هيروشيما.. كارثة النووى المخلدة فى ذاكرة اليابانيين.. اليابان تتعهد بعدم إطفاء شعلة السلام إلا بعد خلو العالم من الأسلحة النووية.. أحد الناجين من الكارثة يروى تفاصيل مثيرة ودور عصابات «ياكوزا» فى إنقاذ الضحايا

الجمعة، 09 فبراير 2018 11:00 ص
هيروشيما.. كارثة النووى المخلدة فى ذاكرة اليابانيين..  اليابان تتعهد بعدم إطفاء شعلة السلام إلا بعد خلو العالم من الأسلحة النووية.. أحد الناجين من الكارثة يروى تفاصيل مثيرة ودور عصابات «ياكوزا» فى إنقاذ الضحايا كارثة النووى المخلدة فى ذاكرة اليابانيين
رسالة هيروشيما - يوسف أيوب

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

من DMZ إلى هيروشيما، حيث لازال اليابانيون يتذكرون ما أحل بهم فى السادس من أغسطس 1945، حينما أسقطت طائرتان أمريكيتان قنبلتين نوويتين، إحداهما على مدينة ناجازاكى، والثانية على هيروشيما، التى شهدت دمارًا لا يوصف، أودى بحياة أكثر من 140 ألف مواطن، ورغم مرور 73 عامًا على هذا الحادث الذى رج العالم كله حينها، إلا أن آثاره لا تزال بادية على المدينة الهادئة نسبيًا، خاصة من خلال المبنى الذى استقبل القنبلة وهو مبنى كان عبارة عن عرض صناعى لمحافظة هيروشيما، ورفض اليابانيون هدمه أو إزالته، ليكون شاهدًا على مآسى عاشتها، ومحذرة من مخاطر المستقبل إذا لم يتخلى العالم عن الأحلام النووية المدمرة والهدامة، لذلك لا تستغرب عزيزى القارئ، وحينما تزور اليابان وتجد تصميما لدى كل اليابانيين على زيارة هيروشيما، لا لفتح جروح الماضى، التى التأمت بتوافق أمريكى يابانى، ولكن لأن المدينة شاهدة أيضًا عن قوة وتصميم إرادة اليابان وشعبها، فمن نقطة الصفر نهضوا وانتقلوا ليصنعوا تاريخا جديدا يليق بهم، ورسالة سلام كلهم أمل أن تصل إلى كل أرجاء المعمورة، وهو ما يفسر أيضًا التشدد اليابانى تجاه السلاح النووى الكورى الشمالى، فمن ذاق ويلات النووى لا يريد أن يتجرعه آخرون.

 
كارثة النووى المخلدة فى ذاكرة اليابانيين (2)
 
لدى اليابانيين آلاف القصص والروايات عن هذا الحادث الكارثى، بعضها مخلد داخل أروقة متحف هيروشيما الذى أسسه كنزو تانجى، وبداخله بعض ما تركه الضحايا من ملابس وأدوات للاستخدام المنزلى والشخصى، وصور مأساوية ومواد فيلمية لما حدث، وأمام المتحف توجد حديقة السلام التى تشهد احتفالا سنويا بهذه الذكرى، يحضرها رئيس الوزراء اليابانى والوزراء وسفراء الدول الأجنبية وزوار دوليون، وزارها الرئيس الأمريكى باراك أوباما فى 27 مايو 2016 كأول رئيس أمريكى يقوم بتلك الزيارة أثناء شغله هذا المنصب الرفيع.
 
كارثة النووى المخلدة فى ذاكرة اليابانيين (1)
 
بداخل الحديقة شعلة السلام المشتعلة دائما، والتى لن تنطفئ إلا بخلو العالم من الأسلحة النووية فى العالم، وأمام الشعلة يوجد صندوق حجرى كبير، به كتيبات مكتوب بها أسماء من توفوا بسبب القنبلة، وبه 308 آلاف و952 شخصا، لأن ضحايا الحادث ليس فقط من ماتوا أثناء إلقاء القنبلة، وإما من توفوا أيضًا بعد ذلك متأثرين بالإشعاع النووى، وكان آخرهم 553 ضحية انضموا للقائمة هذا العام.
 

خلف حديقة السلام توجد قبة السلام، وهى قبة حديدية للمبنى الذى ألقيت عليه القنبلة، ورغم أنه متهالك من آثار القنبلة والزمن أيضًا، لكن جرى ترميم بعض أطرافه والحفاظ على هيكله، ويقع المبنى على نهر وفى مواجهته على الضفة الأخرى من النهر يقبع مبنى آخر لم يتبق منه إلا الطابق السفلى أو البدروم، وهذا المبنى شاهد على قصة إنقاذ الناجى الوحيد يومها فى محيط القنبلة، وهو أوزونو مورا، الذى كان يبلغ 47 عاما وقتها، وأراد جلب مزيد من الأوراق فطلب من أحد زملائه النزول للبدروم لإحضارها، إلا أنه رفض لانشغاله، فنزل بنفسه لإحضار الورق، وعندئذ وقع الانفجار، وعندما تم إنقاذه خرج ليجد مئات الجثث ملقاة على الطرق، والجو مظلم بشدة، بالرغم من أنها كانت الثامنة صباحا ووجد حرارة عالية جدا، والسماء تمطر مطرا أسود، وتوفيت كل أسرته، لكنه عاش هو حتى بلغ 84 عاما يحلم يوميا بما شهده من مآسى فى هذا اليوم القاسى.

كارثة النووى المخلدة فى ذاكرة اليابانيين (3)


أحد الناجين من الكارثة: عصابات ياكوزا تدخلت لإنقاذ الضحايا 

وأحد القصص المأساوية يمكن أن تسمعها مباشرة على لسان عدد من الناجيين ممن لازالوا على قيد الحياة، ولديهم تصميم عجيب على السرد مهما كبر بهم السن، ومن هؤلاء شوسو كواموتوا ذو الـ 84 عاما، وكان عمره وقت الحادث عشر سنوات، والذى عاد بنا للوراء، شارحًا جغرافيا المدينة وقت سقوط القنبلة عليها، وقال « كان فى هيروشيما 320 ألف شخص يقيمون بها،  وبخلاف السكان العاديين كان هناك قاعدة عسكرية بها 30 ألف ضابط وجندى، وقاعدة بحريه بها 20 ألف ضابط وجندى، وتتواجد القاعدتان على أطراف المدينة، كما كانت هناك 42 مدرسة ابتدائية يدرس بها حوالى 6 آلاف طفل، وأيضًا كانت هناك منطقة صناعية كان يعمل بها أطفال يصل عددهم الى 10 آلاف طفل، وفى صباح 6 أغسطس 1945، ظهرت طائرتان أمريكيتان فى أجواء هيروشيما، وكان مهمتهما الاستطلاع والاستكشاف للتأكد من الأجواء فى هيروشيما، وبعد الاستكشاف ذهبت الطائرات فشعر الأهالى بالراحة بالاطمئنان، لكن ما هى إلا دقائق حتى ظهرت طائرة جديدة على ارتفاع حوالى 10 آلاف كيلو متر، وأسقطت القنبلة التى انفجرت فى الجو على ارتفاع 600 متر من الأرض، وكان تأثيرها الإشعاعى شديدًا، فقد وصلت درجة الحرارة فى مركز إلقاء القنبلة إلى 3 آلاف درجة، ووصل هذا التأثير إلى أطراف المدينة التى ارتفعت درجة الحرارة فيها إلى 150 درجة مئوية، وفى وقت إلقاء القنبلة كان يتواجد فى محيط المكان تقريبا 30 ألف جندى ومثلهم سكان عاديين، كلهم حرقوا من تأثير القنبلة، أما من تواجدوا على الأطراف أو بعيدًا عن مركز القنبلة بأكثر من 2000 متر فقد تأثروا لكن بحروق ولازال بعضهم على قيد الحياة، بينما لم يتأثر المتواجدون فى القاعدة البحرية والأطفال العاملون فى المنطقة الصناعية، لأنهم كانوا بعيدين عن مركز القنبلة، لكنهم عندما علموا بالكارثة حاولوا التدخل للإنقاذ وباءت محاولاتهم بالفشل لارتفاع درجة حرارة المكان، وبعد الخامسة مساء بدأت درجة الحرارة تقل فاستطاع المواطنون الدخول إلى محيط إلقاء القنبلة، وبعد دخولهم بدأوا فى رفع الجثث التى انتشرت فى المكان والأنهار المحيطة بالمنطقة، بخلاف المصابين ممن بلغ عددهم قرابة العشرين ألف مصاب، ووقتها كانت تواجه المسعفين أزمة كبيرة وهى نقص الأدوية، وهو ما زاد من صعوبة الموقف واستفحال المأساة».
 
كارثة النووى المخلدة فى ذاكرة اليابانيين (4)
 
ويضيف «للتغلب على هذه المشكلة، استخدم الأهالى والمسعفون زيت الطعام فى الإسعافات الأولية، إلى أن شح فلم يجدوا من بديل إلا زيوت السيارات، وتواصلت عمليات الإسعاف والإنقاذ، إلى أن جاء إعصار التايفو فى 17 أغسطس، وهو ما ضاعف من حجم الكارثة، لأن الإعصار ألق بالمصايين فى النهر وهو ما أدى إلى وفاتهم»، مشيرًا إلى أن قرابة المائة وخمسين ألف مواطن كانوا لازالوا على قيد الحياة فى المدينة المنكوبة بالنووى، وتدخلوا لمساعدة الضحايا، وبعدها بأيام جاءت بعثة من حوالى 20 نائبا أمريكيا ليطلعوا على الأحوال فى المدينة بعد هذه الكارثة، ولاحظوا النقص الشديد فى الأدوية والإسعافات الأولية، وعندما عادوا إلى واشنطن طلبوا إرسال أدوية لهيروشيما، لكن مجلس النواب الأمريكى رفض هذا الطلب، وقال إن اليابان تتحمل مسؤولية ما حدث، لكن كان هناك برلمانى أمريكى أصر على إرسال أدوية، وقام بجمع الأدوية وإرسالها لهيروشيما على نفقته الخاصة، وبالفعل وصلت الأدوية فى أكتوبر 1945، لكن كان الوقت متأخر جدًا».
 
كارثة النووى المخلدة فى ذاكرة اليابانيين (5)
 
من ماتوا تأثرًا بالقنبلة عرف الجميع مصيرهم، لكن المأساة الكبرى كانت فى الأطفال المشردين، وكان من بينهم شوسو كواموتوا، الذى يقول «كان هناك 8600 تلميذ أعمارهم بين 8 إلى 10 سنوات متواجدين فى أماكن مخصصة لوضعهم فيها أثناء عمل الآباء، لم يحدث لهم شىء لأن المكان المتواجدين به لم يتأثر بالقنبلة، لكن المشكلة أنهم لم يجدوا مكانا يذهبون له، خاصة أن أسرهم قتلوا، وكانت النتيجة تشرد منهم ألفى طفل كانوا بلا مأوى، بينما وضعت الحكومة 600 تلميذ فى أماكن تشبه الملاجئ، وتوفى أكثر من ألف تلميذ مشرد لأنهم لم يجدوا شيئًا يأكلونه، ووجدت السلطات جثثهم وفى فمهم الطوب، وللأسف لا توجد أى معلومات مسجلة عنهم»، مشيرًا إلى أن هناك أطفالا استطاعوا البقاء أحياء لأنهم كانوا يأكلوا أوراق الصحف لأنها كانت سهلة المضغ عليهم، خاصة إذا أعقبوها بشرب المياه عليها.
 
ويشير شوسو كواموتوا إلى أن من أنقذ الأهالى جماعات الياكوزا اليابانية وهى جماعات مسلحة شبيهة بالمافيا الإيطالية والروسية، حضر منهم 30 شخصًا من اوساكا وكوشى وساعدوا الضحايا، ووفروا لهم الطعام.
 
كارثة النووى المخلدة فى ذاكرة اليابانيين (8)
 
ويقول شوسو كواموتوا إنه كان يدرس فى المدرسة الابتدائية القريبة جدا من مكان القنبلة، لكن فى إلقاء القنبلة كان فى مكان بعيد جدا وتحديدًا فى مدينة أوكاياما على بعد 50 كيلومترا من مكان الحادث، وتوفيت كل أسرته، إلا هو وشقيقه الذى كان حينها فى الصين، مشيرًا إلى أنه بعد الحادث تولت عصابات الياكوزا رعايته وكان مساعدا لأحد قيادات الياكوزا، وقال «أنا وأصدقائى لم نواصل تعليمنا، وبعد وصولنا إلى سن العشرين لم أجد عمل، حيث رفضت الشركات تعيينى لأنى من هيروشيما، والمشاع وقتها أن سكان المدينة مصابين بالإشعاعات النووية وبالتالى يمثلون خطرًا على الجميع، فلا يقبلهم أحد للعمل لديهم، كما أن الأسر لا تقبلهم أزواجهم لبناتهم، والآن ورغم أننى تعيدت الـ84 عامًا لكن لم أتزوج لرفض أكثر من أسرة أن تزوجنى ابنتها لا لشىء إلا لأننى من هيروشيما».
 
كارثة النووى المخلدة فى ذاكرة اليابانيين (7)
 
ويكمل شوسو كواموتوا « لم أجد من وسيلة للحياة سوى أن أنخرط مع جماعات ياكوزا، أمارس العنف معهم، إلا أن حانت لى الفرصة للخروج من هيروشيما وسافرت لهوكاياما، وهناك وجدت عملا، بعدما أخفيت على الجميع أننى من هيروشيما، وبالفعل عملت فى شركة لتصنيع علب الأغذية، وظللت فى عملى إلى أن وصلت لسن السبعين ثم عدت مرة أخرى إلى هيروشيما، أى بعد أربعين عامًا من الخروج منها، وبعد عودتى لهيروشيما عرفت مكان دفن أسرتى، والدتى وشقيقى وشقيقتى الصغيرة وجدتهم وقت الحادث محروقين، بينما حاول والدى وشقيقى الكبير إنقاذ الضحايا لكنهم توفوا، ولم ينجُ من الحادث إلا أنا وشقيقى الذى كان يعمل فى شركة بالصين، ونجا من الحادث، وعاد بعد عامين لكن عمى تبناه ورفض أن يتبنانى».
 
كارثة النووى المخلدة فى ذاكرة اليابانيين (6)
 

 










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة