- آفاق اقتصادية واعدة تنتظر ترجمة الحكومة المصرية نتائج الزيارة إلى واقع ملموس
- الشعب العُمانى يُؤْمِن بأن مصر "أم الدنيا".. والمصريون يعيشون هنا ويستثمرون كأنهم فى القاهرة
- الدولتان تتشابهان إلى حد كبير سياسياً فى مفهوم الحفاظ على الأوطان وتبنى ثقافة قبول الآخر
- قصة جامع السلطان قابوس الذى زاره الرئيس السيسى.. وكيف تستفيد مصر من التجربة العُمانية فى التنمية؟
فى منطقة مليئة بالصراعات والتحديات، غيرت معالم دول، وتهدد وجود أخرى، تثبت سلطنة عمان دائماً أنها الدولة الفريدة فى المنطقة التى راهنت على ثباتها واستقرارها، ولَم يعتريها ربيعٌ أو خريف يعصف بمقدراتها، ذلك أنها تمتلك حكمة القائد وبساطة وإخلاص شعبها المحب لوطنه، القابض على الاستقرار والمتشبث دائماً بالأمل والطموح.
وعبر تبنى سياسات تقوم على البناء والاحترام المتبادل مع كافة الدول، وتقدر خصوصيات كل دولة وترفض اتخاذ أية مواقف يمكن أن تتسبب فى أن تكون طرفاً فى معادلة (مع أو ضد)، كانت "حكاية سلطنة عمان".
السلطان قابوس بن سعيد.. كلمة السر
السلطان قابوس بن سعيد، سلطان الدولة العمانية، هو كلمة السر فى هذه المعادلة، فقد قاد مسيرة التنمية فى هذه البقعة العريقة منذ عام 1970.. فلم تكن البدايات سهلة لإحداث هذه النهضة التنموية الشاملة، اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، وسط أوضاع إقليمية ودولية صعبة، ورغم ذلك، نجح السلطان قابوس مع أبناء الشعب العُمانى، ووصل هذا الشعب بصوته من خلال مؤسسات الدولة المختلفة، وكفل له ممارسة واجباته فى إطار المساواة والعدل وسيادة القانون و المشاركة فى صنع القرار.
وقبيل عام 1970 كانت عُمان تعانى عزلة إقليمية ودولية، لكن السلطان قابوس نجح فى تحويل هذه العزلة إلى علاقات ممتدة ورصينة مع مختلف الدول، حتى أطلق بعض المراقبين على السلطنة بأنها "رمانة ميزان" الدول العربية، والدولة الفريدة التى تستطيع لعب دور الوسيط حتى بين أعتى الدول التى تختلف سياسياً وأيديولوجياً فى المنطقة.
ولكى نفهم طبيعة هذه الدولة، التى ارتبط بها المصريون منذ عقود، فإننا لا يمكن أن نتجاهل جغرافيا السلطنة، فمساحتها تصل إلى 309,500كم²، وتقع فى الجهة الجنوبية الشرقية من شبه الجزيرة العربية، ولها حدود مع العديد من الدول، فيحدّها من الجهة الشمالية مضيق هرمز وبحر عُمان، ومن الغرب تشترك بحدود مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة واليمن، وفى الجهة الجنوبية الشرقية يحدّها كل من المحيط الهندى وبحر العرب، وحصلت سلطنة عُمان على استقلالها عن البرتغال فى عام 1650م، وعاصمتها الرسمية هى مدينة مسقط.
جهود مصرية وعمانية لإحلال السلام
وتتشابه مصر وسلطنة عمان إلى حد كبير فى السياسة، فالبلدين يدعمان إحلال السلام والاستقرار إقليمياً ودولياً، ويرتبطان بعلاقات سياسية قوية، من خلال التنسيق المستمر فى القضايا الثنائية والإقليمية والدولية، كما تقدر سلطنة عمان على كافة المستويات الدور الذى تلعبه مصر فى حل الصراعات والنزاعات فى المنطقة، وتثق فى أن قوة مصر واستقرارها هما الركيزة لاستقرار الوطن العربى وتعزيز قدراته وتواجده.
زيارة الرئيس السيسى لمد جسور التواصل بين البلدين
من هنا، كانت زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى مهمة لهذا البلد العريق، بعد سنوات من انشغال مصر بما فيها من أحداث ملتهبة وغير مستقرة، عن مد جسور التواصل مع محيطها العربى وامتدادها الآسيوى.. ربما لم يفهم الكثير لماذا اختار الرئيس زيارة مسقط فى هذا التوقيت، ولماذا استمرت الزيارة ثلاثة أيام، وما الذى تستهدفه مصر من هذا التعاون؟
ومثل أى زيارة، يجب أن ندقق فى طبيعة الوفد المرافق للرئيس السيسى إلى سلطنة عمان، وأنا هنا أقصد الوزيرين، طارق قابيل وهالة السعيد، فالأول وزير التجارة والصناعة، والثانية هى وزيرة التخطيط والمتابعة، ومن هنا فإن الزيارة تستهدف بالأساس الملف الاقتصادى، خصوصاً أن الرئيس سوف يختتم زيارته بلقاء أكثر من 40 من رجال الأعمال والمستثمرين فى السلطنة، فى ضوء تبنى سلطنة عمان سياسة اقتصادية تقوم على تنويع اقتصادها، حتى لا يكون اعتمادها مقصوراً على إيرادات النفط، الذى تشهد سوقه اضطرابات فى العالم كله، وهى الآن تركز على الصناعة والنقل والخدمات اللوجستية والبناء وتكرير النفط والسياحة.
التبادل التجارى بين البلدين
ولا يعكس التبادل التجارى بين البلدين، العلاقات الراسخة بينهما، وهذا ما تعمل عليه القيادة فى البلدين خلال الفترة المقبلة، فقد بلغ حجم التبادل التجارى بين البلدين العام الماضى 300 مليون دولار، ومن أهم بنود الصادرات المصرية إلى سلطنة عمان تتمثل فى منتجات الألبان والمنتجات الزراعية وآلات ومعدات الكهربائية والراتنجات واللدائن الاصطناعية ومحضرات الخضر، ومنتجات الخزف والمستحضرات الدوائية والمراجل، والزيوت العطرية والمنتجات الكيماوية والنحاس ومصنوعاته، كما تتمثل أهم السلع المستوردة من عمان فى الحديد وصلب الفولاذ ومنتجاته والأسماك والقشريات، والآت وأجهزة ومعدات ومنتجات كيماوية عضوية وبترول ومنتجات بترولية ووقود معدنى، وزيوت معدنية.
كما أن الاستثمارات العمانية فى مصر تبلغ 77 مليون دولار فى 70 مشروعاً فى قطاعات الصناعة والزراعة والسياحة والخدمات والإنشاءات والتى يصل إجمالى رأسمالها الى 193 مليون دولار، كما تبلغ الاستثمارات المصرية فى عمان 30 مليون دولار وفى مجالات انشاء الطرق والبنية التحتية والصرف الصحى والاستثمار العقارى والسياحى، وترى القيادة المصرية أن هناك فرصًا استثمارية حالية ضخمة أمام مجتمعى الأعمال بالبلدين فى مجالات صناعة الحديد والصلب والنحاس والأسمنت والصناعات الكيماوية والغذائية، إضافة إلى التعاون فى مجال إنشاء وإدارة المناطق والمدن الصناعية والتدريب الصناعى للفنيين بمصر وتبادل المعلومات حول فرص الاستثمار الصناعى فى كلا البلدين بغرض توسيع دائرة الاستثمار والاستفادة من التجربة المصرية فى هذا المجال.
وهو ما أكده وزير التجارة المصرى بأن الفترة المقبلة ستشهد تحركات واسعة بين الجانبين لتعزيز التعاون المشترك فى مجالات المشروعات الصغيرة والمتوسطة والتنقيب عن البترول والصيد والسياحة وصناعة الأثاث والموانئ، وتوفير فرص للشركات المصرية للدخول فى مشروعات البنية الأساسية التجارية والصناعية المقامة فى سلطنة عمان خاصة فى منطقة صحارا وتوسيع ميناء صلالة والمنطقة الحرة المجاورة للميناء، كما أن هناك إمكانية استفادة للجانب العمانى من المشروعات الاستثمارية بالمناطق الصناعية الحرة فى مصر لإقامة مشروعات مصرية - عمانية مشتركة، خاصة فى منطقة خليج السويس وبورسعيد.
تاريخ مشرف لسلطنة عمان فى علاقاتها مع دول المنطقة
هذا فيما يتعلق بالجانب الاقتصادى، أما على المستوى السياسى، فإن سلطنة عمان ترتبط بعلاقات متوازنة مع كل الدول فى المنطقة، ولها تاريخ مشرف فى إدارة هذه العلاقات، فقد وقفت إلى جانب مصر فى حرب أكتوبر 1973، وكانت على الحياد فى حرب الخليج، وترتبط بعلاقات جيدة مع السعودية وإيران رغم التباين الواضح بين الرياض وطهران.. هذه السياسة المنفتحة التى لا تقبل الإساءة إلى أى دولة، التى تنعكس بالطبع على وسائل الإعلام هنا فى مسقط، يمكن أن تشكل منظومة قوية إذا ما أضفنا لذلك إيمان مصر العميق بضرورة الحفاظ على "الدولة الوطنية"، ودعم المؤسسات الشرعية، وقطع دابر الإرهاب والتطرف؛ إلا أن الاختلاف الطفيف يكمن فى الأيديولوجيات تجاه دول بعينها، لكن ورغم ذلك، فإن السياسة التى تتبناها مصر ويؤمن بها الرئيس السيسى، يمكن أن تشكل ثنائياً رائعاً للحفاظ على أمن الدول العربية ومنطقة الخليج العربى والحفاظ على مقدرات شعوبها، بل إننا لم نكون مبالغين إذا اعتبرنا أن منظومة السياسة فى مصر، وهنا يمكن أن ترتقى بمستقبل دول المنطقة إلى آفاق أرحب على صعيد التنمية والتقدم.
ترحيب شديد بزيارة الرئيس السيسى
الصحف ووسائل الإعلام العمانية تناولت زيارة الرئيس السيسى بترحيب شديد وبحالة من الانبهار، خصوصاً أن الزيارة تأتى بدعوة كريمة من السلطان قابوس، حتى أن وسائل الإعلام هنا أطلقت على لقاء السيسى - قابوس "قمة الحكمة".
لقد كان استقبالاً مبهراً لنا جميعاً هنا فى مسقط، لم يقتصر على الدوائر الرسمية، بل امتد إلى مواطنى الدولة العمانية الذين كنّا نلتقى بهم فى مقر الإقامة أو فى أماكن التسوق والاجتماعات.. أحدهم قال "مصر أم الدنيا"، وغيره الكثير ممن يستقبلونك بابتسامات معبرة عن عمق وقوة العلاقة، والمواطنون المصريون هنا الذين يقدر عددهم بنحو 59 ألف مصرى، يقيمون ويعملون ويمتلكون "كافيهات" ومطاعم ومؤسسات فى مختلف المجالات.. هى بلد ثانٍ للمصريين بمعنى الكلمة، وفيها هدوء وسكينة يشعرانك بدفء المدن الجديدة فى مصر التى تم تخطيطها بعبقرية تجمع بين الفخامة والأصالة والإقبال على الحياة.
الجالية المصرية فى عمان
وتضم الجالية المصرية نخبة كبيرة من المدرسين والأطباء والمهندسين والإعلاميين ورجال الأعمال والمستثمرين، ويوجد نادى الجالية المصرية بمسقط العاصمة يستقبل أبناء الجالية المتواجدين فى سلطنة عمان ومحافظاتها المختلفة، ويقوم النادى بالعديد من الأنشطة والفعاليات من خلال لجانه المختلفة ويضم مجلس إدارته مجموعة متميزة من أبناء الجالية، كما توجد مدرسة مصرية دولية تضم أبناء الجالية المصرية والجاليات العربية، وقد حصلت المدرسة مؤخراً على مكرمة من السلطان قالوس، عبارة عن قطعة أرض كبيرة خصصت لبناء مدرسة جديدة على أعلى مستوى.
السياحة فى عمان
وفيما يتعلق بالسياحة، فإن منطقة "عمان" اشتهرت منذ فترة طويلة بالتجارة فى المحيط الهندى، وتعد العاصمة مسقط هى أكثر المدن إثارة للاهتمام ومن المدن الجذابة من شبه الجزيرة العربية، وقد اختيرت لتكون مدينة الثقافة العربية لعام 2012.
جامع السلطان قابوس.. تحفة معمارية
وتمتلك السلطنة أماكن كثيرة للسياحة، تحتاج إلى سلسلة حلقات مكتوبة، لتسليط الضوء عليها، لكننى أتوقف هنا عند تحفة معمارية، وَلِع بها كل الوفد المصرى، وزارها الرئيس السيسى، جامع السلطان قابوس فى قلب العاصمة مسقط، وهو عبارة عن مركز إسلامى متكامل بمساحة 416 ألف متر مربع، وبطول 1000 متر طولى وبعمق 885 متراً من الشمال إلى الجنوب، بعد أن أمر السلطان قابوس ببنائه ليكون مركزًا للتفاعل مع روح الإسلام ديناً وعلما وحضارة.
ويشكل المسجد الذى افتتح فى عام 2001 واستمر بناؤه نحو ست سنوات من العمل المتواصل، تحفة معمارية أبدعها المهندس المعمارى العربى محمد صالح مكية، حيث يصل عدد المصلين فيه فى صلوات الجمعة من 12 إلى 14 ألف مصلٍّ، كما يستقبل أكثر من 20 ألفاً فى صلاتى عيدى الفطر والأضحي.
وشيد مجمع المسجد على أرضية متسعة ومرتفعة عن سطح الموقع بمقدار 1.8 متر، وهدفت هندسته المعمارية إلى الإبقاء على المبدأ العُمانى السائد فى رفع عمارة المساجد التقليدية القائمة فى أحياء وقرى المدن القديمة على مستوى العمارة السكنية أو العامة.
واستخدم الحجر الرملى الأبيض القشدى أو (المائل إلى الصفرة) أرابسكاتو لكساء مبانى حرم الصلاة لتميزها عن الحجر الأرجوانى الفاتح، "تاج ليلك" الذى يلبس جدران الأروقة ومرافق المسجد المختلفة.
ووفقاً للكاتب "مؤيد أبو صبيح"، فإن جدران المصلى الرئيسى تتوجها شرّافات يتأصل طرازها فى عمارة القلاع العمانية خاصة، ومسننات الشرفات فى العمارة الاسلامية عموماً، وأما جدار القبلة يتميز بكوة المحراب البارزة فى نتوئها عند الواجهة كما هو التقليد فى وضوح التعبير عن حائط القبلة فى تصميم المساجد عامة، والمساجد العُمانية خاصة.
ويضم المسجد أيضًا مكتبة عامرة بالمراجع التى تبلغ نحو 20.000 مجلد فى شتى العلوم والثقافة الإسلامية والإنسانية، إضافة إلى باحات وقاعات خاصة.
وللمسجد خمسة مآذن ترمز إلى أركان الإسلام الخمس ترتفع نحو 45 مترًا، بما يضفى الانفتاح المعمارى لفضاء المسجد وارتباطه بالنسيج المدينى المحيط به بصريًا.
وتكتسى أرضية المصلى الرئيس بسجادة عجمية على شكل قطعة واحدة تبلغ أبعادها أكثر من 60 فى 70 مترًا وتغطى مساحة إجمالية 4263 مترًا مربعًا، وهى مؤلفة من 1700 مليون عقدة وتزن 21 طنًا، واستهلكت صناعة وإنتاج السجادة مدة أربع سنوات استغرق منها 15 شهرًا لإعداد التصاميم والخيوط والصباغة وإقامة ورش الحياكة الخاصة بها، أما عملية الحياكة فبلغت مدتها 27 شهرًا متواصلاً، تبعها فترة 5 أشهر فى الإنهاء والقطع والغسيل التقليدي.وبلغ عدد العاملين فى عملية الحياكة 600 امرأة من مدينة مشهد الإيرانية.
وتملأ الزخارف الإسلامية الهندسية جدران وأقواس المسجد التى تتكاثف، والتى تم انتقاؤها بحسب أهمية عناصر العمارة ومكانتها من حرم الجامع، وتحتل أسماء الله الحُسنى موقعها بين أقواس وواجهات الأروقة الشمالية والجنوبية وعلى جدران الصحن الداخلى ومدخل مصلى النساء، وجميعها محفورة بالخط الديوانى، وصممت مجموعة من الثريات (عددها 35 ثرية) خصيصًا للمصلى الرئيسى مصنوعة من كريستال "سواروفسكى" ومعادن مطلية بالذهب، وتتدلى هذه حول قاعة المصلى من سقف الأروقة وعند جدار القبلة والمدخل الشرقى، وتتدلى الثرية المركزية من قبلة القبة بقوام يبلغ طوله 14 مترا وقطر 8 أمتار، وهى تشمل 1122 مصباحًا وتزن بهيكل فولاذها الصامد 8 أطنان.
نحن جيلٌ تربى على حب "السلطنة" منذ البرامج الشهيرة على التليفزيون المصرى
بناءً على ما سبق، لم أستغرب هذا الحب الجارف لدى قطاع كبير من المصريين - ومنهم أنا- لسلطنة عمان، والذى نشأنا عليه فى مصر منذ سنوات، حينما كان التليفزيون المصرى يبث برناماجاً أسبوعياً عن السلطنة وتراثها، وملابس رجالاتها الشهيرة التى يزينها الخنجر المعروف، وبالتالى فنحن بحاجة إلى إنتاج مثل هذه البرامج من جديد، لتثقيف الأجيال وتعريفهم بالآخر، وغرس القيم الأصيلة فى وجدانهم.
زيارة السيسى لسلطنة عمان (17)
عدد الردود 0
بواسطة:
Lolo
Lolo
نتعلم من سلطنة عمان عندما قالت للمارد الاكبر ( لا ) نتعلم أن من يملك قوته يملك قراره ،،، الله يديم المحبه في القلوب بين الشعبين كما يديم الحكمة في العقول بين الزعيمين ، فالعنتريات لا تعبر بالضرورة عن منتهى القوة فقروش النفط في طريقها للانتهاء ولن يبقى غير المودة والسلام بين الشعوب.