نزاعات معلنة وأخرى من وراء الستار، بهذه العبارة يمكن إيجاز سياسات واشنطن الاقتصادية وعلاقاتها الخارجية مع العديد من الدول الكبرى منذ دخول الرئيس الأمريكى دونالد ترامب البيت الأبيض، فما بين مواجهات ممتدة مع روسيا فى ميادين القتال بالوكالة بالشرق الأوسط، تشعل الإدارة الأمريكية نزاعا تلو الآخر مع الصين فى ميادين المال والأعمال، والتجارة العابرة للحدود.
الحرب التجارية التى أطلق شرارتها الأولى ترامب بفرض جمارك إضافية على الواردات الصينية، جدد التأكيد عليها مستشار الرئيس الأمريكى للأمن القومى جون بولتون قبل أيام، خلال الإعلان عن الاستراتيجية الأمريكية الجديدة للعلاقات مع أفريقيا، والتى قال إنها تهدف إلى مواجهة النفوذ السياسى والاقتصادى للصين فى الدول الأفريقية، لتصبح القارة السمراء بذلك مسرح جديد للحروب التجارية بين واشنطن وبكين.
وخلال كلمته التى قالها الأسبوع الماضى، اتهم بولتون الشركات الصينية والروسية التى تمارس نشاط تجارى مع أو داخل الدول الأفريقية بـ"الفساد"، وقال إنهم "يوجهون استثماراتهم فى المنطقة عن عمد وعلى نحو عدائى لنيل أفضلية تنافسية على الولايات المتحدة". وتابع "الأولوية الأهم لدى واشنطن ستتمثل فى تطوير علاقات اقتصادية فى المنطقة لإتاحة فرص للشركات الأمريكية وحماية استقلال الدول الإفريقية وكذلك مصالح الأمن القومى الأمريكية.
الاستراتيجية الأمريكية الجديدة مع القارة السمراء، تستند ـ كما كشفها بولتون ـ على 3 محاور رئيسية أولها دعم الاستقرار الدائم فى الدول الأفريقية والاستثمار فى الدول الأفريقية الكبرى بما يصب فى مصلحة الأمن القومى للولايات المتحدة، واتباع حزمة من القرارات والسياسات فيما يتعلق بالمساعدات الأمريكية بما يدعم نفوذ واشنطن فى تلك الدول.
وقال مستشار الرئيس الأمريكى للأمن القومى، نريد لشركائنا الاقتصاديين أن يزدهروا ويسيطروا على مصائرهم، ونحن فى المعاملات الاقتصادية الأمريكية، نطلب فقط المعاملة بالمثل، ونرفض الخضوع الذى يتعامل من خلاله شركات باقى الدول المستثمرة.
وفيما يتوقع مراقبون إقدام ترامب على تصعيد جديد فى معركة الجمارك مع الصين، قال بولتون قبل أيام عن الاستثمارات الصينية فى القارة السمراء: "تلجأ الصين إلى الرشوة وإبرام اتفاقات غير واضحة واستخدام الديون على نحو استراتيجى لإبقاء البلدان الإفريقية رهينة رغباتها ومطالبها، بما يؤكد أن مشروعاتها الاستثمارية تعج بالفساد".
التصعيد الأمريكى ضد الصين ومصالحها فى القارة السمراء، قابلته بكين بالرد على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية لو كانغ إن، مشيرا فى تصريحات نشرتها وكالة الأنباء الصينية "شينخوا" إلى أن بلاده تركز على تطوير وتنمية أفريقيا فى مجالات مجالات الزراعة وغيرها. وتابع: "الشخص الأمريكى (فى إشارة إلى بولتون) لم يفكر فى أمريكا وإنما فكر فى الصين وروسيا ونحن بدورنا سنواصل التعاون الودى المتبادل مع أفريقيا مهما كانت آراء الآخرين".
وتخوض الصين والولايات المتحدة حربا تجارية متصاعدة شهدت جولات من فرض رسوم جمركية على واردات كل منهما، بالإضافة إلى توتر للعلاقات متصاعد بسبب الخلافات على قضايا مثل مبيعات الأسلحة والنشاط العسكرى فى بحر الصين الجنوبى.
كما اتهم الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الصين فى تصريحات مباشرة، بسرقة أمريكا بسبب سياستها التجارية، وقال إن الصين تتلاعب فى عملتها، إضافة إلى تسببها فى خسائر الوظائف بأمريكا فى القطاع الصناعى، حيث أن 40% من خسائر الوظائف مرتبط بالواردات من الصين.
وقد مرت الحرب التجارية بين البلدين بعدة مراحل بدأت 2016، خلال حملة ترامب الانتخابية والذى تعهد فيها باتخاذ التدابير اللازمة لاستعادة الوظائف الأمريكية المفقودة بسبب ما سماه التغلغل الصينى، ووعد بفرض ضرائب جمركية على المنتجات الصينية، وممارسة المزيد من التدقيق فى استثمارات الشركات الصينية العاملة فى الولايات المتحدة، وفى المقابل تعهدت بكين باتخاذ خطوات مماثلة تقضى بفرض ضرائب مرتفعة على البضائع والمنتجات الأمريكية فى الصين، تشمل السيارات وأجهزة التقنيات العالية والأجهزة الذكية.
وفى يناير 2017، دعت بكين واشنطن إلى احترام القواعد التجارية الدولية، وتحسين التعاون والحوار، وقالت إنها لا تريد حربا تجارية مع الولايات المتحدة، وحثت على إجراء محادثات بين الجانبين للوصول إلى أرضية مشتركة، وبعد القمة الأولى التى جمعت الرئيسين ترمب وشي، في ولاية فلوريدا عام 2017، تراجع ترمب عن تصريحاته المعادية للصين، وأصبحت تغريداته أكثر توازنا تجاهها، إلا أنه فى مارس 2018 وقع مذكرة تنفيذية لفرض رسوم جمركية على الصين بسبب ما وصفه بممارساتها التجارية غير العادلة، وبموجب هذه المذكرة فرضت السلطات الأمريكية رسوما جمركية بنسبة 25% على قائمة بنحو 1300 منتج صيني، بينما حثت سفارة الصين بواشنطن الولايات المتحدة على التراجع عن قرارها، ودعتها لاتخاذ قرارات حذرة وتجنب تعريض العلاقات التجارية بين الصين والولايات المتحدة للخطر، ثم أعلنت وزارة التجارة الصينية خططا لفرض رسوم "انتقامية" بقيمة ثلاثة مليارات دولار على الواردات الأمريكية، ومن بينها لحم الخنزير وأنابيب الصلب، وستشمل التدابير رسوما بنسبة 25% على واردات لحوم الخنزير و15% من الرسوم الجمركية على أنابيب الصلب ومنتجات أخرى.
وفى أبريل 2018، أمر ترامب المسئولين فى إدارته بدراسة فرض رسوم جمركية إضافية بقيمة مئة مليار دولار على المنتجات الصينية، بينما ردت الصين بالقول إنها مستعدة لدفع "أى ثمن" فى حرب تجارية محتملة مع الولايات المتحدة.
وقالت وزارة التجارة الصينية، فى بيان "إذا تجاهل الجانب الأمريكى معارضة الصين والمجتمع الدولى، وأصر على تطبيق الأحادية والحمائية؛ فأن الجانب الصينى سيذهب حتى النهاية مهما كان الثمن".
ويميل الميزان التجارى بين الصين والولايات المتحدة لصالح بكين، التى تجاوز فائضها التجارى 375 مليار دولار فى تبادلاتها مع واشنطن عام 2017، علما بأن حجم التبادل التجارى بين البلدين تجاوز ستمئة مليار دولار عام 2016.
ووصلت صادرات الولايات المتحدة إلى الصين عام 2017 إلى 116.2 مليار دولار، بينما وصلت صادرات الصين إلى الولايات المتحدة إلى نحو 492 مليار دولار في العام نفسه.
كما وصلت الاستثمارات المباشرة بين الصين والولايات المتحدة عام 2017، إلى ستين مليار دولار، يشار إلى أن حصة الاستثمارات الصينية بالولايات المتحدة بلغت نحو 46 مليار دولار، فى حين لم تتجاوز قيمة الاستثمارات الأمريكية فى الصين 14 مليار دولار.
ويعود العجز التجارى بين البلدين إلى ارتفاع الواردات الصينية بوتيرة أسرع من الصادرات الأمريكية إلى الصين.
وتستورد الولايات المتحدة الألمنيوم والصلب والإلكترونيات والملابس والآلات من الصين، بينما تعتبر الصين أكبر مستورد لفول الصويا من الولايات المتحدة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة