إذا كان على الرئيس الأمريكى أن يقرر خلال أقل من شهرين أى قبل يوم (12 مايو) المقبل مصير الاتفاق النووى المبرم بين إيران ومجموعة (5+1) فى عام 2015، ما إذا كان سينفذ تهديداته بالانسحاب من الصفقة وبالتالى سيعيد فرض عقوبات نووية جديدة على طهران، أو الاعلان عن نجاح مساعى إدارته فى اقناع الشركاء الأوروبيين الموقعين على الاتفاق (بريطانيا وألمانيا وفرنسا) بتعديل ما يعتبره عيوبا فى بنوده، بين هذين الفرضيتين إضافة إلى عدة عوامل أخرى تعزز من فرصة انسحاب دونالد ترامب، يكمن السؤال: ماذا لو انسحبت واشنطن من المعاهدة النووية؟.
الخيار الأمريكى المحتمل
هناك عدة عوامل ومتغيرات داخل الولايات المتحدة، تقوى من فرضية انسحاب الرئيس الأمريكى من الاتفاق النووى، فترامب نجح خلال الأشهر الماضية فى معالجة ما اسمته تقارير أجنبية الانقسام داخل إدارته حيال الاتفاق، عبر عزل مسئولين لم تتماشى أرائهم مع توجهاته، بل وانحاز بعضهم لفكرة الابقاء على الاتفاقية النووية وعلى رأسهم وزير الخارجية ريكس تيلرسون، وعين ترامب بدلا منهم صقور فى إدارته على غرار وزير الخارجية مايك بومبيو ومستشار الأمن القومى جون بولتون المعارضين الشرسين لطهران.
الرئيس الأمريكى دونالد ترامب
الاتفاق النووى على مفترق طرق
المتابع للمشهد السياسى الإيرانى فى الداخل وربطه بالعوامل السابقة، يدرك أن طهران قرأت سيناريوهات الإدارة الأمريكية مبكرا، وبدا واضحا لها أن الأسابيع المقبلة ستحمل لها خيرا غير ساراً عن الاتفاق النووى، أى أنها تفهمت أن انهياره أصبح وشيكا، الأمر الذى أصبح واضحا فى لهجة السياسيين الإيرانيين فبعد أكثر من عامين لم يعد الإيرانيين يعوّلوا على هذه الصفقة لا سيما وأنهم لم يستفيدوا منها بالطريقة المثلى وتحقق الهدف المرجو وهو انتعاش اقتصادى وانفتاح على العالم وادخال استثمارات للبلاد، ولا تزال كبريات الشركات مترددة وتخشى الإنخراط فى السوق الإيرانية، فمن ناحية هناك احتمال قوى انهيار هذا الاتفاق حال انسحاب الولايات المتحدة، كما أن الإدارة الأمريكية تفرض بين الحين والأخر عقوبات على طهران.
كما أن منحنى الطموحات الإيرانية من الصفقة النووية انخفض كثيرا، الأمر الذى أصبح واضحا فى تصريحات المسئولين، ففى كلمة ألقاها مساعد وزير الخارجية الإيرانى، عباس عراقجى وأحد فريق التفاوض النووى، فى مؤسسة تشاتام هاوس فى لندن فبراير الماضى قال فيها بحسب وكالة رويترز "الاتفاق لن يصمد بهذا الشكل حتى إذا مر الإنذار وتجدد رفع العقوبات"، مضيفاً أنه "إذا استمرت السياسة نفسها التى تتسم بالخلط وعدم التيقن فى الدول الموقعة على الاتفاق، وإذا لم تتعامل الشركات والبنوك مع إيران، فلن نتمكن من الإبقاء على الاتفاق الذى لا يفيدنا بشىء... هذه حقيقة".
وحتى رهان طهران على الشركاء الأوروبيين الموقعين على الاتفاق أصبح غير معول عليهم أيضا، فبعد أن كشفت وثيقة فى مارس الجارى عن مطلب الأوروبيين بفرض عقوبات على طهران تستهدف إيرانيين ضالعين في تطوير برنامج إيران للصواريخ الباليستية بدلا من انسحاب واشنطن من الاتفاق النووى، أدركت طهران أن التعويل على الأوروبيين لن يكون مجدى فى هذه المرحلة، وقال عباس عراقجى فى الشهر نفسه، وفقا لما نقلته وسائل إعلام إيرانية "إذا اتخذت دول أوروبية خطوات لفرض عقوبات غير نووية على إيران لإرضاء الرئيس الأمريكى فسترتكب بذلك غلطة فادحة سترى نتيجتها المباشرة على الاتفاق النووى".
فريق الرئيس الإيرانى
سيناريوهات إيرانية محتملة على انسحاب الولايات المتحدة
من المؤكد أن إيران وضعت خيارات بديلة وسيناريوهات متعددة قد تفرض عليها هذه المرحلة اللجوء إليها، أولا على المستوى الداخلى، فى حال انهيار الاتفاق، قد يجبر الأمر الرئيس حسن روحانى ذو الخطاب المعتدل غير الصدامى مع الغرب عن التخلى عن هذا الخطاب، والعودة لصفوف التيار المحافظ الذى صعد منه، وبالتالى قد نشهد خطابات نارية من روحانى ولهجة تصعيدية تجاه الغرب. لا سيما وأن الرئيس الإيرانى يعتبر أن هذا الاتفاق هو ثمار ولايته الأولى وانهياره يعنى خيبة أمل له وللتيار المعتدل والإصلاحى الذى دعمها بشدة أمام المتشددين الرافضين لها، وتفاخر بمرونته فى حل القضايا الخارجية وبقدرة كوادره فى التفاوض.
حسن روحانى
وعلى المستوى الداخلى أيضا من المتوقع أن يتقاسم التيارين الاصلاحى والمحافظ الدعوة للوحدة الوطنية، وتنحية الخلافات الداخلية وصراع الأجنحة جانبا، والتركيز على اجهاض مؤامرات أعداء طهران فى الخارج، عبر خطاب تعبوى يحمس الجماهير الإيرانية على الوقوف إلى جانب الدولة الإيرانية، أى ستستغل طهران مواقف الغرب تجاهها ليصب ذلك فى صالح الداخل، لتحقيق لحمة وطنية.
أما على المستوى الخارجى، فطهران تمتلك العديد من كروت اللعبة، فمن المتوقع أن على سبيل المثال، سوف تعزز طهران من تواجدها فى منطقة الخليج، وتمعن فى سياسة المكايدة، وتعزز أيضا من تدخلاتها فى بلدان المنطقة لاسيما حلفاء واشنطن، وسترتفع حدة لهجتها العدائية لواشنطن وحلفاءها، كما أنها من المؤكد سترفع من وتيرة تطوير برنامجها الصاروخى الباليستى، وستضرب بالعقوبات عرض الحائط.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة