أرادت الحكومة أن تبرر أمام الرأى العام خطوتها بإعفاء الدكتور طه حسين من عمادة كلية الآداب، جامعة فؤاد الأول، فلجأت إلى الصحف الموالية لها ومجلس النواب. وحسب الدكتور أحمد زكريا الشلق فى كتابه «طه حسين.. جدل الفكر والسياسة»، عن «الهيئة المصرية العامة للكتاب-القاهرة»: «جعلت تثير المواقف الفكرية لطه حسين وتندد بمؤلفاته، وتدعى سوء إدارته لكلية الآداب، وبدأ النواب يهاجمونه ويهاجمون الجامعة ومناهج التدريس فيها، وأوعزت الحكومة لبعض مؤيديها فى مجلس النواب لإثارة القضية فى شكل استجواب».
يؤكد «الشلق» أن الاستجواب تقدم به النائب عبدالحميد سعيد، ووقّع عليه عشرة نواب آخرين، وعرض النائب استجوابه يوم 7 مارس 1932، وينقل «الشلق» عن مضبطة البرلمان أن النائب وجّه اتهامات لطه حسين، هى عدم احترام الشعور الدينى والآداب القومية، عندما ظهرت صورته فى «الأهرام» بالعدد 16959 وإلى جانبه يختلط جلوس الشبان والشابات جنبًا إلى جنب.
ويوضح صبرى أبوالمجد فى كتابه «ما قبل الثورة» عن «الهيئة المصرية العامة للكتاب- القاهرة»، أن الصورة كانت لحفلة شاى أقامها طلبة وطالبات كلية الآداب بمناسبة نجاحهم فى «مشروع القرش».
واتهم الاستجواب طه حسين بتحريض بعض أساتذة الجامعة على الامتناع عن التدريس بكليات الأزهر، وجدد الاستجواب قضية كتاب «الشعر الجاهلى»، التى أثيرت قبل سنوات، واتهمت طه حسين بأنه يشكك فى عقيدة الإسلام، وقال المستجوب: الكتاب مازال يدرّس بالجامعة تحت عنوان جديد «فى الشعر الجاهلى»، وتغيير العنوان لم يغير شيئًا من روحه اللادينية، فضلًا عن أن طه حسين يزين للشباب وسائل المجون والفجور فى مؤلفه «حديث الأربعاء».
تساءل مقدم الاستجواب: كيف تسمح الجامعة أن يكون هذا الرجل عميدًا لكلية الآداب بعد أن انفضح أمره، وضجت الأمة من خطر تعاليمه وآرائه؟، ورأى النائب أنه لا يكفى نقله من الجامعة إلى الوزارة، لأن ذلك سيمكنه من الإشراف على برامج التعليم فى أنحاء القُطر.
كانت هناك أسئلة أخرى تقدم بها النائب أحمد والى من حزب «الشعب» الحاكم، برئاسة إسماعيل صدقى، حسبما يؤكد الدكتور يونان لبيب رزق فى كتابه «فؤاد الأول.. المعلوم والمجهول»، عن «دار الشروق-القاهرة»، موضحًا أن الأسئلة كانت معدة سلفًا ليستغلها وزير المعارف للتشهير بطه حسين، وتناولت حضوره مؤتمر الآثار السورية فى بيروت ودمشق عام 1926، ورافقته السيدة قرينته، وصرف لهما عن ذلك مبلغ 50 جنيهًا و344 مليمًا، ومؤتمر المستشرقين فى أكسفورد عام 1928، وصرف له مع قرينته مبلغ 181 جنيهًا و995 مليمًا، ومؤتمر المستشرقين فى فيينا عام 1930، وصرف له 150 جنيهًا و937 مليمًا، وكان هناك سؤال عن مصير أعمال الترجمة التى كلفت الجامعة بها طه حسين.
فى يوم 16 مارس «مثل هذا اليوم» 1932، كان موعد وقوف وزير المعارف حلمى عيسى باشا أمام النواب للرد على كل ذلك، ويذكر الدكتور محمد حسن الزيات، زوج ابنة طه حسين، فى كتابه «ما بعد الأيام»، عن «دار الهلال- القاهرة»: «وقف الوزير فى مجلس النواب يقول إنه لم يسكت، ولم يسمح ببقاء طه حسين عميدًا، بل نقله من الجامعة إلى الوزارة، وهذا حق مارسه من قبله وزراء آخرون، ويجلس الوزير، ويترك النواب يتبارون فى الطعن على طه حسين فى عمله».
ويذكر يونان لبيب رزق أن الوزير قال عن أعمال الترجمة، إن كلية الآداب أخرجت سبعة كتب فرنسية لم يترجم العميد منها إلا كتابًا واحدًا عدد صفحاته 60 صفحة، وأما الكتب الأخرى فلم يقدم منها شيئًا، ومجموع المكافأة التى صرفت عن هذا العمل 480 جنيهًا. وعن النقل من الجامعة إلى الوزارة، قال الوزير إن المادة 16 من القانون عام 1927 الخاص بتنظيم وظائف التدريس بالجامعة جعلت تعيين الأساتذة وسائر المشتغلين بالتدريس من حق وزير المعارف.
لم يكتف النائب عبدالحميد سعيد باستجوابه، وإنما كتب فى «الأهرام» يوم 17 مارس، وحسب سامح كريم فى كتابه «معارك طه حسين الأدبية والفكرية»، عن «الهيئة المصرية العامة للكتاب- القاهرة» جاء فى المقال: «إننا نشاهد الرجل عدوًا للدين وتعاليمه، يشوه كل ما هو منسوب إليه، ومن يتتبع سلسلة حياته العلمية يجده يذهب فى كل مسألة تتعلق بالدين الإسلامى مذهب أعداء الدين وخصومه الألداء، وهناك نقطة ضعف فى حياته أعلنها صديقه المازنى فى كتابه «قبض الريح»، وتلك هى كونه ضريرًا قد أثر على آرائه وحكمه على الأشياء»، وفى يوم 18 مارس 1932 رد عميد الأدب العربى بعنف.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة