يبدأ وزير الخارجية الأمريكى ريكس تيلرسون، اليوم الثلاثاء، جولة أفريقية موسعة تستمر أسبوعًا وتشمل 5 دول هى، تشاد وجيبوتى وأثيوبيا وكينيا ونيجيريا، وتعد هذه أول جولة يقوم بها فى أفريقيا منذ توليه مهام منصبه فى إدارة الرئيس دونالد ترامب.
ووصف مراقبون هذه الجولة بأنها محاولة لإصلاح ما أفسده ترامب فى علاقات بلاده الأفريقية عقب تصريحاته المسيئة لبعض دول القارة والتى خلفت غضبا شعبيا ورسميا وشعبيا واسعا على الساحة الأفريقية.
ووفقا لبيان صادر عن وزارة الخارجية الأمريكية، فإن تيلرسون سيبحث مع المسئولين فى الدول الـ 5 سبل تطوير العلاقات مع الحكومات والشعوب بأفريقيا، كما يناقش العديد من الموضوعات الأخرى مثل مكافحة الإرهاب وتنمية السلام والأمن وحسن الإدارة وتنمية التجارة المتبادلة.
وبينما يرى محللون أن إيفاد "ترامب"، لوزير خارجيته إلى أفريقيا فى هذه الجولة الموسعة، بهدف حماية مصالح الولايات المتحدة الاستراتيجية فى القارة من ناحية، ولتأكيد التزام وحرص واشنطن على تعزيز علاقاتها مع بلدان القارة من ناحية أخرى، فإن تيلرسون يواجه خلال الجولة عددا من التحديات التى تجعل مهمته صعبة حيث سيكون عليه العمل على ترميم صورة الولايات المتحدة لدى شعوب وقيادات القارة الأفريقية، وهى الصورة التى تضررت كثيرا منذ مجئ ترامب للسلطة لاسيما فى ظل أجندته ومواقفه الخارجية والتى أظهرت تراجعا واضحا فى موقع أفريقيا وقضاياها فى هذه الأجندة.
ثم جاءت تصريحات ترامب التى أدلى بها خلال اجتماع بالبيت الأبيض لمناقشة قضايا الهجرة ووصف فيها بعض البلدان الأفريقية بأنها "حثالة"، لتزيد الشكوك والمخاوف الأفريقية تجاه نوايا ومواقف الإدارة الأمريكية وسياساتها المستقبلية بشأن القضايا الأفريقية.
وفى حين سعى ترامب لاحتواء الغضب الأفريقى من تصريحاته المسيئة وبعث برسالة إلى قمة الاتحاد الأفريقى الأخيرة التى عقدت فى شهر يناير الماضى أكد فيها احترام الولايات المتحدة العميق لشعوب أفريقيا والتزامها بعلاقات قوية معها، وكان تيلرسون أول من استشعر التداعيات السلبية لتصريحات ترامب على المصالح الحيوية الأمريكية فى أفريقيا، فسارع لاحتواء هذه التداعيات من خلال تأكيده على اهتمام بلاده بتطوير علاقاتها مع دول أفريقيا، وقال، "إن لدينا علاقات إيجابية جدا مع الدول الأفريقية ونحن نتعاون فى عدد من القضايا فى مجالات الأمن والتنمية الاقتصادية".
أما التحدى الثانى الذى يواجه تيلرسون خلال جولته الأفريقية فيتعلق بمدى قدرته على تسويق السياسات الأمريكية الجديدة لاسيما فيما يخص التعاون الاقتصادى مع دول القارة حيث تسعى إدارة الرئيس ترامب لاعتماد مبدأ تعزيز التجارة والاستثمارات فى أفريقيا بدلا من سياسة المساعدات والمعونات التى اعتمدت فى السابق، وهو ما قد يعنى تقليص حجم المساعدات الأمريكية المقدمة للبلدان الأفريقية.
وقد كانت المساعدات الأمريكية لأفريقيا محور خلاف داخل إدارة ترامب بعد مقترح بتقليص هذه المساعدات حيث حذر بعض المسئولين من أن ذلك يشكل خطرا على المصالح الحيوية الأمريكية فى أفريقيا، ويفسح المجال أمام لاعبين آخرين لتعزيز علاقاتها الاقتصادية والسياسية على الساحة الأفريقية.
ويعكس التوجه الجديد للولايات المتحدة بالنسبة للعلاقات التجارية مع أفريقيا، نظرتها إلى القارة باعتبارها سوقا ضخمة للمنتجات والبضائع الأمريكية حيث يتوقع أن تمثل أفريقيا بحلول العام 2030 حوالى ربع القوى العاملة والمستهلكين فى العالم، ويبلغ عدد سكانها حاليا أكثر من 1.7 مليار نسمة، وبحلول العام 2050 من المتوقع أن يتضاعف عدد سكان القارة إلى أكثر من 2.5 مليار شخص وتقل أعمار 70% من هؤلاء السكان عن 30 عاماً.
وقد ارتفعت الصادرات الأمريكية إلى أفريقيا جنوب الصحراء من 17 مليار دولار فى العام 2010 إلى أكثر من 25 مليار دولار فى العام 2014 فيما بلغت الاستثمارات الأمريكية فى أفريقيا عام 2016 57,5 مليار دولار.
وإلى جانب المصالح الاقتصادية، فإن القارة الأفريقية تمثل أهمية أمنية وسياسية كبرى بالنسبة للولايات المتحدة لاسيما فى ظل تنامى خطر التنظيمات والجماعات المتشددة وفى ضوء التنافس المحموم بين القوى الدولية الكبرى على النفوذ والثروات فى أفريقيا وهذا ما يقود إلى التحدى الثالث الذى ينتظر وزير الخارجية الأمريكى خلال جولته الافريقية المرتقبة.
فالولايات المتحدة تواجه منافسة شرسة من قبل بعض الأطراف الدولية فى أفريقيا التى تحولت فى العقود الأخيرة لساحة للتنافس الدولى على مواردها وثرواتها الطبيعية فضلا عن تعزيز التواجد العسكرى والأمنى على أراضيها فى إطار الحرب على الإرهاب.
وعلى رأس هذه القوى الدولية المنافسة للولايات المتحدة فى أفريقيا تأتى الصين التى أصبحت أكبر شريك تجارى للدول الأفريقية خلال السنوات الأخيرة بفضل اعتمادها سياسة المصالح المتبادلة وعدم التدخل فى شؤون الآخرين، وعلى عكس الولايات المتحدة فى التعامل مع دول إفريقيا تبنت الصين سياسة القروض الميسرة والمساعدات غير المشروطة بحقوق الانسان أو الحريات وغيرها من الشروط التى تضعها الدول الغربية عادة فى هذا الصدد وقد بلغ حجم التبادل التجارى بين الصين وأفريقيا عام 2017 أكثر من 85 مليار دولار.
ولا تقتصر منافسة الولايات المتحدة فى أفريقيا على الصين فحسب، فهناك فرنسا التى باتت تولى اهتماما كبيرا بأفريقيا خلال السنوات الأخيرة فى محاولة لاستعادة نفوذها التقليدى فى القارة، هذا الاهتمام بدأ بوضوح فى عهد الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزى ، وعلى نفس الخط يسير الرئيس الحالى إيمانويل ماكرون، وقد برز ذلك فى اختيار ماكرون أن تكون جمهورية مالى أول دولة يزورها رسميا خارج أوروبا بعد أسبوع على تسلمه مهامه كرئيس لفرنسا، كما قرر تشكيل مجلس رئاسى لأفريقيا يضم شباب رجال الأعمال الذين يحملون جنسيتين ولديهم علاقات وثيقة مع بلدانهم الأصلية.
وعلى عكس الولايات المتحدة تحظى فرنسا بوجود عسكرى كبير فى أفريقيا حيث قدر إجمالى العسكريين الفرنسيين فى أفريقيا بنحو 9 آلاف فرد فى عام 2015 ينتشرون فى عدد من القواعد العسكرية الفرنسية فى كل من جيبوتى وساحل العاج والجابون والسنغال وشمال النيجر قرب الحدود مع جنوب ليبيا.
ورغم كل هذه التحديات التى سيكون على تيلرسون التعامل معها خلال جولته الأفريقية المرتقبة دفاعا عن المصالح الاستراتيجية الأمريكية فى أفريقيا ورغم ظهور منافسين جدد لواشنطن على الساحة الأفريقية إلا أن محللين وخبراء يتفقون على أن الولايات المتحدة ستبقى اللاعب الدولى الأهم والأكثر تأثيرا على هذه الساحة، خصوصا فى ظل تركيز الإدارة الحالية على محاربة التطرف والإرهاب فى القارة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة