها استعادة مجدها لقاء تاريخى بين زعيمى الكوريتين
تحليل يكتبه عمرو جودة

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

جاء الاتفاق التاريخى بين زعيمى شبه الجزيرة الكورية، ليمثل نقطة تحول جذرية، ليس فقط فيما يتعلق بالدولتين اللتين خاضتا أطول حروب القرن العشرين، ولكن أيضًا يمثل نقطة تحول تاريخى فى معادلة الصراع العالمى الذى يدور بين أربع قوى كبرى رئيسية هم الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا، والصين، وأوروبا.

وتمخض اللقاء عن قرارات مهمة سيكون لها أكبر الأثر فى هذا الصراع، ولعل مشهد تلاقى الزعييمن وتصافحهما، بعد أن أقدم الزعيم الكورى الشمال على خطوة تاريخية بعبور خط الحدود العسكرية الذى قسم شبه الجزيرة الكورية 1953، له دلالات رمزية لحدث عالمى فى منتهى الخطورة .

 

ويمكننا رصد أهم القرارات التى تمخضت عنها القمة، ومحاولة استشراف تأثيرها المستقبلى، سواء على المستوى المحلى الداخلى، أو مستوى الصراع العالمى.

 

أول قرار حدث تلقائيا، بمجرد عبور زعيم كوريا الشمالية خط الحدود العسكرية، وهو بذلك ينهى حالة الصراع المستمر، رغم نهاية الحرب التى قسمت شبه الجزية الكورية إلى بلدين قبل 65 عاما، ويسمى المؤرخون تلك الحرب بـ"الحرب التى لم تنته" من الناحية التقنية، لأنها لم تتمخض عن توقيع طرفى الصرع على اتفاقية سلام، وبالفعل أعلن الدولتان، بحسب بيان مشترك عقب القمة، عن السعى لتحويل الهدنة إلى معاهدة سلام هذا العام.تعهد زعيما كوريا الشمالية والجنوبية بالعمل على تخليص شبه الجزيرة الكورية من الأسلحة النووية، لكنهما لم يكشفا عن الآلية التى سيتم بها تنفيذ هذه الجزئية المحورية.نهاية "الأنشطة المعادية" بين البلدين.تغيير المنطقة المنزوعة السلاح التى تقسم البلاد إلى "منطقة سلام" عن طريق وقف بث الدعاية.تخفيض الأسلحة فى المنطقة فى انتظار تخفيف التوتر العسكرى.الدفع باتجاه محادثات ثلاثية تشمل الولايات المتحدة والصين دون إشراك روسيا.تنظيم لم شمل العائلات التى خلفتها الحرب.ربط وتحديث السكك الحديدية والطرق عبر الحدود.مزيد من المشاركة المشتركة فى الأحداث الرياضية، بما فى ذلك دورة الألعاب الآسيوية لهذا العام.

ومن غير الواضح السبب الذى دفع الزعيم الكورى الشمالى كيم جونج-أون  للأقدام على تلك التنازلات الكبيرة، لكن المؤكد أنه حصل على تأكيدات من الصين، وأمريكا، وكوريا الجنونية، والبابان، بالمحافظة على نظامه للصمود أمام موجة تغير متوقعة، ستعصف بالمجتمع الكورى الشمالى بأكملة نتيجة خروجه من عزلته الكاملة عن العالم التى دامت لعقود طويلة.

 

ومن الصعب استشراف تأثير تلك الموجه المتوقعة على الوضع الداخلى، لأن المعرف للعالم عن كوريا الشمالية يعد قليلا للغاية بقدر معرفة كوريا الشمالية بالعالم، نتيجة انعزالها الشديد والطويل الأمد عن العالم ، لكن المؤكد أن ثمة تغيير سيحدث فى المواطن الكورى الشمالى بعدما يخرج للعالم من عزلته ويشاهد بنفسه حجم التطور الذى فاته خلال سباته بعدما يحتك بشكل مباشر بشعب كوريا الجنوبية وبالتالى بقية العالم، وستكون الصدمة والمفاجاة أول رد فعل سيصدر عنه كتصرف تلقائى، ولكن من الصعب التكهن بالخطوة التى سيقدم عليها بعد ذلك.

 

أما عن التغييرات المتوقعة نتيجة هذا الاتفاق فى معادلة الصراع العالمى ففرص رصده أكبر من التغير الداخلى، فبوضوح تعتبر الصين المستفيد الأول من هذا الاتفاق، لأنه سيدفع أمريكا لتوجيه كل طاقتها نحو روسيا التى وصلت لذروة مجدها خلال الفترة الماضية بعد تحقيق نصرين واضحين فى شبه جزيرة القرم وسوريا، وقد عبر أحد المسئولين فى الحزب الشيوعى الصينى الحاكم عن استفادة بكين من تسخين الصراع بين أمريكا ورسيا، عندما قال إن ضم روسيا لشبه جزيرة القرم منح الصين فرصة كانت ضرورية لالتقاط الأنفاس، بعدما كانت تتلقى أغلب النيران الأمريكية.. ببساطة الاتفاق سيدفع أمريكا لتركيز كل مدافعها باتجاه جبهة واحدة وهى روسيا لأنها الأكثر إلحاحا، ومنح الصين الفسحة التى كانت تحتاجها لغلق المسافة التقنية التى تفصلها عن أمريكا، وأعتقد أن هذا الاتفاق، الذى سيزيد من سخون الحرب الدائرة بين موسكو وواشنطن، سيمنح بكين القدرة على أن تكون القوى العظمى الأكبر فى النظام العالمى، بدلا من الولايات المتحدة ولو إلى حين.

أما روسيا فيبدو أن منحنى صعودها الذى تزايد خلال الفترة الماضية سيتوقف لفترة، لكن هذا لا يعنى أنها ستهزم، فقد استوعبت روسيا درسى الحرب الباردة، وهما سباق التسلح ومستنقع أفغانستان، فقد استطاعت أن تجارى وتجابه سباق التسلح الذى بدأته الولايات المتحدة، بعدما انسحبت من جانب واحد من معاهدة الدفاع المضاد للصواريخ التى كانت قد وقعتها مع الاتحاد السوفيتى عام 2001، ثم بدأت تفعيل خطة لتطويق روسيا بمنظومة الدرع الصاروخى ودفعها لسباق تسلح لا يمكنها تحمل نفقاته، واستطاعت أن تفعل هذا دون أن تدفع ثمنا اقتصاديا كالذى دفعه الاتحاد السوفيتى خلال سباق التسلح مع أمريكا، والذى سمى وقتها بـ"حرب النجوم" وكان سببا رئيسيا فى تفككه، كما أن موسكو نجحت فى تفادى أخطاء حرب أفغانستان وحققت أهدافها من التدخل العسكرى فى سوريا بأقل الخسائر البشرية والمادية، وهذا يبرر اللهجة القوية التى تحدث بها الرئيس الروسى فلادمير بوتين، خلال خطابه الأخير أمام الاتحاد الفيدرالى الروسى قبل الانتخابات الرئاسية، أوضحت حجم القوة التى يتمتع بها داخليا، واستعداده لخوض هذه المعركة المتوقعة.

أما القوى الرابعة فى هذا الصراع، أوروبا، فيمكنها أن تستثمر تأجج الصراع بين روسيا وأمريكا لتكون أكثر اتحادا وبالتالى أكثر استقلالية عن واشنطن لتستعيد أمجادها القديمة، فإذا كان من الصعب بمكان توقع الطرف المنتصر فى هذا الصراع أمريكا وروسيا، إلا أنه من المؤكد سيكون صراعا طويلا ومريرا وسيرهق الجانبين، وحتى الطرف المنتصر سيخرج جريحا من هذه المعركة، وسيحتاج إلى متسع من الوقت ليتعافى، وكل هذا الوقت يصب فى مصلحة الصين وأوروبا، وسيمنحهما الفرصة لوراثة أمريكا وروسيا، تماما كما منحت الحرب العالمية الثانية أمريكا وروسيا الفرصة لترثا أنجلترا وفرنسا.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة