أكد شريف سامى الخبير المالى والرئيس السابق للهيئة العامة للرقابة المالية، فى الجلسة المخصصة لمناقشة تنظيم وتنمية "التمويل الاستهلاكى" بمؤتمر الرؤساء التنفيذيون الخامس 2018 على أن نشاط التمويل الاستهلاكى يعد الضلع الباقى الذى لم يتم إصدار قواعد حديثة لتنظيمه فى منظومة الخدمات المالية غير المصرفية.
وأضاف أنه منذ ظهور التأجير التمويلى فى مصر عام 1995 توالت التشريعات المنظمة للأنشطة المالية، حيث استحدث التمويل العقارى عام 2001 وتلاه تنظيم نشاط التخصيم بعده بعامين إلى أن صدر قانون بشأنه هذا العام، إلى أن تم إقرار أول قانون لتنظيم نشاط التمويل متناهى الصغر فى مصر فى نوفمبر 2014.
وأشار إلى أن التردد فى تنظيمه حتى الآن يعود لأسباب متعددة فى مقدمتها تحديد هدف واضح لهذا التنظيم ومدى إمكانية أن يشمل التشريع كل الجهات التى تمارسه، حيث تنتشر بطول البلاد وعرضها آلاف المنشآت التى تبيع السلع المعمرة بالتقسيط مما يصعب على أى جهة رقابته، وعليه يكون التحديد فى كيفية تحديد المنشآت الخاضعة للتشريع المنظم، وفى المقابل لا يجوز أن تخضع الكيانات الرسمية التى تمارس النشاط للرقابة وتطالب بالإلتزام بضوابط محددة بينما تخرج شريحة لايستهان بها من مظلة القانون والإلتزامات التى يفرضها، وهى مشكلة لم نواجهها من قبل فى أنشطة مثل سوق المال والتأمين والتخصيم.
ولفت شريف سامى، إلى أنه لا يجب أن ننسى ونحن بصدد تنظيم نشاط التمويل الاستهلاكى أن المنظومة يمكن أن تضم جمعيات أهلية تشرف عليها وزارة التضامن وكذلك التعاونيات وعلى الأخص الجمعيات التعاونية الاستهلاكية والإنتاجية التى تنظمها قوانين خاصة بها.
وأوضح أن الدول بمختلف نظمها القانونية تحرص على حماية مواطنيها وتنظيم أسواقها، سواء كان ذلك فى مجال التجارة والخدمات من خلال قوانين حماية المستهلك والأجهزة الرقابية التى قد تنشأ لهذا الغرض أو فى مجال الأنشطة المالية مثل البنوك والأنشطة المالية غير المصرفية وذلك بواسطة هيئات إشراف تنشأ لهذا الغرض مثل البنك المركزى والهيئة العامة للرقابة المالية فى مصر.
كما نوه إلى أن من ضمن أهداف تنظيم أى نشاط تمويلى كما أكدته المعايير الدولية هو حماية العميل من نفسه، أى تجنيبه مخاطر تحمل التزامات مالية تفوق طاقته مما قد يؤدى إلى تعثره أو يؤثر على أوضاعه المعيشية.
وأشار شريف سامى إلى أن "البيع بالتقسيط" هو من جانب نشاط تجارى يقدم سلعة أو خدمة وإن كان البائع يتقاضى المقابل المالى على مدى فترة زمنية من خلال سداد المشترى لأقساط، ومن جانب آخر يعتبره البعض إحدى صيغ منح التمويل الاستهلاكى من البائع للمشترى بما يتيح له السداد الآجل، لذا نجد أن الدول تختلف فى تعاملها مع تنظيم "البيع بالتقسيط".
وأوضح أنه يقصد بالتنظيم إصدار قانون أو أى أداة أخرى من أدوات التشريع مثل اللوائح أو القرارات الصادرة من جهة رقابية لها اختصاص قانونى. وجاء التعامل الأقدم والأوسع انتشاراً مع "البيع بالتقسيط " ضمن نصوص القانون التجارى المعمول به فى العديد من الدول ومن بينها مصر، بهدف لحماية البائعين والمشترين وحفظ حقوقهم.
فعلى سبيل المثال، تضمن قانون التجارة رقم 17 لسنة 1999 على أنه إذا لم يدفع المشترى أحد أقساط الثمن المتفق عليه فلا يجوز الحكم بفسخ البيع إذا تبين أنه قام بتنفيذ 75% من التزاماته، وكذلك ألزم البائع فى حالة الحكم بفسخ البيع برد الأقساط التى قبضها بعد استنزال ما يعادل أجرة الانتفاع بالمبيع بالإضافة إلى تعويض عن التلف الذى لحقه بسبب الاستعمال غير العادى.
وأكد القانون على أن الاتفاق على حلول الثمن بأكمله عند عدم دفع أحد الأقساط فى ميعاد استحقاقه لا يكون نافذاً إلا إذا تخلف المشترى عن دفع قسطين متتاليين على الأقل، كما سعى لحماية حقوق البائع بالنص على أنه لا يجوز للمشترى التصرف فى المبيع قبل أداء الأقساط بأجمعها إلا بأذن مكتوب من البائع وكل تصرف يجريه المشترى بالمخالفة لهذا الحكم لا يكون نافذا فى حق البائع إذا أثبت علم المتصرف إليه وقت إجراء التصرف بعدم أداء الثمن بأكمله.
وأضاف شريف سامى أن عدد من الدول وفى مقدمتها الولايات المتحدة فضلت أن يكون الاهتمام بحماية حقوق العميل من خلال وضوح شروط التعاقد وإظهار ثمن البيع النقدى منفصلاً عن عبء التمويل. ويمتد التنظيم فى بعض الحالات إلى السداد المعجل وآليات الشكوى وصولاً إلى أساليب التحصيل وكيفية التعامل مع العملاء.
وعلى النقيض هناك دول قليلة رأت أن "البيع بالتقسيط" يعد نشاط "تمويل استهلاكى" لذا مدت نطاق التنظيم إلى وجوب الترخيص المسبق للمنشأة التى تزاول النشاط وفقاً لشروط محددة، ومنها بريطانيا من خلال هيئة السلوك المالى المماثلة للهيئة العامة للراقبة المالية فى مصر، كما أصدرت السعودية تشريع ينظم البيع بالتقسيط والترخيص لمن يزاوله من خلال وزارة التجارة.
وكشف أنه فى المنتصف بين اشتراط الترخيص أو الاقتصار على تنظيم العلاقة مع العميل، نجد اليابان لديها تشريع يتناول فى الأساس الوساطة فى البيع بالتقسيط من خلال بطاقات مثلاً ووجوب الترخيص لمن يمارسها، أى أن المقسط ليس البائع وإنما شركة وسيطة تسمح بتقسيط منتجات تم شرائها من أطراف أخرى.
وختم كلمته بأن أى تشريع ينظم "التمويل الاستهلاكى" أو "البيع بالتقسيط" من المفترض أن يوازن بين عدة أهداف ترتبط بحماية المشترى وعدم تحميله إلتزامات مالية تفوق طاقته والحفاظ على حقوق البائع مع مراعاة تبسيط الإجراءات وعدم المغالاة فى اشتراطات قد تصطدم بالواقع المصرى. حيث يجب أن نأخذ فى الحسبان الانتشار الكبير لنشاط التقسيط فى كافة المدن والقرى وصعوبة مراقبة كل منشأة تمارسه، كذلك لدينا إشكالية فى مصر مع إثبات الدخل وعدم إمكان تطبيق قاعدة صماء بتناسب القسط مع الدخل، وأيضاً كيفية التعامل معالنتائج المترتبة على استخدام الاستعلام الائتمانى ( iScore ) ومنع التقسيط عن العميل ذى التصنيف غير المنتظم، حيث يفترض أن تكون نتيجة الاستعلام استرشادية فقط، على غرار ما هو مطبق فى نشاط التمويل متناهى الصغر.
وأوضح شريف سامى على هامش المؤتمر أن معظم المصريين ومن ضمنهم عاملين فى المجال التجارى لا يعلمون أنه منذ نحو ستون عاماً صدر فى مصر القانون رقم ( 100 ) لسنة 1957 بشأن البيوع التجارية خصص الباب الثالث له للبيع بالتقسيط، حيث اشترط على من يزاول البيع بالتقسيـط ألا يقل راس مالـه عن ثلاثة آلاف جنيه وان يثبت فى كل وقت أن راس ماله العامل لا يقل عن هذا المبلغ، كما اشترط على البائع بالتقسيط - أن يستوفى نقداً من المشترى 20% على الأقل من ثمن السلعة المبيعة ونص على ألا يقل القسط عن جنيه شهريا،. ولا يجوز أن تزيد مدة التقسيط المتبقى من ثمن البيع على سنتين من تاريخ عقد البيع.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة