مائة عام من الحضور.. زايد بن سلطان.. أسس لمبدأ «السلطة شورى» وعظم دور الشباب والمرأة.. وسياسيون: حكيم العرب كان يعشق مصر ويعتبرها قاطرة الدول العربية.. حسن يوسف: أردت تجسيد شخصيته فى عمل فنى تخليداً لسيرته

الجمعة، 07 ديسمبر 2018 01:00 م
مائة عام من الحضور.. زايد بن سلطان.. أسس لمبدأ «السلطة شورى» وعظم دور الشباب والمرأة.. وسياسيون: حكيم العرب كان يعشق مصر ويعتبرها قاطرة الدول العربية.. حسن يوسف: أردت تجسيد شخصيته فى عمل فنى تخليداً لسيرته الشيخ زايد
سعيد الشحات - كتب كامل كامل - هدى زكريا - أحمد جمعة - أحمد منصور

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

- يوسف شعبان: كان شخصاً نادر الوجود استطاع أن يجمع بين مقومات الحاكم العربى المحب لبلاده وقوميته العربية

 

- حكيم العرب ساند القضية الفلسطينية فى المحافل الدولية.. وتمسك بحقوق شعب فلسطين

 

- يسكن قلوب المصريين.. رسخ للمساواة بين المواطن والوافد.. وعاش بالقيم التى رفعت اسم دولة الإمارات عالياً

 
حين تلقى ملايين العرب من المحيط إلى الخليج بحزن بالغ خبر رحيل سمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان يوم 2 نوفمبر 2004، استدعى الكل تاريخ سنوات طويلة عاشها هذا العملاق «مواليد 6 مايو 1918»، منها نحو 33 عاما رئيسا لدولة الإمارات العربية المتحدة «الإعلان عن توحيد الدولة فى 2 ديسمبر 1971»، و38 عاما حاكما لأبوظبى.
 
اجتمع ملايين العرب على أنهم يودعون واحدا من زعماء المنطقة العربية فى القرن العشرين الذى سكن قلوب الملايين لما تفرد به من سمات خاصة قلما تتكرر فى غيره من الحكام، وإذا كانت النظرة المنصفة فى تقييم دور القادة فى التاريخ يقوم على قاعدة خلاصتها: «أن الحكم على أى حاكم بعدالة يجب أن يتم فى سياق العصر الذى عاشه»، فإن الاستثنائيين هم الذين نجد فى تاريخهم ما يعبر إلى المستقبل، ولهذا يحفظم التاريخ فى مرتبة فريدة يكون فيها قلة قليلة من العظماء، وبالتأكيد فإن هناك من الحقائق التاريخية التى تجعل الشيخ زايد واحدا من هؤلاء الاستثنائيين.
 
الشيخ زايد (2)
 
 ولأنه «اسثنائى» فإن الأحزان على رحيله كانت صادقة، كانت نابعة من القلب، فهو لم يكن حاكما ركب جواد الحكم ليستمتع بملذاته شأن آخرين فعلوا ذلك فلفظتهم شعوبهم، وإنما طرازه الفريد كشخص وحاكم انعكس على الأرض فى أشياء كثيرة، فحياته قضاها فى البناء، ليس بمعنى تشييد العمران وفقط، وإنما بالتوازى مع ذلك يقوم ببناء الإنسان، ومن هنا فإنه يصنف كزعيم من صنف «البنائين العظام» الذين لا يكتفون بما يتحقق، وإنما يجرون وراء كل جديد لصالح شعوبهم ليضيفوا يوميا إنجازا فوق إنجاز .
 
فى استثنائيته جمع كحاكم بين الحكمة بمعناها الصحيح سياسيا وأخلاقيا، وبين الصلابة فى المواقف المبدئية، وكان من طراز الزعماء العرب التاريخيين الذى شهدهم القرن العشرين قمة فى الإخلاص لمبادئهم القومية، وكان تفرده بين هؤلاء الزعماء أن إخلاصه يمضى يوميا دون ضجيج، ويعبر النظريات الأيدلوجية المسبقة، ويتم بالفطرة والذكاء السياسى والإنسانى والخيال المستقبلى الذى يلهم القادة إلى ما يحقق المصلحة العامة لشعوبهم.
 
فى استثنائية هذا الرجل العظيم سنجد زعيما يقدم للقضايا القومية كل الدعم بقناعة أن هذه المنطقة من العالم فيها عوامل وحدتها أكثر مما يفرقها، وفيها عوامل قوتها، وليس صحيحا أن ضعفها وفرقتها قدر مكتوب عليها، والشاهد على ذلك موقفه التاريخى فى حرب أكتوبر 1973، فلم يدخر جهدا فى تقديم الدعم بالمال إلى جبهات القتال المصرية والسورية ضد إسرائيل، والأهم موقفه القوى فى وقف ضخ البترول إلى الدول الداعمة لإسرائيل. 
 
فى استثنائيته أنه قدم نموذجا للزعامات التى تتبنى المواقف الجامعة قولا وفعلا، وتبتعد عن الخصوصيات القاسمة داخل الأوطان والتى تحوله إلى إشلاء، ولعل ذلك إحدى الأسرار العميقة التى وقفت الإمارات العربية عليها منذ مولدها كدولة موحدة، فعاشت وبقيت وستبقى، وفى مسألة بناء الأوطان ينحنى التاريخ أمام البنائين الذين يعملون من أجل المجموع، ومن أجل إسعاد الإنسان، ومن أجل الحاضر والمستقبل، ولو تتبعنا الأمر فى الإمارات العربية المتحدة منذ تأسيسها فسنجد أن الشيخ زايد كان يقود ملحمة البناء وهى يعى تماما قيمة أن تتم من أجل المجموع والحاضر والمستقبل وإسعاد الإنسان.
 

الشيخ زايد.. حكاية زعيم حارب التمزق ودعم الاتحاد

 
النجاح ليس وليد لحظة أو ضربة حظ، بل تعبا وشقى وحصد زرع تعبت فيه الأيدى وسهرت عليه العيون وتعلقت به الأفئدة، فما وصلت إليه دولة الإمارات الشقيقة من تقدم ونمو وازدهار واستغلال أمثل للطاقات وتغلب على السلبيات وعلاقات جيدة بالخارج العربى والغربى، يؤكد أن  مؤسس الدولة الشيخ زايد آل نهيان، رحمة الله عليه، كان له حلما سعى إليه ووضع له الأسس ووفر له الإمكانيات وأزال من أمامه العوائق وحفز له الجهود وقاده شعبه صوب هذه الحلم الذى تحقق ممثلا فى دولة الإمارات المتحدة.
 
الأمن والاستقرار الذى تنعم به الإمارات الشقيقة اليوم، يؤكد أنها تتبع خطابا سياسيا له تأثير استراتيجى قوى، ساعد فى تطورها ونهضتها، يتضمن قيم إيجابية، يوحد ولا يفرق ويجذب ولا ينفر، يتضمن قيم ومبادئ، وقد وضع الملاح والخطوط العريضة لهذا  الخطاب السياسى الشيخ زايد آل نهيان.
 
الخطاب السياسى لأى دولة يظهر قوتها وهيبتها وعلاقاته بالآخرين، ولو تتبعنا اليوم خطاب الإمارات الخارجى نجدها تسير على خطى مؤسسها  الشيخ زايد، فتنمى دائما انتماءها العربى والإسلامى وتقف مع الأشقاء فى الأزمات وتدفع بهم نحو التقدم والارتقاء، وتسعى دوما ليعم السلام المنطقة وحسن الجوار، والتسامح والإخاء، والتمسك الثابت بالاتحاد، وتعظيم دور الشباب والمرأة على المستوى الداخلى والخارج ومحاربة الجهل بالتنوير والعلم.
 
الشيخ زايد آل نهيان، كان ملما بالسياسة الداخلية لبلده وسياسة البلدان حوله، لدرجة أنه فى  الثمانينيات وصف خبير سياسى سوفيتى يدعى بولياكوف، بأن الاستماع إلى أفكار الشيخ زايد تجعلك تقف على البوصلة السياسية والاجتماعية لمنطقة الشرق الأوسط، وقال «بولياكوف» فى وصفه لـ«زايد»: لقد اكتشفنا خلال السنوات الماضية أنه ريما يكفى الاستماع إلى وجهة نظر الشيخ زايد ليقف المرء على اتجاه الريح السياسية والاجتماعية فى المنطقة، فلدى الشيخ زايد من العفوية والحصافة والإحساس بالمسؤولية القومية والالتزام الدولى ما يغنى المرء عن التنقيب والجدل».
 

مفهومه للسلطة السياسية

 
وكما كان «زايد» على دراية بالسياسة، كان مفهومه للسلطة السياسية علم يدرس للأجيال، فقد فهم طبيعة السلطة على المستوى الذهنى، وتطبيقاتها على المستوى العملى، واستغلال ذلك فى استشراف المستقبل، وما كان بإمكانه تحقيق ذلك، لولا وعيه بالماضى، واستحضاره ليؤسس عليه الحاضر، وعلى عكس معظم التجارب العربية، فقد أسس للسلطة بما يحقق الشورى، وكانت السلطة لدى الشيخ زايد، تمثل قيمة أخلاقية، تجلت فى علاقته بشعبه الإماراتى أولاً، والعرب ثانياً، والآخرين ثالثاً، حيث اعتبر الإنسان، الإنسان فقط هو الهدف فى عمله السياسى.
 
الشيخ زايد (3)
 
فالشيخ زايد أسس نظاماً شورياً لم يتخلَّ عن أسسه القبلية والمجتمعية، ولم يغضّ الطرف عن التطورات الخاصة بنظام الحكم التى يشهدها العالم، وكان فى هذا كله يستقى من ميراث الأوائل، لكنه لم يجعل الحكم مثل الإمامة، كما هو فى تراثنا السياسى، لأنه لم يستمد شرعيته من سلطة مقدسة أو مطلقة، أو قائمة على إنجازات وهمية، كما هى الحال فى تجارب بعض الحكام العرب، بل كان دائما يرسخ للشورى والنزول للرأى الصحيح ولأفيد.
 
وعمل «الشيخ زايد» خلال حياته على تعميق المضمون الأخلاقى للدولة، والاقتراب من الشعب، وتوعيته بتفعيل الميراث الدينى الروحى والقبلى الاجتماعى، والتركيز على التعمير والبناء، الأمر الذى حوّل الرؤية السياسية إلى واقع عملى، على يد شخصية كاريزمية وحكيمة، وأنتج دولة معاصرة، مواكبة للتطور، ومحافظة على أصالتها، فبرغم غيابه الجسدى، فإن منجزاته لا تزال تشكل حكماً وشاهداً على مسار العمل السياسى السلطوى فى دولة الإمارات المتحدة.
 

مع الاتحاد ورفض التمزق

 
الأسس التى قام عليها المشروع الحضارى للشيخ زايد هى، نجاحه فى التحريض على الاتحاد والتحذير من التمزق، فقد كان دوما يحذر داخليا وخارجيا من التمزق ويدعو للتوحد والاعتصام، ففى حوار له أجراه الكاتب الراحل إبراهيم نافع ديسمبر عام 1987، منشور فى كتاب «حوارات للتاريخ مع ملوك ورؤساء لدول والحكومات فى مصر والعالم»، قال الشيخ زايد فى إجابته عنسؤال، هل ترون معاهدة الدفاع العربى المشترك تؤدى رسالتها، وأنها تطبق بما يتفق وحقيقة أن الأمن القومى العربى كل لا يتجزأ؟: «إن تطبيق معاهدة الدفاع العربى المشترك واجب على كل العرب جميعا.. لأن العرب فى رأيى جسم وأحد له أعضاء يجب صيانتها.. والصيانة يجب أن تكون مستمرة حتى تصح ويصح الجسم معا، وحتى نبعد الأذى عن هذا الجسم بأعضائه كلها سواء أتى هذا الأذى من الكبير أو الصغير، فأولا: لن يتحقق هذا الأمر أو يستمر فى عالمنا العربى إلا إذا توافر الاتفاق التضامن فيما بين أفراده وأن يكون الرأى المتبع من مجموعة دول عالمنا العربى بالأكثرية وليس بالإجماع، ثانيا: عدم الخروج على الإجماع العربى من أى طرف من الأطراف..إذا ما تحقق هذا الإجماع فلا نرى شيئا يشيد البناء ويقوى بنية العالم العربى وحصنها بما يعيد مجد العرب إلا بهذا الأمر، وهذا الشىء الذى أقوله يفهمه كل أبناء الشعب العربى كما أنهم يعلمون الثغرات التى يعانى منها الوطن العربى، كما يعلم الشعب العربى أن من يصنع الفوارق بيننا ليسوا إلا أفرادا وقلة خارجة عن المجموع أو الإجماع، وما دام الرأى ليس شورى بيننا فكيف تصبح عروبتنا قوية وصامدة ولها ثقلها ووزنها، ونحن نرى كيف يتمزق أحيانا الإجماع العربى بخروج دولتين أو ثلاثة على إجماع الدول العربية، ويفسدون هذا الإجماع على المجموعة الكبيرة، وهذا لا يصح أبدا ولا يجوز، وحتى فى كتاب الله وسنة رسوله لا يجوز أن يتفوق رأى الأقلية على رأى الأكثرية أو أن يتبع ويطبق رأى الأقلية ويمهل رأى الأغلبية، وبما أننا عرب مسلمون فعلينا أن نطبق كلام الله ورسوله، انطلاقا من أن الإسلام دستورنا، وأقصد الإسلام الحقيقى لا الإسلام المشوه أو المتلون، لأن الإسلام من هذا النوع إسلام بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار.
 

 ناصح المخطئ

 
سياسية الشيخ زايد كانت ثابتة لا تتغير ولا تتبدل، بل بالعاكس كان ينتقد سياسة أمريكا بكل شجاعة بسبب تبديل سياسية كل لحظة لتحقيق أكبر مكاسب لها، ففى أبو ظبى يوم 25 ديسمبر 1987 أجرى الكاتب المصرى الراحل إبراهيم نافع حوارا مع الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان نُشر بصحيفة الأهرام المصرية، وفى هذا الحوار وجه إبراهيم نافع سؤالا لشيخ زايد نصه: «لماذا أنتم غير راضين عن سياسة أمريكا؟»، وأجاب الشيخ زايد على هذا السؤال بكلمات صريحة واضحة لا تحتاج أى تأويل قائلا: «ما يجعلنى غير راض عن دور أمريكا كليا هو أن دور أمريكا معيب وغير ثابت، وذلك بسبب أن أمريكا تتخذ موقفا يعتقد البعض أنه لا يتزعزع ولكن لا يمضى قليل من الوقت إلا ويفتح السد وتغرقك مياهه.. وفى رأيى أن هذا موقف لا يجوز.. وهذا أولا.. وثانيا أن أمريكا لها أصدقاء وأصدقاؤها كثيرون فى كل مكان فى آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط وإسرائيل من جملة الأصدقاء، ولكن أمريكا تنحاز، ولو أن أمريكا على ما لديها من قوة وإمكانيات وقدرة تقف الموقف العادل بين أصدقائها لكان لها دور أرقى وأكبر وأعظم مما هو عليه الآن، كذلك ولأصبح لها أصدقاء إضافيون أضعاف أصدقائها الحاليين، لكن مع الأسف أمريكا غير ثابتة على العدل لم تتجنب الأمور التى تبعدها عن العدالة والحق لأن المتحيز لا يبقى له صديق وإن كان يرى أن ما يفعله هو الصحيح ولكنه فى الواقع غير صحيح”.
 

 مواقف عظيمة مع مصر

 
بدورها أرجعت الكاتبة فريدة الشوباشى، النهضة التى حققتها دولة الإمارات الشقيقة فى كثير من المجالات إلى السياسية التى كان ينتهجها الشيخ زايد آل نهيان، رحمة الله عليه، مؤكدة أن حكيم العرب وقف بجوار مصر فى مواقف كثيرة خلال حياته وكان يعشقها. وقالت «الشوباشى» فى تصريحات لـ«اليوم السابع»: «لا تحدث نهضة لأى دولة أو انتكاسة إلا ويعود ذلك لقائد هذه البلد»، مضيفة: «لقد زت الشارقة ووجدت نظاما يؤكد روعة البلد وكل هذا يرجع لقائد هذه الدولة ممثلا فى الشيخ زايد»، وتابعت: «الشيخ زايد كان يرسم ملامح نهضة بلده وكان يعى جيدا أن النظام والأمل فى الغد هما أساس التقدم»، مشيرة إلى أن دولة الإمارات كانت صحراء ولكنها تحولت إلى دولة متقدمة، مضيفة: «يحسب لشيخ زايد أنه كان يعى أهمية العروبة واتحاد العرب، والعروبة هى المظلة التى يجب أن نحتمى بها من الأعداء». فيما وصف الدكتور سعيد اللاوندى، الخبير فى الشؤون الدولية بمركز الأهرام الاستراتجية، الراحل الشيخ زايد آل نهيان، بالرجل الذى سبق عصره واستطاع بحنكة شديدة توحيد الإمارات المتحدة لتصبح دولة عصرية متقدمة مرموقة، وقال «اللاوندى» فى تصريحات لـ«اليوم السابع»: «الشيخ زايد كان رجلا حكيما استطاع جمع أشلاء الإمارات وتوحيدها فى دولة متكاملة الأركان، ولولا ذكاء هذا الرجل لما سمعنا الآن عن دولة الإمارات»، مشيرا إلى أن الشيخ زايد كان يحب مصر وشعبها، وتابع: «الشعب المصرى بادل حب الشيخ زايد لمصر بحب، ولذلك تجد سيرته طيبة عند كل المصريين»، مضيفًا: «الشيخ زايد كان متعلقا بشكل وجدانى بمصر وكان يحب زيارة الأماكن التاريخية فيها كلما كانت تسنح له الفرصة ذلك». وعن سبب حب الشيخ زايد لمصر، قال «اللاوندى»: «الشيخ زايد كان يرى مصر دولة قاطرة للعرب، حيث تتمتع بحضارة واعتدال ووسطية بشأن الدين الإسلامى».

- راعى الثقافة والفنون الذى دان له الشعر مثلما دانت له السياسة

لم يهتم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، بالجانب الاقتصادى فقط لدولته، ولكنه أولى عناية خاصة لبناء عقل الإنسان وثقافته، ومن هنا جاء التركيز على الجوانب المعرفية والثقافية على اعتبار أنها أساس بناء الدولة وسر تقدمها، ويسير أبناؤه الآن على دربه، والدليل على ذلك كم المسابقات الفنية والثقافية التى تطلقها دولة الإمارات دعمًا وتشجيعًا لأبناء الوطن العربى عامة، مثل الجائزة العالمية للرواية العربية «البوكر»، وجائزة الشيخ زايد للكتاب، وجائزة الشارقة للإبداع العربى، ومسابقة شاعر المليون، وتحدى القراءة العربى، وغيرها من المسابقات التى كان الهدف من إطلاقها هو إيمان أصحابها بأن سر تقدم أى دولة يكمن فى مستوى ثقافة أبنائها، وهو ما تحقق بالفعل بعدما تبوأت مكانة ثقافية مرموقة بين الشعوب. 
 
النشأة الثقافية التقليدية للشيخ زايد، رحمه الله، لم تمنعه من الحلم والتطلع للارتقاء ببلده متسلحا بكل السبل والتى كان أولها العلم والمعرفة، فلم يكن مبصرا أسفل قدميه، بل كان متطلعا باستمرار على مستجدات الساحة الثقافية العالمية والمحلية، قائلا عبارته الشهيرة: «إن نشر التعليم واجب قومى، والدولة وفرت كل الإمكانيات من أجل بناء جيل الغد وتعويض ما فاتنا، وهذا الأمر يضع العلم فى أعز مكانة وأرفع قدر».ويشهد العالم أجمع على الطفرة الثقافية التى حدثت فى الإمارات مع بزوغ فجر الاتحاد، والدليل على ذلك أنه قبل عام 1971 لم يكن هناك اى منبر ثقافى على عكس ما تشهده دولة الإمارات اليوم من كم كبير من المراكز الثقافية برعاية وزارة الثقافة والشباب وتنميه المجتمع، والتى تعد من أولى الوزارات التى حرص زايد على تشكيلها لدورها المهم فى تشكيل الوعى الثقافى الجمعى، مما مهد الطريق تدريجيا لتصبح دولة الإمارات بوتقة انصهرت فيها جميع الثقافات وساحة ضخمة للتنوع الفكرى.
 
ولعل السبب الذى وقف وراء حب زايد للثقافة هو ولعه أيضا بالشعر، فقد كان رحمه الله شاعرا متميزا مثلما كان سياسيا متفردا، حيث يعد زايد من أوائل الحكام الذين استطاعوا أن يمزجوا بين حكمتهم السياسية وضلاعتهم الثقافية الأدبية، لذلك استحق أن يطلق عليه المؤسس الذى دان له الشعر، كما دانت له السياسة خاصة فى ظل مكانته الأدبية وبراعته فى تنظيم الشعر النبطى وتذوقه، وأكبر مثال على حب زايد للشعر  مجالس الشعراء التى قام بتأسيسها ليلتقى فيها الأدباء والمثقفين لمناقشة كل القضايا الثقافية، ولحث جميع شعراء الوطن العربى على الانضمام لها وتقديم إبداعاتهم وإسهاماتهم الشعرية من خلال منصاتها التى كان يناقش فيها أهم القضايا الثقافية. 
 
ومن أبرز معالم الحياة الثقافية فى الإمارات هو المجمع الثقافى بأبوظبى الذى تم تشييده فى 1977 وافتتاحه فى 1981، بهدف نشر الثقافة المحلية والتعريف بالثقافات العالمية عبر تنظيم مجموعة من الفعاليات الثقافية على رأسها تنظيم معرض الكتاب الأول والذى سُمى بمعرض «الكتاب الإسلامى»، والذى تزامن معه إنشاء العديد من المدارس والجامعات والمؤسسات الثقافية التى أحدثت تحولا جذريا فى دولة الإمارات، وتسببت فى ازدهار الحياة الثقافية هناك.
 

«زايد» شاعرا: 

المتابع لشعر الشيخ زايد، رحمه الله، يجد أنه يغلب عليه الطابع الإنسانى والأدب الشعبى، وتعكس كلماته مدى ارتباطه بقضايا مجتمعه وتعلقه ببيئته، كما امتلأت قصائده بالألفاظ والمفردات المحلية المستوحاة من البيئة البدوية والتى بات يتغنى بها عشرات المطربين العرب، وتدريجيا انتقلت مظاهر التطور الحضارى التى شهدتها دولة الإمارات على يديه لقصائده وعبر عنها فى أكثر من موضع، ليس هذا فحسب بل عرف عن قصائده أيضا استهلالها وترحيبها بالقادم، ناهيك عن تقديمه للحكمة والنصائح من خلالها، وتجسيده للعديد من القيم والمبادئ التى آمن بها فيها، ووفقا للمعلومات المتداولة فقد كان الشيخ زايد متأثرا بالشاعر أبى الطيب المتنبى ومعلقاته مما انعكس فى نفسه وحياته وسلوكه.
 
الناقد الدكتور صلاح فضل، يقول: عُرف عن الشيخ زايد ولعه بالشعر وتقديره له وسمعت كثيرا عن مجالسه الشعرية وحفاوته بالشعراء وتشجيعه لهم باستمرار، وهذه خصال كانت من صميم تقاليد الإنسان العربى فى الجزيرة العربية والأصلاء من قادة القبائل العربية، فلديهم شعرية فطرية وعشق حقيقى للغة العربية وقدرة فائقة على التعبير.
 
ويضيف: «أورث الشيخ زايد هذا الولع، إن لم يكن كله فمعظمه، لأولاده والأجيال التى أعقبته ليتساوى فى ذلك الشعر المكتوب باللهجة البدوية ونظيره باللغة العربية الفصحى، وأحسب أن تبنى نجله الشيخ محمد بن زايد لمسابقات شاعر المليون باللهجة النبكية، وأمير الشعراء بالفصحى، هو مظهر مهم من مظاهر هذا الولع الذى يحيى تقاليد الشعر العربى الأصيل، بعد أن أوشكت على الاندثار، ويرعى مواهب الشباب المبدعين من جميع أقطار الوطن العربى». 
 
واتفق معه الشاعر إبراهيم داود قائلا عن زايد: من الشخصيات النقية التى جاءت فى مسيرة العرب خلال القرن الأخير، كان محبا مخلصا لمصر ويشعر بالامتنان لما قدمه لها طوال تاريخه، وشخص بهذه الروح بالتأكيد عندما يكتب أدبا سيكون نقيا مثله، فكان يقدم لنا الشعر البدوى بلغة فطرية بعيدة عن التركيبات اللغوية المعقدة، ويضيف: «وأعتقد أن الاحتفاء به شىء محترم ونبيل لما قدمه للثقافة العربية، وسنظل مدينين له بالكثير». 
 

محباً للفن: 

وللفن المصرى مكانة خاصة عند الشيخ زايد دلل عليها بدعوته لكوكب الشرق أم كلثوم لإحياء حفل عيد جلوسه الخامس فى أبوظبى عام 1971 والتحضير لقيام الاتحاد، وجاءت هذه الدعوة بناء على مكانة كوكب الشرق وتجسيدها للصورة المصرية جيشا وشعبا، بالإضافة لحبه الشخصى لصوتها وأغانيها. 
 
ويؤرخ كتاب «أم كلثوم فى أبوظبى» الذى صدر مؤخرا عن الأرشيف الوطنى بمناسبة مرور مائة عام على مولد الشيخ زايد، لاحتفال حضارى وثقافى وفنى دعا فيه الشيخ زايد سيدة الغناء العربى أم كلثوم لإحياء حفل فى أبوظبى، كدليل على أن أبوظبى كانت وستظل واحة كبيرة للثقافة الجادة والفن رفيع المستوى الجاد. وردا على حفاوة الاستقبال كتبت أم كلثوم رسالة نشرتها جريدة الاتحاد بعد ذلك شكرت فيها مؤسس دولة الإمارات، قائلة: يسعدنى أن أوجه هذه التحية على صفحات الاتحاد إلى عظمة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان حاكم أبوظبى، وشعبه الكريم، وأشكركم على الحفاوة التى قوبلت بها منذ اللحظة الأولى، التى وصلت فيها إلى هذه الأرض العربية الغالية، ويزيد من سعادتى أننى جئت فى مناسبة عيد جلوس صاحب العظمة الشيخ زايد والاستعداد للإعلان عن قيام دولة اتحاد الإمارات العربية التى ستضيف إلى الأمة العربية رصيدا جديدا من القوة والدعم»، كما جاء فى الكتاب أيضا أن الشيخ زايد قد أهدى عقدا من اللؤلؤ لأم كلثوم ارتدته فى حفلها الثانى.
 
 الواقعة السابقة تدل على حب وتقدير الشيخ زايد للفن المصرى، وهو الحب نفسه الذى توارثه عنه أبناؤه أيضا، مستغلين كل المناسبات للتعبير عنه، وفى هذا الشأن أدلى عدد من الفنانين المصريين بشهادتهم حبا فيه. 
 
«كان كل عام تتم دعوتنا فى عهده لحضور المسابقات الدينية التى يتم تنظيمها فى أبوظبى لتقديم الأمسيات، رحمة الله عليه، ستظل ذكراه طيبة محفورة فى وجداننا»، بهذه الكلمات بدأ الفنان حسن يوسف حديثه عن الشيخ زايد قائلا: لم ألتق به شخصيا ولكنى التقيت بنجله الشيخ عبد الله الذى كان وزيرا للإعلام وقتها، كان رجلا دمث الخلق عرضت عليه تنفيذ فيلم تسجيلى عن حياه الشيخ زايد بعدما اطلعت على عشرات الكتب التى تؤرخ لسيرته وعرفت كيف كان صبيا صغيرا يحلم ويخطط بالعصا على الرمال لدولة الإمارات حتى تحول حلمه لحقيقة، لذلك انبهرت بسيرته وكنت أطمح لتقديمها فى عمل فنى. 
 
ويضيف: «بعد ذلك علمت أن العمل تم منحه لشركة إنتاج بريطانية وأنه سيقوم بدور البطولة ممثل بريطانى، لم أنزعج وقتها، بل فرحت لأنى كان هدفى أولا وأخيرا هو تخليد ذكرى هذا الرجل الطيب، وأذكر جيدا عندما سافرت لحضور مهرجان أبوظبى السينمائى، فنزلنا فى فندق مهول لاستيعاب الضيوف عرفت فيما بعد أنه كان قصرا خاصا به مخصصا لإقامته، ولكنه أوصى أن يصبح ملكا للدولة لضخامته، فأراد أن يستفيد منه الجميع، رحمه الله وجعل أبناءه على خطاه».
 
واتفق معه الفنان يوسف شعبان، الذى قال: «هذه فرصة عظيمة للاحتفاء بهذا الرجل الذى يُعد واحدا من الحكام العرب نادرى الوجود، فبخلاف حبه ومشاعره تجاه أبناء الوطن العربى، هذا الرجل أعطاه الله سبحانه وتعالى نعمة عظيمة وهى حبه للخير ومساعدة الغير، وهذا يتجلى فى أفعاله ومساعداته للدول النامية الفقيرة، وبالتالى هذا هو الوقت المناسب لنتذكره ونمجد سيرته». 
 
وعن إسهاماته الأدبية والفنية يقول شعبان: الشيخ زايد استطاع أن يجمع بين مقومات الحاكم العربى المحب لبلاده وقوميته العربية، وفى نفس الوقت المحب للثقافة والفنون، وهذا أمر قلما نجده فى إنسان. 
 
الفنانة صابرين، قدمت شخصية كوكب الشرق أم كلثوم فى مسلسلها الشهير الذى عرض فى رمضان 1999، وتم الاحتفاء به أيضا فى دولة الإمارات تقديرا لدور كوكب الشرق فى إرساء الحركة الفنية العربية، وفى هذا الصدد وبمناسبة مرور 100 عام على مولد الشيخ زايد، رحمه الله، تقول الفنانة صابرين: الشيخ زايد كان محبا لمصر بكل مؤسساتها، ولا يستطيع أحد أن ينكر دوره فى حرب أكتوبر 1973 عندما أمر كل من حوله بأن يكونوا تحت أمر الجيش المصرى، وبالتالى لا يوجد خلاف على وطنيته ودوره فى خلق حالة من الوفاق والامتزاج بين الشعوب لتحقيق الوحدة والقومية العربية قبل أن ينال منها الدواعش الموجودون حاليا.

 

وتضيف: «الطفرة الفنية والثقافية التى قدمها الشيخ زايد تناقلها عنه أولاده، ويتجلى ذلك فى حجم الإبداع الذى تتزين به حتى المنشآت والأبنية، وهذا أيضا نوع من الثقافة، هذا بالإضافة لما قدمه لمصر، ويتجلى فى المدينة التى تحمل اسمه، وبالتالى نادرا ما نجد حاكما عربيا أثر فينا بهذا القدر وترك ميراثا من الإنسانية فى كل دول الجوار، وأعتقد أن سر حبه لكوكب الشرق هو أن الأولى كانت حالة تتوحد مع حب مصر تعمل وتقدم أغانى من أجل الوطن والجيش المصرى، وبالتالى كان حبهم لها جزءا من حبهم لمصر وشعبها».
 

تاريخ تضامن ومسيرة دعم لبلاد العرب

 
اتسمت مواقف الشيخ الزايد بن سلطان آل نهيان، بالوضوح والثبات تجاه القضايا العربية، وخصوصًا فى القضايا المصيرية وعلى رأسها القضية الفلسطينية والصراع العربى الإسرائيلى، وصولًا إلى تحرير الكويت، فضلًا عن جهود رأب الصدع العربى وتدخله لإنهاء الخلافات بين العديد من الدول.
 
وأكد الشيخ زايد، فى العديد من المناسبات والمنابر الدولية التمسك بالحق المشروع للشعب الفلسطينى فى وجه العدو الإسرائيلى، وموقف دولة الإمارات العربية المتحدة إلى جانب الفلسطينيين، ففى افتتاح الجلسة الأولى فى دور الانعقاد العادى الثانى للمجلس الوطنى الاتحادى قال الشيخ زايد رحمه الله «إن دولة الإمارات أعلنت دعمها وتأييدها لشعب فلسطين فى نضاله العادل ضد قوى البغى والعدوان لأنه لا يمكن إقرار السلام فى الشرق الأوسط طالما أن شعب فلسطين قد حرم من حقوقه وأرض أجداده، وطالما لم تتراجع إسرائيل عن أطماعها التوسعية بالاستيلاء على الأراضى العربية بالحرب والعدوان».
 
الشيخ زايد (5)
 
يؤكد مساعد وزير الخارجية الأسبق،السفير جمال بيومى،لـ«اليوم السابع»، أن مؤسس دولة الإمارات الشيخ زايد لعب دورًا كبيرًا فى توحيد الإمارات تحت راية واحدة، مؤكدًا أنه استطاع إبرام مصالحة مع كل زعماء المنطقة ودعمهم لتشكيل الإمارات العربية المتحدة، مشيرًا إلى أن دوره الأساسى تمثل فى تأسيس الدولة وتعليم أبنائه ضرورة الانفتاح على الدول العربية، لأن مستقبل بلاده مع مستقبل الدول العربية، ويذكر «بيومى» أن الشيخ زايد حشد القوى العربية وتجميعها لإنجاز المصالحة العربية عقب اتفاقية السلام بعد حرب أكتوبر، مشيرًا إلى أن الإمارات والسعودية نجحتا فى الضغط على الدول الأوروبية خلال حرب أكتوبر عبر تقليل حجم البترول العربى، ما ساهم بشكل كبير فى أن تغير أوروبا من العرب وإسرائيل وأضحت أكثر توازنًا، وأشاد «بيومى» بدور دولة الإمارات فى خلال حرب تحرير الكويت، مشيرًا لوجود إجماع عربى منذ ستينيات القرن الماضى بمناهضة غزو أى دولة عربية دولة أخرى، والعراق كانت دائمًا تهدد الكويت بالغزو لادعاء أنها إحدى محافظات العراق، وذلك فى ظل عدم وجود حدود محددة خلال تلك الفترة، مشيرًا إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة بقيادة الشيخ زايد كانت تسير فى التيار الرئيسى للمطلب العربى الوطنى الجماهيرى.
 
ويقول عضو مجلس المصرى للشؤون الخارجية ومساعد وزير الخارجية الأسبق، السفير رخا أحمد حسن، إن الشيخ بن زايد تميز بامتلاكه رؤية تهدف للنهوض بدولة الإمارات العربية المتحدة وضم البحرين وقطر إلى الدولة، مشيرًا إلى أن هذا التحرك فشل بسبب اعتراض بعض الدول الإقليمية على ضم البحرين وقطر إلى دولة الإمارات،وأكد السفير رخا لـ«اليوم السابع»، أن الشيخ زايد حقق نجاحات كبيرة أبرزها توحيد الإمارات والإعلان عن توحيد الدولة، واستخدام البترول والغاز فى القيام بتنمية للبلاد عبر تأسيس مدن حديثة على أحدث الطراز، مشيرًا إلى أن الشيخ زايد نجح فى تحويل بلاده إلى مركز مالى عالمى.
 
وأشار مساعد وزير الخارجية الأسبق إلى أن الشيخ زايد كان ينظر إلى تعزيز التعاون مع مصر باعتبارها مركز القوى فى المنطقة، مؤكدًا أنه قدم كل سبل الدعم إلى مصر خلال حرب أكتوبر عام 1973، مؤكدًا أنه لعب دورًا بارزًا فى دعم مصر، وأكد فى عبارته الشهيرة خلال حرب أكتوبر على أن الدم المصرى أغلى من البترول، وأشار «رخا» إلى مساهمة الشيخ زايد فى مساعدة مصر فى إعادة إعمار المدن المدمرة فى الحرب، فضلًا عن دوره الكبير فى إنشاء مدن جديدة تحمل اسمه فى مصر ومنها مدينة الشيخ زايد فى الجيزة والقاهرة والإسكندرية، مؤكدًا أنه سعى لتعزيز التعاون بين الدول العربية وحل الخلافات، كما أنه أوصى أبناءه بضرورة تعزيز التعاون والتنسيق مع مصر، مشيرًا إلى أنه كان حريصًا على وحدة الصف داخل دول مجلس التعاون الخليجى بعيدًا عن الخلافات، ودوره فى توحيد صفوف الدول العربية، خاصة دول مجلس التعاون.
 

الجالية المصرية فى الإمارات تشهد: 

عطاء وسخاء تجاوز حدود الوطن العربى
 
 الحب والوفاء للوطن، إنصاف الضعفاء ومساعدة المحتاجين، التعامل بالإنسانية، هكذا كان الشيح زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة، الذى يحتفل العرب بمرور 100 عام على ميلاده.. «اليوم السابع» ذهبت إلى النادى المصرى فى الإمارات، والتقت عددا من أفراد الجالية المصرية المقيمين فى دولة الإمارات الذين يحتفظون بكل الخير فى يذكر سيد عطية قطيط، مدير علاقات عامة، ومقيم بدولة الإمارات منذ أكثر من 30 عاما، قائلا: لقد مر 14 عاماً على وفاة المغفور له بإذن ربه الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وبمناسبة مرور 100 على ميلاده، أود أن أشارك «اليوم السابع» بكلمات بسيطة عن هذا الرجل الذى لا أعتقد أن هناك كلمات يمكن أن تعبر عن عظمته وكرمه الذى خلده التاريخ بعظيم صنعه على مستوى العالم بأكمله، لو أردنا أن نسرد القصص الإنسانية التى سطرها التاريخ بحق هذا الزعيم الذى كان يحكم بحكمة وفطرة بقلب ينبض بحب شعبه وحب الناس كل فلا نستطيع أن نعطيه حقه، فهو حقًا حكيم وخير العرب.
 
ويتذكر «عطية» أحد مواقف الشيخ زايد قائلا: قالوا يوماً للشيخ زايد، طيب الله ثراه، أن الوافدين فى دولة الإمارات العربية المتحدة تمثل أكثر من 80 % من تعداد السكان، فقال كلمته المشهورة: الرزق رزق الله، والمال مال الله، والأرض أرض الله، والفضل فضل الله، والخلق خلق الله، ومن يتوكل على الله أعطاه الله، ومن «يبينا» يجينا حياه الله. وتابع سيد عطية، أن عطاء وسخاء الشيخ زايد تجاوز حدود الوطن العربى، إلى العالم بأكمله، متمثلاُ فى تشييد مساجد ومدارس وأحياء سكنية يصعب حصرها، وفى مصرنا الحبيبة خير شاهد على عظمة وكرم الشيخ زايد، والشيخ زايد آل نهيان مع أخيه الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراهما، هما اللذان أسسا دولة الإمارات العربية المتحدة عام 1971 «إمارة أبوظبى، دبى، الشارقة، عجمان، الفجيرة، راس الخيمة، أم القيوين»، وأضاف سيد عطية، ومن واجبنا كجالية مصرية أن نـرجع الفضل لله ثمّ للمغفور له بإذن ربه الشيخ زايد وأولاده وباقى شيوخ  الإمارات على حسن المعاملة التى تشعرنا فى بلدنا الثانى بأننا لسنا مغتربين.
 
وقال ناصر هوارى، عضو مجلس إدارة النادى المصرى، وخبير مالى وإدارى بحكومة دبى، قائلا: أقيم هنا منذ 22 عاما، أنا وأسرتى المكونة من وزجتى وشابين، وزرت العديد من الدول، ولكن للإمارات والشيخ زايد فى قلوب المصريين أمر آخر، وهذا لم يأت من فراغ بل نتيجة ممارسة حقيقة مع أهل وشعب الإمارات، والمصرى المقيم فى الإمارات كأنه يعيش فى مصر، وهذا كله بفضل الشيخ زايد، رحمه الله، أن ما تقوم به دولة الإمارات مع الجنسيات المختلفة بشكل عام والمصريين بشكل خاص، أمر غير طبيعى، والشيخ زايد رحمه الله، عرف بزايد الخير وبابا زايد وحكيم العرب.
 
وتابع ناصر الهوارى، أن الشيخ زايد رسخ فى ثقافة شعبه أن الاستثمار فى الإنسان وليست فى النفط فقط، وهى فلسفة ومفاهيم غرزها فى أولاده من بعده، ودولة الإمارات تستكمل مسيرة الشيخ زايد، ولهذا أصبحت دولة عربية رائدة فى المنطقة العربية.
 
وأكد الهوارى، أن الشيخ زايد محب للخير وكان يقدم المساعدات للدول العربية الأخرى، بجانب مواقفه الإنسانية مع العرب ومصر بصفة خاصة، وكان يتدخل على الفور لحل جميع الخلافات بين مصر وأى دولة عربية أخرى إن وجدت، ولا ننسى وقوفه مع مصر خلال حرب 1973م، ومواقف أبنائه من بعده وهى استكمال لمسيرته الإنسانية، وظهر ذلك خلال السنوات الماضية، ووقوف دولة الإمارات مع مصر فى حربها ضد الإرهاب، وهذه نتاج فلسفة زرعها الشيخ زايد فى أولاده من بعده.
 
الشيخ زايد (1)
 
وحول مشهد رحيل الشيخ زايد، قال ناصر الهوارى: إن كل المقيمين فى الإمارات كانوا فى حالة حزن شديدة، لحظة إعلان الخبر، فالكل وقف ولم يستطع التفكر وكأن والده رحل وتركه وحيدًا، واستمر هذا الحال وقتا طويلا، ونحن كمصريين عشنا حزنا كبيرا للغاية، ولهذه اللحظة نترحم عليه وندعو له بالرحمة على قدر أعماله والخير الذى زرعه فى نفوس العرب، وأشار ناصر الهوارى، إلى أن النادى المصرى بدبى سينظم فعالية كبرى لإحياء مئوية الشيخ زايد، بحضور شخصيات عامة كثيرة وعدد من الوزراء المصريين والسفير المصرى بالإمارات، وعدد كبير من الجالية المصرية.
 
وقال زامل هلال، لاعب نادى الإسماعيلى السابق، والمقيم بالإمارات منذ 17 عاما: إن تحدثنا على الشيخ زايد فذلك يحتاج لوقت طويل، ففضل الشيخ على العرب بصفة عامة وعلى المصريين بصفة خاصة كبير، وأوضح: عندما جئت إلى دولة الإمارات العربية المتحدة عرفت أن هنا رئيس دولة يزرع الإنسانية والكرم وعدم العنصرية، وكل شخص يأخذ حقه دون تفرقة بين المواطن وغير المواطن، وهذا ما فعله الشيح زايد رحمه الله، وهو من قال إن الدم العربى أغلى من النفط العربى، وأضاف الشيخ زايد قيمة كبيرة جدا عند الإماراتيين والمصريين، ولا أحد ينكر ما قام به مع مصر والمصريين، ونحن نعيش هنا وكأننا فى مصر، والإمارات بلدنا ونحبها ونحب الشيخ زايد، رحمه الله، وأشار هلال، إلى أن الشيخ زايد هو حكيم العرب حقًا فهو من أسس وزرع القيم، فأحبته الشعوب العربية، وقال: أنا كمصرى أعشق دولة الإمارات، ولا أشعر بالغربة على الإطلاق، فهنا مساواة بين الجميع، وهذه ما زرعه الشيخ زايد، وجميع أولاده يعملون على تكمله مسيرته فى التنمية والتطور، ونحن نحب ونفتخر أن نكون جزءا من هذه الدولة العظيمة.
 
وقالت الدكتورة وفاء محمد مصطفى، استشارية تنمية بشرية وتطوير ذاتى، يطيب لنا أن نلقى الضوء على النموذج المتميز الذى تركه الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، للإنسان والإنسانية قبل رحيله، برغم قلة الإمكانيات وضعف الموارد فى البدايات، إلا أنه جعل من دولة الإمارات تتبوأ مكانة مرموقة فى نظم العلم والتعليم على الخريطة العالمية، وأوضحت وفاء محمد مصطفى، أن الشيخ زايد عاش بالقيم التى رفعت اسم دولة الإمارات عالياً، وآمن بتطبيق مبادئ سامية جعلها رسالته على مدى حياته كلها وهى نشر التعليم والاهتمام به، كما اهتم بالتشييد والتعمير، وآمن بمبدأ أن الإنسان هو محور كل تقدم، فأقام المبانى والمنشآت والمدارس والمستشفيات، وسخر جلّ جهده فى نشر السلام والأمن والاستقرار.
 
الشيخ زايد (4)
 
وأضافت الدكتورة وفاء: أدرك الشيخ زايد أن بناء الأوطان يبدأ من بناء الإنسان أولاً الذى يشكل جوهر الحضارة والتنمية، لذا كان يؤمن بأن نهضة الدولة وبنائها لا تصنع بالمال فحسب بل يأتى على رأسها الاهتمام بالعلم والتعليم وبناء سواعد قوية قادرة على صناعة الحاضر وبناء المستقبل وتحقيق التقدم والازدهار، وأكدت، أن الشيخ زايد، كرس نفسه لخدمة الإنسان فاهتم بالصحة بجانب التعليم، فوجه بتشييد المدارس والجامعات والمعاهد، كما وجه بتشييد المستشفيات لتوفير الحياة الآمنة المستقرة للمواطن والمقيم، على حد سواء، دون تفرقة بين لون أو جنس أو عرق، كما آمن بأن بناء الإنسان هو الثروة الحقيقية للإمارات، فغرس حب العلم فى نفوس الصغار وجعل للتعليم الأولوية القصوى فحدّث المناهج واستقطب أكفأ المعلمين، واهتم بالتواصل مع المنظمات التعليمية العالمية لتحسين وسائل التعليم، ووجه بتوفير ما يحتاج إليه الطالب من زى مدرسى، وغذاء، ووسيلة انتقال وكتب ومصروفات، وذلك دون مقابل، كما اهتم بتوسيع قاعدة التعليم ونشره فى أرجاء دولة الإمارات.
 
 وأشارت وفاء محمد مصطفى، إلى أن الشيخ زايد شجع التعليم بالخارج للمتميزين، والبعثات الخارجية، والاهتمام بشؤون المبتعثين، وأنشأ أول جامعة الإمارات بالعين عام 1977 لطلاب الدولة، وساوى بين المرأة والرجل فى جميع الحقوق والواجبات، كما اهتم ببناء واستقرار الأسرة، وتوفير السكن المناسب، والمساواة والعدالة الاجتماعية، بالإضافة إلى توفير الأمان وتكافؤ الفرص لجميع المواطنين.
 

 









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة