قديما قالوا إن كل منا له من اسمه حظ ونصيب، وكان نصيب الحاجة دهب ابنة قرية الهنداو بمركز الداخلة فى محافظة الوادى الجديد، أن قلبها كان من ذهب وعزيمتها كانت من فولاذ، فلم تستسلم لقسوة الظروف فتحملت المسئولية فى ريعان شبابها قبل أن تكمل عامها الثلاثين لتربية رضيعين، لم يبلغ عمر أكبرهما وقتها 4 أعوام وأصغرهما أكمل للتو عامه الأول، وقاومت كل ضغوط الحياة وصعوباتها ومغرياتها وفضلت السهر على تربية رضيعيها منفردة، وضحت بسنوات عمرها من أجل طفليها، وعملت موظفة بمرتب بسيط في إحدى الجهات الحكومية، واستطاعت بهذا المرتب أن توفر سكنا آمنا مستقلا لهما، لتضمن لهما سبل العيش الكريم، و أنشأتهم على الفضيلة والقيم والمبادئ ومكارم الأخلاق.
وفى مشهد مازال عالقا فى ذهن نجلتها التى اتخذت منه منهجا فى حياتها كلما داهمتها مصاعب الحياة تذكرته جيدا، حينما كانت ترى والدتها وهى طفلة صغيرة تبنى منزلهم بيديها وتضع اللبنات فوق بعضها كأمهر عامل بناء لوحدها ودون مساعدة من أحد، ونظراتها حائرة ما بين نظرة على بناء الجدار وأخرى على أطفالها الصغار الذين وضعتهما جانبا حتى تكمل عملها الشاق وهو المشهد الذى أبكى نجلتها وهى تتذكره وتتحدث عنه.
تقول السيدة دهب فرغلي فرحات الفائزة بالأم المثالية فى محافظة الوادى الجديد، إنها من مواليد 23 يونيو 1951 بقرية الهنداو بالواحات الداخلة محافظة الوادي الجديد فى تصريح خاص لــ" اليوم السابع"، أنها لم تيأس من المواقف التى مرت بها فى حياتها وهى شابة بعد أن مرت بتجربة أسرية مؤلمة تركت لديها جرح غائر وصدمة كبيرة جعلتها تعيد التفكير فى مستقبلها، والذى لم ترى فيه سوى طفليها الصغيرين وقررت أن تتفرغ لهما تماما وأن تعمل على تنشئتهما ورعايتها حتى ترى فيهما أملها الذى كانت تحلم به .
وتضيف الحاجة دهب أن وعيها بأهمية التعليم ودوره في بناء شخصية أطفالها ومستقبلهم كان دافعا لها للحرص على أن يبذل أولادها كل ما فى وسعهم في مراحل دراستهم المختلفة، فكانت دائمة الحرص على متابعة سير دراستهم وكانت في سبيل ذلك تصل الليل بالنهار في أوقات الدراسة للتأكد من قيام ولديها بواجباتهم تجاه دروسهم ودراستهم، وكانت تعتبر أن ذلك فرض لا يقل أهمية عن الفروض الخمسة، وكلل الله جهدها في تعليم أولادها بحلول ابنها الأكبر في المركز الثالث على محافظة الوادي الجديد في أوائل الثانوية العامة في عام 1995، وتكريمه في ذلك العام الطالب المثالي على مستوى محافظة الوادي الجديد، والتحاقه بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة كأول من يلتحق بها من أبناء قريته، ومن بين قلائل التحقوا بها على مستوى المحافظة.
وتؤكد الحاجة دهب أن نجلها الدكتور عاطف سعداوى تخرج من الكلية بتقدير جيد جدا مع مرتبة الشرف، وكان من بين الأوائل على دفعته في قسم العلوم السياسية، وهو ما كان سببا لتعيينه فور تخرجه باحثا في مركز الدراسات الأسيوية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة قبل أن ينتقل للعمل في مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بمؤسسة الأهرام القومية، وإدراكا منها أن التعليم والتحصيل لا ينتهي بالحصول على الشهادة الجامعية.
و كان إصرار الحاجة دهب على أن يكمل نجلها في مسيرة العلم أن حصل على درجة الماجستير في العلوم السياسية من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة بتقدير جيد جدا مع مرتبة الشرف، ثم الحصول على دبلومة النظم السياسية المقارنة من وحدة من أكبر جامعات العالم وهي جامعة سيراكيوز بولاية نيويورك الأمريكية، ومن كلية ماكسويل للعلاقات العامة والمواطنة، وهي التي تصنف على أنها أفضل كلية في الولايات المتحدة الأمريكية في مجال العلاقات الدولية، وهو الآن بصدد الحصول على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة.
وظلت الحاجة دهب ترعى ابنها حتى أصبح أصغر مدير تحرير لمطبوعة حكومية في مصر بمجلة الديمقراطية الصادرة عن مؤسسة الأهرام وذلك في عام 2003 ولم يكن عمره وقتها قد بلغ 26 عاما، كما أصبح باحثا بارزا في مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في مؤسسة الأهرام، وكاتبا صحفيا في جريدة الأهرام، وعضوا في نقابة الصحفيين، كما أصبح من أبرز المحللين السياسيين في مصر وضيفا على معظم الفضائيات المصرية والعربية والدولية، وحصل على عدد كبير من المنح الدولية، ومن أبرزها منحة الرئيس الأمريكي رونالد ريجان في الولايات المتحدة الأمريكية، وعمل أستاذا زائرا للسياسات العامة بمركز ودروو ويسلون الدولي للباحثين بالعاصمة الأمريكية واشنطن، وهو من أكبر مراكز الأبحاث في العالم، كما عمل باحثا بالصندوق الوطني للديمقراطية بواشنطن، وباحثا زائرا بمركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية بأبوظبي، وهو من أكبر وأهم مراكز الأبحاث العربية، وشارك في أكثر من 16 كتابا ما بين مؤلف ومحرر.
كما شارك بالكتابة في عدد من أبرز الدوريات العربية والغربية المتخصصة في النظم السياسية، كما شارك ممثلا لمصر في عشرات المؤتمرات في الولايات المتحدة وأوروبا والعالم العربي، وتم تكريمه من قبل العديد من المنظمات والهيئات المحلية والإقليمية والدولية، ومنها تكريم وزارة الشباب والرياضة في مصر، ورئاسة الجمهورية في الجزائر، ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا، أما الابنة الصغرى فقد التحقت بعد تخرجها بالعمل بوزارة التنمية المحلية وانتدبت منها لوزارة التربية والتعليم، وظلت خلال أكثر من 10 سنوات مثالا يحتذى في التفاني والإخلاص في العمل بشهادة رؤسائها ومرؤوسيها وزملائها.
وكانت الحاجة دهب سندا قويا لهم في حياتهم العائلية،، فعلمتهم أولا حرية اتخاذ القرار، ولم تتدخل في قرار اختيارهم لشركاء حياتهم، فجعلت كل واحد منهم يتحمل مسئولية قراره دون تدخل أو وصاية من جانبها، وعندما اختار ابنها الزواج من غير مصرية لم تتدخل في قراره أو تحاول أن تبعده عنه فاحترمت قراره، فتزوج من دبلوماسية مغربية، بدأ معها مسيرة كفاحه وأصبحت الآن دبلوماسية مرموقة ووزيرا مفوضا في وزارة الخارجية المغربية ونائبا للقنصل العام في دولة الإمارات،، وأما لأربعة أطفال هم أحفاد السيدة دهب
كما أصرت الحاجة دهب على أن تلحق نجلتها بأكبر الجامعات المصرية وهي جامعة القاهرة، وتحملت بعدها عنها ورفضت أن تدرس في مكان قريب من محل إقامتها تقديرا منها لأهمية جامعة القاهرة كصرح علمي كبير قادر على بناء شخصية الدارسين فيه، فكان أن تخرجت من كلية الآداب جامعة القاهرة، قسم الوثاق والمكتبات بتقدير جيد ولم تتدخل في قرارها بقبول الزواج من شاب من خارج المحافظة، متحدية أعراف قريتها طالما ارتضت دينه وخلقه، وأصبحت الآن جدة لثلاثة أحفاد من هذا الزواج، وكما فعلت من أبنائها لا زالت تقوم بنفس الدور مع أحفادها .
وأهدت الحاجة دهب جائزتها لكل أمهات الشهداء من أبطال الجيش والشرطة تقديرا وعرفانا لما بذلوه من أرواحهم فداء للوطن، متمنية من الله أن يبعث فى قلب كل أم من أمهات الشهداء السكينة فتكون بردا وسلاما وطمأنينة تهون عليهن فراق فلذات أكبادهن، وطالبت كل الامهات أن تجتهد وتثابر من أجل آداء رسالتهن المقدسة تجاه أبنائهن حتى تقر أعينهن بتحقيق آمال وطموحات هؤلاء الابناء فهى الرسالة الوحيدة لكل أم فى هذا العالم، مؤكدة أنها تدعو للرئيس السيسى بالتوفيق.
ويقول الدكتور عاطف سعداوى الباحث السياسى بمركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية فى تصريح خاص لــ" اليوم السابع " أن سعادته باختيار والدته ومثله الأعلى فى التحدى والإصرار لا يمكن لمعاجم اللغة أو قواميس الكلمات أن تصفها فقصة كفاح والدته تعكس مدى صلابة المرأة المصرية التى تتحدى المستحيل لكى تحقق هدفها، مؤكدا على أنه لن يجد ما يوفى والدته قدرها وهى التى جعلته وشقيقته أسمى أهدافها فى الحياه وتحملت فى سبيل ذلك جم الصعاب فكانت الاب والأم فى ذات الوقت وأصبحت هى ملاذه الأول فى تلك الحياه ومدرسته التى تلقى فيها كل دروس التحدى والعزيمة والإصرار على تحقيق الهدف وستظل مدرسته التى لن يتخرج منها مطلقا وسيظل فيها تلميذا ينهل من أعظم القيم وأسمى المبادىء التى تربى عليها .
وتضيف حنان ابنة الحاجة دهب أنها كثير جدا ما كانت تنتظر الفرصة التى تسنح لها كى تتحدث عن قصة كفاح والدتها والتى عايشتها لحظة بلحظة فكانت والدتها تكافح فى صمت وتعمل وتجتهد ولا تطلب أية مساعدات من احد وترفض مطلقا أية فكرة تراها عائقا عن الاهتمام بأولادها وصممت على هدفها لكى تربينا على القيم والمبادىء وتوفر لنا سبل الحياه الكريمة رغم ظروفها الصعبة وكنت كثيرا ما أشفق عليها وأتمنى أن أخفف عنها أنا وشقيقى حتى وفقنا الله وتحققن فينا طموح والدتنا التى عانت وما زالت تعانى من اجلنا وتحمل همومنا أكثر منا وستظل هكذا رمزا للعطاء والبذل دون أدنى مقابل .
الحاجة دهب فرغلى الأم المثالية
السيدة دهب فرغلى ونجلها الدكتور عاطف سعداوى
الحاجة دهب فى رحلة خارج البلاد
رحلة كفاح توجتها بلقب الأم المثالية
الأم المثالية سخرت حياتها لأولادها
الحاجة دهب تروى قصة كفاحها
الحاجة دهب وابنتها
ابنة قرية الهنداو الأم المثالية
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة