رغم عدم استغراقها إلا ساعة ونصف الساعة، إلا أن الهجمات الصاروخية التى شاركت بها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا ضد أهداف داخل سوريا، فجر السبت، كشفت عن غياب أى استراتيجية شاملة لدى كل من واشنطن ولندن وباريس فى التعامل مع الملف السورى.
وبعد أقل من يومين على العدوان، نشرت صحيفة واشنطن بوست تفاصيل من داخل البيت الأبيض حول كيفية اتخاذ الرئيس الأمريكى دونالد ترامب قراره بشن الهجوم، مشيرة إلى أنه منذ اللحظة التى أبلغه فيها رئيس موظفى البيت الأبيض جون كيلى فى وقت متأخر من ليل السابع من إبريل بمقتل العشرات فى أحد ضواحى دمشق مختنقين، وخروج رغاوى من أفواههم جراء ما يشتبه فى أنه هجوم بالغاز، كان الرئيس دونالد ترامب عازما على العودة إلى ضرب سوريا مجددا.
وكان السؤال الوحيد بالنسبة لترامب ـ بحسب الصحيفة ـ هو "كيف ؟". وهو ما كان بمثابة تغييرا مفاجئا فى اللهجة الرئيس الأمريكى كان يقول حتى أيام قليلة ماضية إنه يريد أن يسحب القوات الأمريكية من الحرب السورية المستعصية، وقال بشكل واضح "دعوا ناس آخرين يتولون الأمر الآن"، إلا أن صور "فظائع" الأسبوع الماضى لاحقت ترامب، حسبما يقول مسئولو البيت الأبيض، لتستمر مداولات حامية على مدار ستة أيام مع فريقه للأمن القومى الذى أعاده تنظيمه، وأيضا مع الحلفاء فرنسا وبريطانيا، حول الخيارات العسكرية للرد على الجانى المزعوم فى هذا الهجوم وهو الرئيس السورى بشار الأسد.
وكانت النتيجة إسقاط صواريخ على ثلاث منشآت للأسلحة الكيماوية فجر السبت ليعلن ترامب على تويتر بعد ساعات أنه "تم إنجاز المهمة"، مثلما أعلن من قبل جورج دبليو بوش الانتصار فى العراق.
لكن برغم ابتهاج ترامب، تتابع واشنطن بوست، فإن العديد من المستشارين المقربين من الرئيس يقولون إنه ليس لديهم مؤشر على أن هناك إستراتيجية طويلة المدى للمنطقة، وأنه يبدو أنه فى نفس الوضع الذى كان عليه عندما قصف مطار الشعيرات العام الماضى.
وتقول واشنطن بوست إن الضربات التى تم توجيهها لسوريا كانت أكثر تحفظا من الصور التى حاول ترامب استحضارها فى تغريداته عندما حذر الأسد وحكومتى روسيا وإيران من دفع ثمن باهظ، وقال إن الصواريخ اللطيفة والجديدة والذكية ستأتى.
لكن فى اجتماعات الأمن القومى المغلقة، كانت لهجة كبار المسئولين أكثر دقة، فسيطر على النقاش القلق من أن الهجوم الأمريكى على سوريا ربما يثير نزاعا مع روسيا التى هددت بالرد.
وأدى غياب الإستراتيجية الواضحة إلى تعقيد المناقشات. فقد خاض ترامب حملته الانتخابية باعتبار أنه يرفض التدخل فى الدول وتعهد بالانسحاب من تشابكات الشرق الأوسط التى قال إنها تكلف الأرواح والأموال الأمريكية.
لكن بالنسبة لفريق الأمن القومى الخاص ترامب، كان القيام تحرك ما ضرورى مع قول المسئولين إنهم استمعوا للرئيس الذى انتقده سلفه باراك أوباما لطرحه احتمالية القيام بعمل عسكرى دون أن يقدم عليه. ففى عشاء بالبيت الأبيض يوم الثلاثاء الماضى، قال ترامب إن مشكلات سوريا حدثت لأن أوباما لم يطبق الخطوط الحمراء، حسبما قال أحد الحاضرين وهو ألان ديرشوفيتز، أستاذ القانون بجامعة هارفارد.
ورغم مناقشة خيارات للقيام بعمل أكثر توسعا، إلا أن الخطة التى وافق عليها ترامب فى النهاية كانت مزيج من الصواريخ البرية والبحرية وضربات جوية متطورة، تم تصميميها لتقلق المخاطر للأمريكيين والحلفاء المشاركين وتقليل فرص التعقيد غير المرغوب فيه.
ومن واشنطن إلى لندن، قالت صحيفة الأوبزرفر البريطانية إن رئيسة وزراء بريطانيا تريزا ماى تواجه رد فعل غاضب من نواب البرلمان بعدما أمرت القوات البريطانية بالانضمام لفرنسا الولايات المتحدة فى توجيه ضربات ضد سوريا، دون الحصول على موافقة البرلمان.
فبعد ساعات من مشاركة المقاتلات البريطانية فى قصف مواقع عسكرية روسية غرب حمص فى الثانية من صباح أمس السبت، أصدرت رئيس الوزراء بيانا تدافع فيه عن التصرف، وقالت إنه اتخذته لأسباب إنسانية.. وقالت ماى إنها واثقة من أن الضربات كانت ناجحة.
وتعرضت ماى لانتقادات من السياسيين المعارضين فى بريطانيا، واتهمها رئيس حزب العمل جيريمى كوربين بالسير وراء دونالد ترامب، وأصر على أنه كان ينبغى أن تحصل على موافقة البرلمان أولا. وقال "إن القنابل لن تنقذ حياة ولن تحقق السلام، وهذا عمل مشكوك فيه قانونيا ويخاطر بمزيد من التصعيد".
وقالت الأوبزرفر إن ماى ستواجه احتجاجات خارج البرلمان وغضب من نواب مجلس العموم رغم محاولاتها للحد من تداعيات قراراه السماح بمشاركة بريطانيا فى ضرب سوريا.
وفى ظل القلق من غضب النواب من تهميشهم، كتبت ماى خطابا لحزبها فى البرلمان توضح التحرك ونشرت حجة الحكومة القانونية فى التدخل. إلا أن المحتجين المعارضين للحرب يخططون للتظاهر أمام ويتمنيستر، وسيضعها عدم تشاورها مع البرلمان فى وجه غضب النواب مع توجيهها خطاب لهم غدا الاثنين.
ولم يختلف الوضع كثيراً داخل فرنسا، الدولة الثالثة فى العدوان على سوريا، حيث يواجه الرئيس الشاب إيمانويل ماكرون حملة انتقادات لاذعة لقرار الهجوم على الأراضى السورية، ما وضعه محل انتقاد من قبل الأحزاب اليمينية واليسارية على حد سواء، والتى وصفته بأنه بات وبشكل سريع تابعاً للبيت الأبيض.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة