منضدة بسيطة فى أحد أركان سوق الذهب فى قنا، وأسطوانة غاز، و"باشبورى"، وقطعة رخام، هى كل رأسمال "عم عماد"، لكنه رغم بساطة محل عمله، لكن ذهبا قيمته تتجاوز عشرات الآلاف من الجنيهات تعبر يمر تحت يده كل يوم، تأتيه قطع الذهب "معيبة" وقد تعرضت للكسر، لكنها تخرج من يده وقد عادت كما كانت عندما اشتراها أصحابها لأول مرة، لامعة وسليمة.
"عم عماد شرشر" هو عميد "لحامى الذهب" فى سوق الصاغة بدشنا، أقدم 10 صناع يمتهنون هذه المهنة النادرة فى السوق، وهو عميدهم ومعلم الحرفة لبعضهم.
يروى "عم عماد" لـ"اليوم السابع" حكايته، فيقول أنه بدأ احتراف تلك المهنة التى تعلمها عن والده الذى كان يمتلك محلا لبيع المصوغات الذهبية فى منطقة الصاغة، وأصبحت شهرته فى إمكانية إعادة الذهب "المكسور" إلى حالته الأولى، وكذلك تلميع الذهب الذى انطفأ بريقه، وهى المهنة التى ورثها عنه حتى صار "أشطر" من يقوم بتلميع الذهب فى سوق دشنا.يقول عم عماد أن تلك المهنة تحتاج إلى دقة وتركيز، وقدرة كذلك على التحكم خاصة عند استخدام النيران، فمقدار صغير زائد منها قد يتلف القطعة الذهبية بأكملها، وبدلا من أن تعود لحالتها الأولى، تصبح قطعة ذهب بلا قيمة وقد فقدت كل جمالها وبريقها، وهذا ما يفرق "صنايعى" عن آخر، وهو القدرة على تليين الذهب وإعادته إلى طبيعته مرة أخرى بلا عيوب.
وعن الطريقة التى يعود بها الذهب المكسور إلى طبيعته، يقول "عم عماد": أول المراحل هو استخدام النيران الخارجة من "أنبوبة الأكسجين" لجلى الذهب وتليينه، بعدها يتم وضعه فى "ماء الذهب" لإعادة لونه البراق له من جديد، ثم لحام القطعة المكسورة، بالإضافة إلى ذلك فإن عملية "الجلى" و"التليين" تظهر حقيقة معدن الذهب، فالذهب الأصلى والنقى لا يتأثر بالنار، لذا فإذا تغير نقاء الذهب فى عملية اللحام فهذا يعنى أن هناك مشكلة وأنه مغشوش.
لا يبدو الأمر بسيطا كما رويناه هكذا، فهو يحتاج إلى يد خبيرة، "لأن الغلطة بفورة" بحسب تعبير "عم عماد"، فإذا تعرض جزء من القطعة الذهبية إلى نار زائدة فقد ينصهر وتضيع ملامحه، وكذلك النقوش الموجودة عليه.
ولأن لكل مهنة متاعبها، فهذه المهنة لها متاعب من نوع خاص، إذ أن الحرارة والضوء المنبعثين من "أدوات اللحام" يهددان نظر العاملين فيها بالضعف، كثيرين من زملاء المهنة كما يقول عم عماد ضعف بصرهم كثيرا.
لكن ارتفاع أسعار الذهب مؤخرا جعل مهنة "لحام الذهب" تتأثر، مازال "عم عماد" يتذكر تلك الأيام الخوالى حين كان الناس يشترون الذهب كثيرا ويغيرونه من وقت لآخر ويهتمون بإصلاح المكسور منه أو طلائه لإعادة بريقه له، لكن ارتفاع الأسعار جعل شراء الذهب عملية نادرة، وكذلك ارتداؤه أيضا، فأصبحت من تملك قطعة ذهبية لا ترتديها سوى فى المناسبات، كما أن الشراء والبيع توقف، لكنها "رزقت" من ناحية أخرى، فقد أصبح بائعو محلات الذهب يأتون كل فترة لتنظيف الذهب الموجود فى "العرض" لتلميعه نظرا لتعرضه للتراب بشكل مستمر.
يختتم "عم عماد" حديثه لـ "اليوم السابع" قائلا: "مهنتنا هى الوحيدة اللى ما ينفعش تغلط فيها، ونفسى سعر الجرام يرجع زى الأول علشان الشغل يزيد".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة