منذ وصوله إلى البيت الأبيض قبل عامين، بدا الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى عجله من أمره لفك ارتباط واشنطن بالمنطقة والنأى بعيدا عن الخوص فى الاضطرابات التى طالما كانت السياسة الأمريكية محركا رئيسيا لها منذ الغزو الأنجلو أمريكى للعراق.
لكن فى حين هيمنت واشنطن على القوى فى العراق واليمن، فإنها منذ البداية كانت ضعيفة النفوذ فى سوريا، فكانت لموسكو الكلمة العليا، وبينما حذر المراقبون الغربيون ولاسيما الأمريكيون، طيلة السنوات الماضية، من تقويض النفوذ الأمريكى فى المنطقة لصالح روسيا فإن ترامب لم يعبأ كثيرا لهذه الأصوات إذ رأى منذ البداية أن على الدول العربية تحمل مسئولية جيرانهم.
وفى قرار راه الكثيرون مفاجئا، أعلنه عبر حسابه على تويتر أولا، قرر ترامب سحب قوات بلاده من سوريا معلنا انتهاء مهمتها فى الانتصار على تنظيم داعش، وهو ما وصفته الصحافة الأمريكية بأنه تنازل عن دولة ذات أهمية استراتيجية لصالح روسيا وإيران. لكن الرئيس الأمريكى أعلن مرارا وتكرارا، أن وجود قوات أمريكية فى سوريا ليس من مسئوليات أمريكا، ووعد بسحب ما يقرب من 2000 جندى أمريكى من سوريا، خلال تجمع فى أوهايو فى 29 مارس الماضى.
ومنذ أكثر من عام، وخاصة منذ طرد داعش من معظم الأراضى التى كان يسيطر عليها شمال سوريا، أخبر المستشارين فى البيت الأبيض أنه يريد سحب القوات من البلاد. كما وجه وزارة الخارجية، مطلع الصيف الماضى، بتجميد أكثر من 200 مليون دولار من الأموال المخصصة لجهود التعافى فى سوريا مع قيام إدارته بإعادة تقييم دور واشنطن فى الحرب الدائرة هناك.
الخاسرون
ورأت صحيفة "نيويورك تايمز"، أن القرار يغرق استراتيجية الإدارة الأمريكية فى الشرق الأوسط فى حالة من الفوضى ويثير غضب حلفاء مثل بريطانيا وإسرائيل ويتخلى عن الأكراد فى سوريا، الذين كانوا شركاء مخلصين فى محاربة داعش. وبالفعل فأنه بحسب مسئولون أمريكيون فأن الجنرال جوزيف فوتل، قائد القوات المركزية الأمريكية، وبرين ماجورك، المبعوث الأمريكى للتحالف المناهض لداعش، حذرا من أن سحب القوات الأمريكية سيترك الأكراد عرضة للهجوم من تركيا التى حذرت من أنها ستشن قريبا هجوما ضدهم.
وأشارت نيويورك تايمز، إلى أن الطبيعة الفوضوية المفاجئة للتحرك - والمعارضة التى أثارها على الفور داخل الكابيتول هيل وخارجها – أثارت أسئلة حول كيفية متابعة ترامب للانسحاب الكامل. فحتى بعد إعلان الرئيس، قال مسئولون إن وزارة الدفاع الأمريكية ووزارة الخارجية استمرت فى محاولة التحدث معه للتراجع.
ويخشى القادة العسكريون من أن الانسحاب المتسرع سيعرض المكاسب الإقليمية ضد داعش التى حققتها الولايات المتحدة وشركاؤها فى التحالف، للخطر إذ ربما يتكرر ما حدث بعد أن سحب الرئيس السابق باراك أوباما القوات الأمريكية من العراق عام 2011.
الرابحون
جادل وزير الدفاع الأمريكى جيم ماتيس وغيره من كبار مسؤولى الأمن القومى بأن الانسحاب سوف يؤدى، فى الأساس، إلى تسليم النفوذ الغربى فى سوريا إلى روسيا وإيران. لاسيما أن سياسة الأمن القومى لإدارة ترامب تدعو إلى تحدى الدولتين، اللتين تمثلان المستفيد الرئيسى من الرئيس السورى بشار الأسد، وقد زودته بسنوات من الدعم المالى والعسكرى.
ويرى محللون أمريكيون أم من أبرز أسباب الوجود الأمريكى فى سوريا هو احتواء النفوذ الإيرانى ومنع أزمة لاجئين جديدة ومحاربة التطرف ومنع روسيا من مواصلة بسط نفوذها فى المنطقة، ومن ثم فأن إعلان الولايات المتحدة الأمريكية الانسحاب من سوريا سيعنى بالضرورة إعلان الأسد وروسيا وإيران نصرهم الكامل.
وقال ديفيد أديسك، مدير الأبحاث فى مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، إن الولايات المتحدة تسيطر على نحو 30% من مساحة سوريا، وهى المنطقة التى يُعتقد أنها تضم نحو 90% من إنتاج النفط ومن ثم فإن الانسحاب سيعطى إيران مجالا للسيطرة على حقول النفط هناك.
ويتجه البعض إلى أنه أمام القوات الأمريكية من سوريا، ربما يضطر الأكراد لعقد صفقة مع نظام الأسد، ومن ثم تترك الميليشيات السنية التى دعمتها أمريكا، مكشوفة، وهو ما سيسمح للإيرانيين بالسيطرة على تلك المنطقة واستكمال جسرهم البرى من طهران إلى بيروت.
وعلق السناتور الجمهورى جراهام، عن انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، قائلا: إن انسحاب قواتنا من الأراضى السورية سيكون خطأ. وأضاف جراهام، وهو أحد اشد المؤيدين لترامب داخل الكونجرس، إن انسحاب القوات الأمريكية سيكون "انتصارا كبيرا لتنظيم داعش وإيران وبشار الأسد وروسيا".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة