قال الدكتور حسين جادين، ممثل منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة فى مصر "فاو"، إن مكتب التمثيل القطرى لمنظمة "الفاو" فى جمهورية مصر العربية بدأ عمله فى 5 أبريل عام 1978، وخلال السنوات الأربعين الماضية تعاونت "الفاو" مع مصر وشاركت فى دعم معظم أنشطة التنمية الزراعية والريفية التى تلبى احتياجات مصر.
وأضاف جادين - فى تصريحات لوكالة أنباء الشرق الأوسط، اليوم الاثنين - إن "الفاو" تقدم الدعم الفنى الذى يسهم فى رسم سياسات النهوض بالزراعة المستدامة ووضع الاستراتيجيات والبرامج الداعمة لتحسين الإنتاجية وتطوير نظم الزراعة والمحافظة على الثروة الحيوانية والداجنة والحد من الأمراض العابرة للحدود وتوطين الممارسات الزراعية الجيدة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، قدمت "الفاو" خلال العقود الأربعة الأخيرة حزمة من البرامج والمشروعات الهادفة للنهوض بالزراعة تزيد عن 170 مشروعا بلغت قيمتها الإجمالية حوالى 3 مليارات جنيه مصرى.
وأشار إلى أن مساهمة "الفاو" لا تكمن فى هذه القيمة النقدية وإنما فيما تقدمه المنظمة من دعم مؤسسى يهدف إلى بناء وتنمية القدرات وإرساء الأساس العلمى المنظم للعمل المؤسسى وانعكاساته على المجتمع، وخاصة المزارعون، فضلا عن المساهمة فى التنسيق الفعال بين الجهات المختلفة لخدمة قضايا الزراعة مثل إنشاء مجلس مشترك بين عدد من الوزارات ذات الصلة بالزراعة معنى بالتشاور حول وضع سياسات واستراتيجيات الأمن الغذائى، ويهدف إلى تسهيل الحوار والتنسيق المستمر بين تلك الوزارات لتحقيق أهداف التنمية الزراعية المستدامة.
وقال جادين، إن مصر نجحت خلال هذه العقود الأربعة الماضية فى تحقيق تقدم كبير فيما يتعلق بضمان أمنها الغذائى، والتصدى للعديد من التحديات، وتحقيق زيادة كبيرة فى إنتاجية العديد من المحاصيل، عبر تطبيق الممارسات الزراعية الجيدة وطرق الرى الحديثة والبحث العلمى والتوسع فى استصلاح الأراضى.
وأضاف أن مصر لا زالت تواجه تحديات متعددة منها على سبيل المثال؛ زيادة الطلب على الموارد المائية نتيجة الزيادة السكانية الكبيرة، حيث من المتوقع أن يرتفع عدد سكانها من 104 ملايين نسمة حاليا ليصل إلى 119 مليونا فى عام 2030، و151 مليونا فى 2050، وفقا لإحصائيات نشرت مؤخرا، مع الإشارة إلى أن نسبة الشباب فى الفئة العمرية (15 – 34 سنة) تمثل 35% من سكان مصر، أى حوالى 36.5 مليون مصرى، فى الوقت الذى يستمر فيه الاعتماد على واردات المحاصيل الاستراتيجية مثل القمح والذرة الصفراء وحبوب الفول.
وأوضح أنه فى الوقت الذى تسعى فيه الدولة المصرية إلى مواجهة تحدى نقص الموارد المائية وشح الموارد الطبيعية والزراعية، والتغيرات المناخية، ما زالت الزراعة تستهلك 85% من موارد مصر المائية، فيما تمثل التغيرات المناخية هاجسا كبيرا، وهذه كلها ملفات مفتوحة بحاجة إلى معالجة سريعة ومستدامة.
وأشار جادين، إلى أنه نتيجة للجهود المتواصلة لمواجهة تلك التحديات، حققت مصر خلال السنوات العشر الأخيرة ارتفاعا كبيرا فى زيادة إنتاجية العديد من المحاصيل ما يسمى بـ"الزيادة الرأسية" فى وحدة المساحة من الأرض وبنفس معدل استهلاك المياه، ويعزى هذا بالدرجة الأولى إلى استخدام الممارسات الزراعية الجيدة وتطبيق طرق الرى الحديثة والبحث العلمى المستمر والتوسع فى استصلاح الأراضى.
ولفت إلى أنه على سبيل المثال، تعتبر مصر من أكبر الدول المنتجة للتمور فى العالم بإنتاجية تقدر بـ1.5 مليون طن سنويا، مشيرا إلى أن الفاو، بالتعاون مع وزارة الزراعة واستصلاح الأراضى ووزارة الصناعة والتجارة، قامت بوضع استراتيجية قومية لتطوير قطاع التمور فى مصر، وتشمل 16 مشروعا وتخدم مجالات زراعة وصناعة وتسويق التمور فى كافة المراحل.
وأوضح أن "الفاو" قامت بتمويل وتنفيذ مشروع بتكلفة تزيد عن 7 ملايين جنيه، يهدف إلى "تطوير سلسلة القيمة للتمور فى مصر" فى واحة سيوة والواحات البحرية والوادى الجديد وأسوان، وسوف يسهم هذا المشروع عند الانتهاء من تنفيذه إلى تمكين مصر من زيادة صادراتها من التمور خلال الـ5 سنوات القادمة إلى 150 مليون دولار، وتحسين الأصناف ومساعدة المزارعين على حصاد المحصول بشكل صحيح وتحسين ممارسات سلامة الغذاء فى المصانع لضمان تصدير المنتجات، وحتى الآن تم تدريب ما يزيد عن 2000 مزارع وعامل فى كل مجالات إنتاج التمور، ويمكن لهذا العائد المتوقع أن يوفر العملة الصعبة اللازمة لاستيراد السلع الاستراتيجية، حيث تستورد مصر 60% من احتياجاتها من القمح وتدفع مقابل ذلك نحو 3 مليارات دولار أى ما يعادل 1% من الناتج القومى الإجمالى.
وردا على سؤال حول آليات تطبيق مشروع دعم الإدارة المستدامة للمياه وتحديث الرى فى المناطق المستصلحة حديثا، أكد جادين، أنه بالتعاون مع وزارتى الموارد المائية والري، والزراعة واستصلاح الأراضي، سوف يتم تطبيق هذا المشروع من خلال إنشاء نظام محاسبة للمياه ورصد الاستهلاك المائى بدقة للمحاصيل عالية الإنتاج المزمع زراعتها والموصى بها من قبل الوزارات المعنية، وسوف يستخدم نظام الاستشعار عن بعد لرصد استهلاك المحاصيل، كما سيتم اتباع منهجيات تعظيم الاستفادة من كل قطرة مياه من خلال تطبيق النظم الحديثة للرى ذات الكفاءات المرتفعة، وكذلك المعاملات الزراعية التى تعطى أعلى إنتاجية محصولية مع إنشاء قاعدة بيانات لتسجيل الاستهلاك اليومى للمياه، وكذلك كميات مياه الرى المضافة، بالإضافة إلى التطبيق التجريبى لتلك التقنيات قبل التوسع فى تشغيلها، وبناء قدرات العاملين فى تلك المجالات، وخاصة فى وحدة نظام محاسبة المياه، وكذلك فى المواقع التجريبية ومن ثم التوسع فى بناء القدرات للعاملين فى مختلف مواقع المناطق المستصلحة حديثا.
وحول الجهود التى تبذلها منظمة الفاو فى مواجهة ظاهرة التصحر، قال جادين، إن التصحر يهدد المساحة الخضراء فى مصر، التى تتقلص بفعل التعديات على الأراضى الزراعية وتراجع الحزام الأخضر الذى يحمى القرى والمدن من التصحر، حيث يتم زراعة حوالى 4% فقط من مساحة الأراضى فى مصر، ولكن التصحر، بفعل النمو السكانى السريع، يستنفد هذا المورد بوتيرة سريعة، وهو ما يمثل تهديدا للرقعة الزراعية وللأمن الغذائى.
وأضاف أن "الفاو" نشرت فى تقارير سابقة أن كل الأشجار فى مصر توجد تقريبا فى الأراضى المروية وضمن المناطق الريفية والحضرية، مشيرة إلى أن عددها يبلغ نحو 61 مليون شجرة بما يوازى 0.7% للشخص الواحد (أقل من 1%) والموصى بها عالميا، وتشير الإحصاءات إلى أن نصيب الفرد من الأشجار فى مصر (ثلاثة أرباع شجرة) وهو أقل بكثير من المتوسط العالمى، حيث يبلغ متوسط نصيب الفرد من الأشجار 5 أشجار.
وأوضح جادين، أن الفاو شددت فى هذه التقارير على أن الأشجار لها دور حيوى فى السياق المصرى ليس فقط فى الحد من تحركات الكثبان الرملية، ولكن أيضا فى تحسين المناخ والحد من تلوث الهواء وتوفير بيئة صحية، مشيرا إلى أن "الفاو" بدأت فى مصر بالفعل بوضع خطط وحلول لمواجهة مشكلات التصحر وزيادة ملوحة التربة وزحف الرمال، وذلك ضمن إطار البرنامج الوطنى للفترة من 2018 - 2022، وكانت البداية من محافظة الوادى الجديد، التى تمثل ما يزيد عن 40% من مساحة مصر، حيث سيتم قريبا، وبالتنسيق مع مركز بحوث الصحراء التابع لوزارة الزراعة، استكمال وثيقة المشروع واختيار المواقع التى ينفذ بها مشروع مشترك بعنوان "الإدارة المستدامة للنظم البيئية الزراعية فى واحة الخارجة بالصحراء الغربية المصرية " والممول من مرفق البيئة العالمى (GEF)، وذلك بعد مناقشة آليات بدء تنفيذ المشروع لحل هذه المشكلات فى مركزى "الخارجة وباريس" كمرحلة أولى، كما يجرى حاليا حصر الأماكن والقرى المتضررة من هذه المشكلات بالمركزين، على أن يتوالى تنفيذ المشروع فى باقى المراكز الإدارية الخمسة بالمحافظة.
وبالنسبة للمشروعات التى تقوم منظمة الفاو بدعمها، أكد ممثل المنظمة فى مصر أن من أبرز المشاريع التى تم تنفيذها أو التى تنفذ فى الوقت الحالى مشروع "التنوع والتكثيف الزراعى"، ومشروع "الرى الحديث"، ومساعدة الحكومة المصرية فى إجراءات التقصى للأمراض الحيوانية العابرة للحدود، ومشروع "تحسين الأمن الغذائى والتغذية من خلال استهداف النساء والشباب"، ومشروع "تطوير سلسلة القيمة للتمور"، ومشروع "تقليل الفاقد والمهدر فى الغذاء وتطوير سلسلة القيمة لضمان الأمن الغذائى"، ومشروع "دعم إصلاح التعاونيات الزراعية فى مصر"، ومشروع "دعم الإدارة المستدامة للمياه وتحديث الرى فى المناطق المستصلحة حديثا" ومشروع "تطبيق الممارسات الزراعية الحديثة فى الفيوم ومرسى مطروح"، وعشرات المشاريع غيرها التى كانت وما زالت لها تأثيرات ساهمت فى تحسين أوضاع المزارعين والإنتاج الزراعى والغذائى فى مصر بشكل عام.
وردا على سؤال حول تعاون المنظمة مع وزارة الزراعة فى تحسين المحاصيل الزراعية، قال جادين، إن التعاون بين وزارة الزراعة واستصلاح الأراضى ومنظمة الفاو يعتمد على ما يسمى بـ"إطار البرنامج الوطنى"، الذى يتم وضعه بالتوافق بين الجانبين ويتضمن المحاور الرئيسية والخطط والمشاريع المتوقع تنفيذها على مدار خمس سنوات فى مجالات التنمية الزراعية والأمن الغذائى والمائى، والتكيف مع التغيرات المناخية وغيرها من المجالات.
وأشار إلى أنه مع انتهاء المدة الزمنية المرصودة لإطار البرنامج الوطنى الذى نفذته الفاو بالتعاون مع وزارة الزراعة واستصلاح الأراضى على مدار السنوات الخمس الماضية فى مصر، وتماشيا مع استراتيجية التنمية المستدامة فى رؤية مصر 2030 ومع أهداف التنمية المستدامة لمنظمة "الفاو"، فقد بدأ تنفيذ إطار البرنامج الوطنى الجديد للسنوات الخمس المقبلة حتى عام 2022 الذى سيتم توقيعه خلال أيام قليلة مع الدكتور عبد المنعم البنا وزير الزراعة واستصلاح الأراضى والذى يركز على تحقيق أولويات ثلاث.
وأضاف أن هذه الأولويات هى: تحسين الإنتاجية الزراعية، ورفع مستوى الأمن الغذائى فى السلع الغذائية الاستراتيجية، والاستخدام المستدام للموارد الزراعية الطبيعية، وذلك عن طريق التركيز على استراتيجيات متنوعة، مع العمل على تطوير السياسات والخطط القومية المتعلقة بالأمن الغذائى والتغذية، فضلا عن السياسات المتعلقة بتوسيع نطاق الحماية الاجتماعية ليشمل المناطق الريفية، مع التركيز على اتباع التكنولوجيات الحديثة لزيادة إنتاجية المياه والتأقلم مع التغير المناخى والتأكيد على الصلة بين المياه والطاقة والغذاء ومساعدة مصر لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة