فى الوقت الذى لايزال الأوروبيون من شركاء إيران الموقعين على خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووى) فى عام 2015 (بريطانيا وفرنسا وألمانيا بالاضافة إلى روسيا والصين) متمسكين بهذه الصفقة التى انسحبت منها الولايات المتحدة الأمريكية فى 8 مايو الماضى، فجرت الولايات المتحدة قنبلة فى وجه هؤلاء، بعد إعلان وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو السبت الماضى، اختبار طهران صاروخ باليستى متوسط المدى قادر على حمل رؤوس متعددة، واعتبر هذه الإجراء يمثل خرقا لقرار مجلس الأمن 2231.
وبينما لم يشير وزير الخارجية إلى موعد التجربة، أيد وزير الدفاع الأمريكى، جيم ماتيس، خلال كلمة أمام منتدى أمنى فى كاليفورنيا، معتبرا أن الاختبار الإيرانى لصاروخ باليستى متوسط المدى قادر على حمل عدة رؤوس، يعيد إلى الأذهان أن من غير المحتمل منع إيران من مواصلة تكنولوجيا الصواريخ أو دعم وكلائها من المسلحين.
وبالأمس جاء الرد الإيرانى، فلم تؤيد طهران التجربة الصاروخية أو تنفيها، بل أكدت خارجيتها على أن برنامجها الصاروخى هو جزء من سياستها الدفاعية الردعية ولا يحق لأحد التدخل فى هذا الشأن، كما قال وزير الدفاع وإسناد القوات المسلحة العميد أمير حاتمى، "إن القوة الدفاعية الإيرانية تحمل رسالة سلام وصداقة وتحمى الاستقرار والأمن".
استفزاز إيرانى وانقسام داخلى
من ناحية يبدو أن الصمت الإيرانى حيال تأييد أو نفى التجربة الباليستية، قد يعزز اتهامات الولايات المتحدة لها، ويعيد إلى الأذهان التجربة الصاروخية للحرس الثورى فى مارس 2016 لصاروخ باليستى يصل مداه لـ 1400 كلم، كتب عليه بالعبرية "يجب إزالة إسرائيل من الوجود" أمر نظر إليه بأن الحرس الثورى رغب فى عرقلة الاتفاق النووى وإحراج الرئيس حسن روحانى، إضافة إلى اختبار صاروخى بالستى آخر فى فبراير 2017 أى بعد مرور 9 أيام على تولى الرئيس الأمريكى ترامب رئاسة الولايات المتحدة.
ومن خلال هذه المعطيات وتوقيت التجارب الصاروخية الإيرانية، يبدو أن المعسكر المتشدد الذى يتبنى سيناريوهات المواجهة، لا يميل إلى أبدا إبداء مرونة مع الإدارة الأمريكية التى عززت من ضغوطها وفرضت حزمتين من العقوبات فى 8 اغسطس و4 نوفمبر على التوالى يمكن وصفها بالأشد والأقوى على طهران منذ 2006، ويعد هذا المعسكر نفسه لمواجهة شرسة مع أمريكا السنوات المقبلة، ويأتى على رأسه الحرس الثورى الذى يرجح أنه أراد أن يبعث رسالة من الاختبار الصاروخى لترامب فحواها أنها لا تهاب لغة التهديد والعقوبات وسيواصل سياساته وفقا لمصالحه، كما أنه لن يتراجع عن تعزيز البرنامجها الصاروخى تحت أى ظرف، فهو يعتبره درع فى مواجهة التهديدات الخارجية.
فى المقابل تثير هذه التجارب انقساما حادا داخل إيران التى تعج بالأزمات، ويتهم التيار الاصلاحى الجهات النافذة فى البلاد فى مقدمتها الحرس الثورى على العمل على عرقلة تطبيق الاتفاق النووى وجلب العقوبات للبلاد، وفى اغسطس الماضى، اتهم نائب رئيس البرلمان الإيراني علي مطهري الحرس الثوري بعرقلة تطبيق الاتفاق النووي بسبب تجارب قوات الحرس البالستية، محملا الجهات التي عارضت الاتفاق النووي مسؤولية تفاقم الأوضاع الاقتصادية المتردية التي تعاني منها إيران. خاصة وأن تطوير البرنامج الصاروخى الإيرانى كان إحدى أسباب اعتراض الولايات المتحدة وانسحاب ترامب من الاتفاق النووى.
حيلة ترامب لإستقطاب الأوروبيين
وعلى الجانب الأحر يبدو الاعلان عن تجارب صاروخية إيرانية فى هذا التوقيت، محاولة أمريكية لإستقطاب شركاء طهران الأوروبيين الذين يتمسكون بالاتفاق النووى وفى الوقت نفسه يشاطرون واشنطن مخاوفها حيال برنامج طهران الصاروخى وسلوكها الإقليمى، وعبروا عن ذلك مرارا فى المحافل الدولية، وهو بمثابة وضع الإدارة الأمريكية أدلة بين أيدى الأوروبيين على انتهاك طهران للإتفاق النووى، وتأكيدها على أن طهران شريك لا يلتزم بالإتفاقات الدولية، فى وقت تتصاعد فيه الدعوات الأوروبين لفرض عقوبات على طهران بسبب سلوكها الاقليمى، وتعثر القنوات المالية التى ترغب أوروبا فى تدشينها لمساعدة طهران للإلتفاف على عقوبات أمريكا.
ويبدو أن الإدارة الأمريكية قد حققت بعض أهدافها، فقد أعربت المملكة المتحدة عن قلقها الشديد واعتبرته عملا استفزازيا وتهديديا يتعارض مع القرار 2231، واعتبر وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت التجارب الصاروخية الإيرانية بأنها "استفزازية وذات طبيعة تهديدية ومناقضة" للقرار الأممي، وقال إن بريطانيا مصممة على انها "يجب أن تتوقف".
كما أدانت وزارة الخارجية الفرنسية التجربة، ووصفتها بالمستفزة، مشيرة إلى أنها تزعزع استقرار المنطقة، وقالت المتحدثة باسم الوزارة أنييس فون دير مول في بيان، إن فرنسا قلقة بشأن اختبار إيران لصاروخ باليستي متوسط المدى، مؤكدة أن ذلك يخالف قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231.ودعت طهران للتوقف «فوراً» عن جميع الأنشطة المتعلقة بالصواريخ الباليستية. وطلبت فرنسا وبريطانيا عقد اجتماع مغلق لمجلس الأمن الدولي، ومن المتوقع عقد هذا الاجتماع الثلاثاء المقبل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة