قال أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، إن القمة العربية تنعقد هذا العام، وما زال حال الأزمة يُمثل الصفة الغالبة على الأوضاع العربية بصورة عامة.
وأوضح أبو الغيط فى كلمته خلال الجلسة الافتتاحية لاجتماع مجلس الجامعة على المستوى الوزاري (القمة 29)، إن أوضاعاً وأزمات خطيرة مكنت قوى دولية وإقليمية من التدخل في شئون دول المنطقة بصورة غير مسبوقة . تحقيقاً لمصالحها الذاتية وبشكلٍ يؤدي إلى تعقيد الأزمات القائمة وإطالة أمدها.
وتابع: وبرغم أن الأغلبية العظمى من الدول العربية لا تواجه تهديدات أو أزمات خطيرة ولله الحمد، إلا أن استمرار حالات التفكك والتفتت في بعض الدول يُلقي بظلاله على المشهد العربي في مجمله . خاصة وأن الأزمات لا تعرف الحدود، وإنما تمتد آثارها السلبية من دولة إلى أخرى في صورة مخاطر أمنية وتهديدات إرهابية، فضلاً عن تفاقم مشكلة اللاجئين التي تُمثل واحدة من أخطر الأزمات التي ينوء بها كاهل الدول المستضيفة، وعلى رأسها لبنان والأردن.
ولفت أبو الغيط إلى أن المشهد ليس قاتماً كله . وقد حمل العام الماضي بعض الأنباء المبشرة وعلى رأسها ما تحقق من انتصارات على جماعة الإجرام والتخريب المُسماة بداعش. وينبغي العمل على تحصين هذا الانتصار بالإسراع في إعادة الإعمار وتأهيل السكان الذين تعرضوا لشتى صنوف المعاناة، تمهيداً لعودة اللاجئين لأوطانهم والنازحين إلى ديارهم . مؤكدا إن بذل الجهد في هذه النواحي يكاد يوازي في أهميته الانتصار العسكري، ذلك أن هذا وحده هو ما يحول دون عودة جماعات التكفير إلى هذه المناطق.
وأضاف: لقد أدان هذا المجلس التدخلات الإيرانية في الشئون الداخلية للدول العربية بأشد العبارات. كما عقد اجتماعاً طارئاً بمقرِ الأمانة العامة بالقاهرة في 19/11/2017 لمناقشة كيفية التصدي لهذه التدخلات وما تؤدي إليه من تقويض للأمن والسلم العربي، وذلك عقب ما تعرضت له مدينة الرياض من عمل عدواني بإطلاق صاروخ باليستي إيراني الصنع من داخل الأراضي اليمنية، وكذلك ما تعرضت له مملكة البحرين من عمل تخريبي إرهابي بتفجير خط أنابيب النفط.
وتابع: إن ملف التدخلات الإيرانية يشغل العرب جميعاً . وهو من الأمور التي تتعامل معها المنظومة العربية بأعلى درجات اليقظة والانتباه. وعلى جيراننا من الأطراف الإقليمية أن يعلموا أنه عندما يتعلق الأمر بتهديد الأراضي العربية أو العبث بسيادة الدول. فإن العرب يتحدثون بصوت واحد، ويتحركون انطلاقاً من فهمٍ مشترك.
وأكد أبو الغيط إنه علينا جميعاً مسئولية مُعالجة الظروف التي أدت إلى إتاحة الفرصة لهذه التدخلات غير الحميدة عبر التوصل إلى تسويات سياسية مُستدامة للأزمات الداخلية وحالات الاحتراب الأهلي التي تجتاح بعض دولنا.
وبخصوص القضية الفلسطينية، قال أبو الغيط، تتعرض القضية الفلسطينية في المرحلة الحالية لمحاولة خطيرة لتقويضٍ مُحدداتها الرئيسية. فقد شكلَّ قرار الرئيس الأمريكي الأُحادي وغير القانوني، بنقل سفارة الولايات المتحدة من تل أبيب إلى القدس والاعتراف بالمدينة عاصمة لإسرائيل، تحدياً غير مسبوق لمُحددات التسوية النهائية المستقرة والمتفق عليها دولياً، منذ بدء العملية السياسية في مطلع التسعينات.
وأكمل: وقد حرصتُ خلال العام الماضي أن تكون القضية الفلسطينية -وخاصة فيما يتعلق بالدفاع عن وضعية القدس كأرضٍ محتلة، وكذا عن دور وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) التي تتعرضُ لتضييق غير مسبوق- على رأس قائمة أولويات العمل السياسي للجامعة العربية .
وشدد على إن المرحلة القادمة تتطلب منا جميعاً عملاً متضافراً من أجل تعزيز المواقف الفلسطينية، ودعم صمود الفلسطينيين على الأرض خاصة في القدس، وحشد الاعتراف بالدولة الفلسطينية على الصعيد الدولي، فضلاً عن ضرورة التصدي لكافة المحاولات التي تقوم بها دولة الاحتلال – عبر اختراق بعض الكتل الدولية التي طالما أيدت الحقوق الفلسطينية- من أجل تطبيع وضعيتها في المؤسسات الأممية بالحصول على مقعد غير دائم في مجلس الأمن عن الفترة 2019-2020 . وهو أمر إن حدث فسيكون بمثابة مكافأة للدولة الأكثر انتهاكاً للقرارات الأممية.
وأكد أبو الغيط إن التحدي أمام العرب اليوم يتمثل في الحفاظ على محددات العملية السلمية كما وضعها الجانب العربي في مبادرة السلام العربية، وعدم السماح بتمييعها أو التلاعب بها أو قلب أولوياتها بهدف جني ثمار السلام قبل الوفاء بمقتضياته . وفي هذا الصدد، فإننا نؤكد على أهمية الرؤية التي طرحها الرئيس أبومازن، رئيس دولة فلسطين، في كلمته أمام مجلس الأمن في 20 فبراير الماضي.. والتي قدم خلالها تصوراً واقعياً وقابلاً للتطبيق لتسوية نهائية للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.
وبخصوص سوريا، قال الأمين العام للجامعة العربية، إنه في ظل ما تشهده الأزمة السورية من تطورات مُتسارعة ومؤسفة. فإن انحسار التأثير العربي في مجريات أحداث هذه الأزمة يُتيح تدويلها بصورة لا تصب في مصلحة الشعب السوري. وقد شهدنا مؤخراً عدداً من الاجتماعات التي تضم قوى دولية وإقليمية لتقرير مصير الوطن السوري بصورة أخشى أن تدفع بهذا البلد العربي إلى واقع تقسيم فعلي، وتفتح المجال أمام تفتيته إلى كياناتٍ أصغر تهيمن عليها قوى خارجية . وهو أمرٌ لا أتصور أن دولة عربية تقبل به. حيث إن الإجماع العربي لا زال منعقداً على أن وحدة الوطن السوري وتكامل ترابه الإقليمي واستقلاله وحقن دماء أبنائه تمثل كلها منطلقات جوهرية في أية معالجة للوضع المأسوي الذي تعيشه سوريا .
وتابع: لقد انعقدت إرادة دولنا، في قرارات متتالية أصدرها مجلس الجامعة على المستوى الوزاري، على أن الحل السياسي يُمثل المخرج الوحيد لهذه الأزمة المستحكمة التي فاقت خسائرها المادية والبشرية كل تصور . وقد تمكنت جهود عربية مخلصة من جمع شتات المعارضة السورية على أجندة موحدة . وبقي أن يستمع النظام السوري لصوت العقل وأن يتخلى عن تصوراته بإمكانية الحسم العسكري، اعتماداً على قوى أجنبية لا تتوخى سوى تحقيق مصالحها الذاتية . وفي هذا الصدد، فإننا نشدد على ضرورة الحفاظ على مسار جنيف، الذي تقوده الأمم المتحدة، من أجل التوصل إلى تسوية سياسية تضم جميع القوى السياسية في سوريا على أساس القرار 2254 . ولا ينبغي السماح بتهميش هذا المسار أو تقويضه لصالح أجندات اخرى.
وأضاف: لا زالت كل من الأزمتين اليمنية والليبية بعيدتين عن الحل..ففي اليمن تُمعن القوى الإنقلابية في البطش والتنكيل بالشعب اليمني، متمترسة خلف مواقفها، ومواصلة لأداء دورها كمخلب قط لداعمها الإقليميّ. ورافضة لأي حوار جاد أو حل سياسي يكون من شأنه استعادة الاستقرار لهذا البلد الذي عانى أبناؤه الكثير والكثير .. وفي ليبيا مازالت الحالة الميلشياوية وغياب الحوار الجاد بين الفرقاء يحولان دون التقدم على مسار استكمال الاستحقاقات الدستورية المُقررة . وذلك برغم الجهود المقدرة التي يبذلها المبعوث الأممي وفق خطة العمل التي أطلقها والتي تدعمها الجامعة العربية.
وأوضح أبو الغيط، إنه قدم لقد لوزراء الخارجية العرب إبان الاجتماع الوزاري الأخير بالقاهرة ورقة مختصرة تُمهد لحوار صريح ومثمر حول استراتيجية الأمن القومي العربي . وهو حوار تشتد إليه الحاجة اليوم من أجل التعامل مع الاختراقات والتهديدات الخطيرة للأمن القومي العربي. معربا عن تطلعه إلى تلقي تعليقاتكم وآرائكم القيمة في هذا الموضوع الهام، تمهيداً لنقاشٍ جادٍ بشأنه أعتزم الدعوة إليه في القريب.
وقدم أبو الغيط التهنئة إلى المملكة العربية السعودية على توليها رئاسة الدورة العادية التاسعة والعشرين للقمة العربية، راجياً لها دوام الرِفعة والرخاء تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود.
كما توجه بعميق التقدير إلى المملكة الأردنية الهاشمية وجلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين على رئاسة الدورة السابقة للقمة، وإدارته الحكيمة لدفة العمل العربي المشترك على مدار العام المنصرم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة