فى خطوة مفاجئة للأوساط السياسية السودانية، أصدر الرئيس السودانى عمر البشير قراراً جمهورياً بإقالة الفريق محمد عطا مدير جهاز الأمن والمخابرات، وتكليف الفريق صلاح عبد الله الشهير بـ"قوش" الذى تم إبعاده من المنصب ذاته منذ عدة سنوات.
صلاح قوش مديراً لجهاز الأمن والمخابرات السودانى
وتمثل عودة (قوش) لمنصبه السابق مفاجأة من العيار الثقيل، خاصة وأنه اعتقل بعد إقالته بتهمة التخطيط للانقلاب على النظام الحاكم فى نوفمبر عام 2012، مع عدد من كبار الضباط المنتمين للإسلاميين فى جهاز الأمن والمخابرات والقوات المسلحة، أبرزهم العميد محمد إبراهيم عبد الجليل الشهير بـ "ود إبراهيم" لكن الأخير وعدد آخر من الضباط أفرج عنهم بعد وقت وجيز عقب إدانتهم أمام محكمة عسكرية خاصة، بموجب عفو رئاسى.
وأعفى البشير صلاح قوش من رئاسة جهاز الأمن والمخابرات فى أغسطس من العام 2009، وأوكلت إليه إدارة مستشارية للأمن، التى كان عليها إدارة حوار مع القوى السياسية المعارضة، لكن خلافات نشبت بينه ومساعد الرئيس وقتها نافع على نافع حتمت إقالته من المستشارية وتجريده من مناصبه التنفيذية والتنظيمية.
البشر مع رئيس المخابرات الجديد صلاح قوش
إقالة قوش من رئاسة جهاز الأمن والمخابرات السودانى فى 2009
ولا توجد معلومات يعتد بها حول أسباب إقالة قوش من رئاسة جهاز الأمن والمخابرات، فهناك من يعتقد أن للأمر علاقة بصراع القوى فى الداخل، خاصة بين مجموعة "العسكريين" أى ضباط الجيش الذين يلتفون حول البشير، ومجموعة "الأمنيين" بقيادة قوش، فى حين يرى آخرون أنه وبسبب قرب إجراء انتخابات ودخول البلاد مرحلة تعددية سياسية حقيقية، تحول قوش إلى كبش فداء للتغيير مع الغرب ومع الحركة الشعبية الشريك الآخر فى الحكم، لكن قوش نفسه تحدث وقتها أنه كلف بمسؤولية كبيرة وبمهام أكبر على حد تعبيره، حيث أنه يتحدث عن دوره كمستشار للأمن القومى وليس مجرد مستشار كما جاء فى قرار الإقالة.
سجن قوش 8 أشهر بتهمة قلب نظام الحكم
ومكث (قوش) فى السجن نحو ثمانية أشهر، بتهمة التخطيط لقلب النظام وهو ما نفاه الرجل قطعيا، وتم الإفراج عنه بعدها بموجب عفو رئاسى فى يوليو 2013، بعد وساطة تبنتها قيادات رفيعة فى حزب المؤتمر الوطنى الحاكم، كما أن الادعاء أشار إلى نقص الأدلة فى مواجهته بما يحتم إسقاط الاتهام عنه.
وبرغم التنكيل الشديد الذى مورس ضده بعد اقصائه، إلا أن (قوش) ظل على الدوام بعيدًا عن العداء للنظام وقيادته، وقال فى تصريحات عقب إخلاء سبيله من الحبس إنه لا زال "ابن الإنقاذ" منها وإليها وفيها ولم تتغير مبادئه وإنه لا زال ابن الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطنى.
وأشارت تحليلات وقتها إلى أن (قوش) الموسوم بأنه أحد رجال الإنقاذ الأقوياء خرج من جهاز الأمن، بعد أن مكث فيه لعشر سنوات، وتمكن من الاحتفاظ داخله بعلاقات وثيقة ومتشابكة و"مخيفة"، وتكمن خطورته فى هذه العلاقات التى كونها فى الجهاز.
ويحتفظ قوش بعلاقات وثيقة مع دوائر وأجهزة استخبارات إقليمية ودولية، وبعلاقة وثيقة مع الاستخبارات الغربية، ولا سيما جهاز المخابرات المركزية الأميركية، الذى تعاون معه جهاز الأمن السودانى فى مجالات مكافحة الإرهاب إبان إدارته له.
ينتمى صلاح قوش إلى قبيلة الشايقية
ينتمى صلاح قوش إلى قبيلة الشايقية التى تقطن شمال السودان، من قرية صغيرة ضمن قرى منطقة نورى تسمى "البلل"، وأهلها مثل معظم سكان المنطقة، من المزارعين الذين يعتمدون أساسا على زراعة النخيل وأشجار الفواكه، ونظرًا لضيق الشريط الزراعى الذى يوجد على ضفتى النيل فإن غالبية سكان تلك المناطق نزحوا إلى مدن السودان المختلفة، ومن بين هؤلاء أسرة صلاح عبد الله قوش التى نزحت إلى مدينة بورتسودان، وهو الميناء الرئيسى للبلاد على البحر الأحمر.
وفى هذه المدينة، وفى المرحلة الثانوية تحديدا، بدأت رحلة قوش السياسية، حيث وجد قوش نفسه ضمن الاتجاه الإسلامى، وعلى الرغم من هذا الاهتمام المبكر بالسياسة، فهو لم ينشغل عن الدراسة، وأنهى المرحلة الثانوية بتفوق والتحق بكلية الهندسة، جامعة الخرطوم، وكانت يومئذٍ جامعة النخبة، حيث اشتهر وسط زملائه بذكائه.
رئيس المخابرات يؤى اليمين
تولى قوش مسؤولية الأمانة السياسية في تنظيم الإسلاميين داخل الجامعة
وعلى الجانب السياسى، تولى قوش مسئولية الأمانة السياسية فى تنظيم الإسلاميين داخل الجامعة، لكن ما هو أهم من ذلك، إشرافه على تكوين أجهزة معلومات داخل الجامعة كانت مهمتها تقديم المعلومات لقيادة تنظيم الإسلاميين حتى يتاح لهذه القيادة اتخاذ القرار على ضوء معلومات قوش، كما كان أحد الذين أشرفوا على برامج العمل الطلابى، وخلال فترة دراسته الجامعية، رافق معظم قيادات الصف الأول من الإسلاميين الذين تولوا بعد ذلك أهم المواقع التنفيذية عندما انقلب الإسلاميون على ما يعرف فى السودان بالديمقراطية الثالثة.
بعد تخرجه، عمل قوش فى مجموعة شركات إسلامية بمجال الهندسة، ومن إنجازاته فى تلك الفترة تصميم برج التضامن، وهى بناية ضخمة فى وسط الخرطوم، بيد أن وضعيته التنظيمية داخل ما كان يعرف وقتها باسم الجبهة القومية الإسلامية، ستزداد أهمية، إذ أصبح ضمن ما يعرف باسم الخلية الأمنية أو مكتب الأمن.
من تصميم الأبراج إلى تصميم السياسات الأمنية
ومن تصميم الأبراج إلى تصميم السياسات الأمنية وتنفيذها، انتقل قوش إلى العمل المخابراتى، بخبرته التى اكتسبها أثناء الدراسة الجامعية، هناك كان وضعه الطبيعى، وهناك سيتعزز نفوذه وسيعرف الكثير من خبايا السياسات العالمية والإقليمية، عندما أصبحت الخرطوم قبلة يشد إليه "الإسلاميون" الرحال من كل أنحاء العالم.
كان أول منصب مهم يتولاه قوش داخل الجهاز، هو نائب مدير العمليات، وكانت تلك فترة صعبة للنظام وللمعارضين على حد سواء، كان يقود الجهاز آنذاك نافع محمد نافع الذى أصبح بدوره فى وقت لاحق مستشارا فى القصر الجمهورى، فى تلك السنوات التى يمكن اعتبارها "سنوات الجمر" السودانية، بسبب السياسات التى طبعتها.
قادت ملابسات لا تعرف تفاصيلها إلى إبعاد نافع محمد نافع عن رئاسة جهاز المخابرات، وهو فى الأصل أستاذ فى كلية الزراعة، وأدى ذلك إلى خروج صلاح قوش عن الجهاز كذلك، وهناك من يعتقد أن سبب تلك التغيرات هى محاولة اغتيال فاشلة جرت فى عام 1995، ضد الرئيس المصرى الأسبق محمد حسنى مبارك فى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا.
انتقل قوش من جهاز المخابرات إلى منصب مدير مصنع اليرموك للصناعات الحربية حيث تولى هناك وضع انطلاقة للتصنيع العسكرى فى السودان، كما ساهم فى تشييد عدة مصانع لإنتاج الأسلحة التقليدية.
وبعد سنوات عاد صلاح قوش من جديد إلى قيادة جهاز المخابرات بعد أن أدمج جهازى الأمن والمخابرات فى جهاز واحد، وجاء تعيينه فى منصب المدير العام بعد ما تردد عن وجود صراعات داخلية وتدخلات سياسية فى عمل الجهاز، لذلك يقول مقربون منه إنه اشترط أن تطلق يده فى إدارة الجهاز دون أى تدخل من طرف القيادة السياسية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة