إن الشّك آفة خطيرة فى العلاقات الزوجية لأنه من صنع الخيال وحده، وإذا تحكّم الخيال السوداوى فى شيءٍ أفسده وألغى حكم العقل وترك المجال للتصرفات الرعناء، والغيرة المعتدلة شيءٌ مطلوبٌ ومهم ولكن دون أن تصل لمرحلة الشك، وهذان نوعان لا يجوز الخلط بينهما، وقد فرّق الرسول (صلى الله عليه وسلم) بين النوعين كما أخرجه الإمام أحمد فى مسنده وغيره بإسناد حسن فقال (صلى الله عليه وسلم): "إِنَّ مِنَ الْغَيْرَةِ مَا يُحِبُّ اللهُ، وَمِنْهَا مَا يُبْغِضُ اللهُ.. فَأَمَّا الْغَيْرَةُ الَّتِى يُحِبُّ اللهُ، فَالْغَيْرَةُ فِى رِيبَةٍ، وَأَمَّا الَّتِى يُبْغِضُ اللهُ، فَالْغَيْرَةُ فِى غَيْرِ الرِّيبَةِ.. "
والشّك بطبيعته يؤدى إلى قتل العاطفة واختفاء المودة بين الزوجين، ويصبح بين الشك وبين الطلاق انسجام وطيد وعلاقةٌ وثيقةٌ وصداقهٌ قائمةٌ ودائمة !!
فالشّك لا يقيم للحياة الأُسرية بيتًا ولا ستراً ؛ فعواصف الشّك عواصف عاتيةٌ وشديدة ، فهى كالنار التى تحرق كل ما حولها من عواطف وقيم؛ فالزوج الشكاك مريضٌ نفسيًا وقلبيًا، والحل لهذه المشكلة الحساسة يتمثل فى الآية الكريمة " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ" (سورة الحجرات 12)
وقد تدفع المرأة أحياناً زوجها للشك بغير قصد ، وذلك حين تتحدث أمامه عن شخصٍ ما باهتمامٍ بالغٍ ومتكرر ، كذِكرها الكثير من صفات وأخلاق هذا الاخر ، فيتسرب شعور للزوج بإعجابها بذلك الشخص كما يشعر فى الوقت ذاته أنها تفضله عليه من حيث الصفات الشخصية أو طريقة التعامل ، فينجرف نحو الشك وتبدأ بعدها فصول المأساة ، وهذا أمر قد حذر منه النبى (صلى الله عليه وسلم) فقال عليه السلام كما أخرجه البخارى وغيره " لَا تُبَاشِرُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ فَتَنْعَتَهَا لِزَوْجِهَا كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا ".
وقد تتحدث الزوجة بعفويةٍ عن تجاربها السابقة باعتزاز مع خطيبها السابق مثلاً، أو زوجها السابق إن كانت مُطلقة أو أرملة، وكل هذا يدفع زوجها نحو الشك دفعاً، فيُصب جام غضبه عليها، والزوجة التى تفعل هذا زوجة قليلة الخبرة أو مستهترة تدمر حياتها بنفسها.
وربما تكون سلوكيات الزوج الشكاك تكونت لديه تبعًا لظروف تربيته والأحداث التى مر بها طوال حياته؛ فهى نابعةٌ من التنشئة والبيئة المحيطة فى المقام الأول.
وأيضا قد ترجع غيرة الزوج الشديدة إلى عدم ثقته بنفسه وإحساسه بالدونية تجاه الزوجة التى ارتبط بها؛ حيث يسارع إلى الشك فى تصرفاتها لشعوره بأنها يمكن أن تنجذب إلى من هو أكثر منه رجولةً وجاذبية أو غنى أو منصب .
وقبل البحث عن حلول لمشكلة الشك يجب معرفة طبيعة المشكلة وهى أن الشك مرض ويكون بسوء الظن المستمر بالأفعال أو الأقوال التى تصدر عن الآخرين، وبدون أى حجج أو براهين مقنعة، ومن صفات الإنسان الشكاك:
- إن الشّكاك يُكثر من المجادلة ويسارع كثيراً من الدفاع عن نفسه إما بالفعل أو فى القول، وإن منعه أحد عن ذلك فإنه أحياناً يضمر الشر والحقد فى قلبه، وينتظر الفرصة المناسبة للرد، وكذلك الخوف والحذر من الآخرين، حيث إنّ لديه تصوراً بأن العالم هو غابة كبيرة، وفيها العديد من الحيوانات الشرسة والقويّة، والتى تلتهم الحيوانات الصغيرة.
- الغرور، حيث يرى بأنه شخصٌ كامل، ولا يشوبه أى نقصٍ أو جهل.
- الميل إلى التطفل على خصوصيات الآخرين، والرغبة الشديدة فى معرفة كل ما يفكرون به أو يخطر على بالهم، ومن ناحيةٍ أخرى يميل هذا الشخص إلى الغموض ، وكتمان أى شيءٍ يتعلق بحياته الخاصة، وذلك لأنه يخاف من أن يتم استخدام هذه المعلومات ضده فى أحد الأيام.
- الغيرة الشديدة والمبالغ فيها ع لى زوجته أو حبيبته.
- الإصرار وحب التنافس والتحدى بشكلٍ كبير وميله إلى جمع المعلومات السلبيّة عن الأشخاص الذين ينافسونه سواء فى مجال العمل أم الدراسة، وحفظها جيداً، والاستشهاد بها عند الحاجة مع تضخيمها.
- ضعف الأحاسيس والعواطف عنده ، حيث يميل إلى تحكيم عقله على قلبه، وبالتالى فإن أسلوب تعامله مع الآخرين يتسم بالصرامة والشدة.
- الاهتمام لكلام الآخرين والإصغاء الجيد للمتحدثين أمامه، وذلك ليستطيع البحث عن تفسيراتٍ خفيّةٍ من شأنها الإضرار بمصلحته الشخصيّة.
وعن كيفية التعامل مع الشكاك وخصوصاً أحد الزوجين يكون بما يلى:
- الحذر فى الحديث معه، حيث يجب الحرص على الكلمات والتحدث بشكلٍ مختصر، حتى لا يفهمها بشكلٍ خاطئ.
- اتّباع أسلوب الصراحة والوضوح معه فى القول وفى الفعل، مع البعد عن محاولة إثارة غيرته، وذلك لعدم استثارة الريبة والشّك أو القلق فى نفسه، والمحاورة بشكلٍ هادئ مع إرفاق الحوار بالحجج والبراهين المقنعة والقويّة.
- الابتعاد عن وصفه بالشكاك فى وجهه وهذه أهم مسألة فى الأمر، وكذلك الابتعاد عن مجادلته أو مناقشته أو محاولة تغيير آرائه أو قناعاته، خاصةً أمام الآخرين، وإن لزم الأمر تخويفه بالله وتذكيره بعظم الموقف والمسائلة فى الآخرة لقوله تعالى : " وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا " سورة الإسراء 36)
- الابتعاد عن أى محاولة لإلقاء اللوم أو الأخطاء على الطرف الآخر، والحرص على احترام الرجل الشّكاك، وضبط الأعصاب معه بقدر الإمكان.
- أن يتعامل أحد الزوجين مع الآخر على أنه شخصٌ يمر بأزمةٍ يحتاج إلى من يقف بجانبه ويحيطه بالعطف والحب والحنان، والتعامل بوجه بشوش والرد على كل شبهةٍ فيحدث اطمئنان وتندفع الوساوس، وحذار من العِند فإنه مورث الدمار والخراب.
- احترام أحد الزوجين الآخر فى التعامل مع الآخرين من أقارب أو زملاء فى العمل أو الجيران، ويجب أن تكون هذه المعاملة منضبطةٌ بضوابط الشرع.
- تجنب الحوار أمام الأبناء عن الشكوك بينهما حتى لا يترك ذلك أثاراً سلبية عليهم مستقبلاً.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة