عندما تحولت مصر من الملكية إلى الجمهورية ، عقب ثورة 1952، كانت الساحة الأفريقية مهيأة تماما لدور مصرى قوى، بعد سنوات من الإنفصال عن قضايا القارة والتحديات التى تواجهها، وساهم فى القيام بهذا الدور استلهام حركات التحررالأفريقية النموذج الذى قدمته ثورة يوليو للتحرر من الاستعمار، وباعتبار القارة السمراء تمثل عمقا استراتيجيا لمصر، وهو ما أدركه الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر، والذى استطاع أن يقود أفريقيا ليس فقط نحو التحرر من الاستعمار، وإنما أيضا الى توحيد مواقفها تجاه العديد من التحديات ، ولعل المفارقة أن التحديات المشتركة بين مصر وأفريقيا، رغم اختلاف طبيعتها بحكم تغير الأزمنة، كانت السبب وراء عودة مصر إلى محيطها الأفريقى بعد ثورة 30 يونيو ، قديما ضمت التحديات الاستعماروالتبعية ، ولكنها فى الوقت تواجه خطر الإرهاب ، فضلا عن معركة التنمية ، ونظرا للنجاح الذى حقته مصر فى مواجهة الإرهاب سواء فى الشق الأمنى أو الشق التنموى ، كان لابد أن تمد القاهرة يدها مرة أخرى للقارة السمراء .
التكامل الاقتصادى.. مدخل مصر للتقارب مع أفريقيا
الأوضاع الاقتصادية الصعبة التى تواجهها دول القارة تعد همزة وصل مع مصر لتحقيق التكامل الاقتصادى مع الدول الإفريقية، حيث قدمت القاهرة برامج طموحة تستهدف تحقيق الإصلاح الاقتصادى لتحسين مناخ الأعمال والاستثمار وإزالة العقبات التي تعوق عمل القطاع الخاص والمستثمرين الأجانب، كما سعت القاهرة إلى زيادة استثماراتها فى أفريقيا لتصل إلى أكثر من 10.2 ملياردولار، بينما بلغ حجم الاستثمارات الأفريقية فى مصر حوالى 2.8 مليار دولار، وفى إطارالجهود المصرية لدعم الاقتصادات الأفريقية، شهدت مدينة شرم الشيخ، فى وقت سابق من هذا الشهر "منتدى أفريقيا 2018"، بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسى، حيث ناقش المنتدى الفرص الاستثمارية الواعدة فى القارة السمراء فى مختلف القطاعات الصناعية، بالإضافة إلى دعم التكامل بين القطاعين العام والخاص من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية.
فرديا وجماعيا.. مصر تدعم التنمية فى القارة السمراء
وامتد الدعم المصرى للاقتصاد فى أفريقيا إلى العديد من المسارات، الفردية والجماعية، حيث تحركت القيادة السياسية فى مصر ، نحو دعم العلاقات الاقتصادية مع الدول، وكذلك المنظمات التابعة للاتحاد الأفريقى، بهدف دعم التنمية فى القارة السمراء، وزيادة معدلات النمو الاقتصادى لجميع الدول الأفريقية ، ولعل الدور البارز الذى لعبته القاهرة فى دعم اتفاقية التجارة الحرة الأفريقية القارية فى الأشهر الماضية، يمثل دليلا دامغا على الرؤية المستقبلية التى تتبناها مصر، خاصة وأنها تفتح الباب أمام تأسيس سوق أفريقية مشتركة يمكن من خلالها تبادل السلع والخدمات، وكذلك انتقال رؤوس الأموال ورجال الأعمال والفنيين والمتخصصين بين الدول الموقعة على الاتفاقية لتسهيل نقل المعرفة التقنية والخدمات المتعلقة بالتجارة في عدد من مجالات القطاعات الحيوية، وهو ما يساهم بصورة كبيرة فى تعزيز التنمية الصناعية وتطوير البنية التحتية بحيث تكون دول القارة مؤهلة لجذب الاستثمارات.
الشباب الأفريقى.. مصر تؤهل كوادر أفريقيا لتحقيق التنمية
لم يتوقف التحرك المصرى نحو تحقيق التنمية الاقتصادية، وإنما امتد إلى الارتقاء بشبابها، لتأهيلهم وتحفيزهم على القيام بدور بارز، فى مستقبل دولهم فى المرحلة المقبلة، وهو ما يساهم بصورة كبيرة فى توجيه عقولهم نحو أهداف التنمية والرخاء، فى ظل حرب شعواء تطلقها المنابر المتطرفة لاستقطاب هؤلاء الشباب، وشهدت العديد من مؤتمرات الشباب التى احتضنتها مصر فى الأعوام الماضية، حضورا بارزا من شباب القارة الإفريقية ، ولعل أخرها منتدى شباب العالم، الذى عقد فى الشهر الماضى، والذى قدم توصيات هامة تتعلق بمستقبل أفريقيا، من بينها اختيار مدينة أسوان كعاصمة للشباب الأفريقى لعام 2019 من أجل مواصلة التعاون والحوا حول الهموم والتحديات المشتركة التى تواجههم، بالإضافة إلى زيادة الوعى بأهمية القارة والفرص المتاحة بها وكيفية استغلالها، بالإضافة إلى تأهيلهم للقيام بدور بارز من شأنه تحقيق التنمية فى بلدانهم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة