وقف صلاح خلف «أبو إياد»الرجل الثانى فى قيادة منظمة التحرير الفلسطينية ليخطب فى مهرجان شعبى بجامعة بيروت العربية يوم 19 نوفمبر 1974، واندهش المستمعون ليس لدفاعه عن 14 فدائيا فلسطينيا معتقلين فى المغرب، بتهمة التخطيط لاغتيال رؤساء وملوك عرب فى القمة العربية بالرباط يوم 26 أكتوبر 1947، وإنما لإعلانه عن تضامنه مع محاولة الاغتيال، حسبما يكشف فى مذكراته «فلسطينى بلا هوية».
يتذكر أنه قال: «إن المعتقلين الأربعة عشر فى الرباط قاموا بواجبهم..لم تكن عندهم النية فى مهاجمة كافة رؤساء الدول العربية، وإنما كان واحد منهم فقط هو الملك حسين «العاهل الأردنى».. يضيف: «ثم هتفت قائلا إنه إذا كان صحيحا أنهم سعوا إلى هذا الغرض فإننى أتحمل المسؤولية الكاملة، وأدعى شرف دعم هذا العمل.. ثم ذكرت بهذا الصدد بأن الهيئات القيادية فى حركة فتح اتخذت قرارا إثر مجزرة الفدائيين فى1970-1971 بأن تزيل الملك حسين ونظامه، ثم تعرضت إثر ذلك لمصير المعتقلين الأربعة عشر، فأعلنت تصميمى على التوصل للإفراج عنهم، ونددت بالتعذيب الذى أوقعه البوليس المغربى بهم، ثم ألمحت إلى أنه إذا ما أصم الملك الحسن أذنيه عن نداءاتى، وكنت أرسلت قبل ذلك برسالة شفوية بواسطة شخصية تونسية، فإن لدينا من الوسائل ما نجبر بها العاهل الشريفى على الإذعان».
يكشف أبو إياد: «بينما كنت مندفعا فى هجومى، قاطعنى أحد معاونى ليسلمنى رسالة.. وجحظت عيناى وأنا أحملق فى المذكرة الموجزة، ذلك أنى قرأت فيها أنه تم إطلاق سراح الأربعة عشر، وأنهم سلموا إلى مصر التى أودعتهم سجن القلعة».. يعترف أبو إياد، أنه استأنف كلمته، ولم يدرِ كيف سيعدل لهجة خطابه، ثم قال إنه تسرع قليلا فى الهجوم على الحسن الثانى لأنه يتحسس مصالح المقاومة الفلسطينية، وأعلن عن النبأ الذى تلقاه، رافضا اعتقال الأربعة عشر فدائيا فى مصر، وتساءل: «بأى حق ينصب السادات نفسه قاضيا؟».
تعرض أبو إياد لمأزق جديد، يكشفه قائلا، إنه لم يكد ينتقل من الهجوم على الحسن الثانى إلى الهجوم على السادات حتى قوطع من أحد الحاضرين حين سلمه ورقة مكتوب فيها: «السادات يدعوك لرؤيته فورا، فأرجوك ألا تنتقده قبل أن تستمع إليه».. يؤكد أبو إياد: «كانت الكلمة بتوقيع أحد أفراد السفارة المصرية فى بيروت ممن أعدهم بين أصدقائى الخلص.. فهو كضابط استخبارات سابق قدم لنا خدمات كبرى فى الأردن إبان مواجهة عام 1970 مع جيش الملك حسين «مذابح أيلول الأسود».. يؤكد أبو إياد، أنه لم يكن أمامه بديلا عن الموافقة على طلبه الملح، وأستأنفت خطابى وأنا أكثر ارتباكا، وبدأت أتلعثم وأحاول البحث عن كلمات تتيح لى أن أنعطف بهدوء بعيدا عن السادات دون أن أناقض نفسى، وأخيرا توصلت إلى أن أقول للجمهور المتحير أن أصدقاءنا المصريين أبلغونى للتو أنباء مطمئنة، فاعتقال الفدائيين الأربعة عشر «إجراء روتينى» وهم يلقون معاملة «حسنة»ثم أوجزت حديثى وخلصت بكلام غامض التفاؤل».
يضيف أبو إياد: «فى اليوم التالى» 20 نوفمبر، مثل هذا اليوم عام 1974، ركبت الطائرة إلى القاهرة، ووجدت فى المطار ممثلا عن الرئيس السادات ينتظرنى ليقودنى مباشرة إلى القصر الرئاسى، واحتضننى وهو يبتسم ويقول: «يبدو أنك كنت تسعى إلى اغتيالى؟».. يؤكد أبوإياد: «لم أحاول حتى أن أعترض، إذ إن الاتهام بدا لى عبثيا متهافتا».. يضيف: «استطرد السادات مطلعا إياى على التقارير التى تلقاها قبل «قمة الرباط» وزيارة وفد مغربى له وتسليمه نتائج التحقيق المقلقة المخيفة، غير أنه أضاف متحببا بأن ارتاب فى هذه المعلومات، وتشكك فيها، أليس عائلتى المقيمة فى القاهرة تسكن بجوار مقره، أو لسنا أصدقاء قدامى؟.
يكشف أبو إياد، أن السادات أبلغه بأن ضباط المخابرات المصرية الذين سافروا إلى المغرب للتحقيق، عادوا مقتنعين بأن الملك حسين كان الوحيد المستهدف من العملية أثناء «قمة الرباط»، ويذكر أبو إياد، أن ضباط المخابرات تباحثوا مطولا مع الفدائيين الموقوفين، الذين يعرفون أربعة منهم لأنهم يقيمون عادة فى مصر، ويضيف: «باختصار، فإن السادات وفر علىّ عناء تقديم تفسيرات للماضى لا طائل منها.. وشكرته على الثقة التى يولينى إياها، ثم قلت له بفظاظة: لا يليق به أن يجعل من نفسه سجانا للوطنيين الفلسطينيين، وأضفت أنى سأشعر بخيبة عميقة إذا ظل مناضلونا ساعة واحدة بعد فى سجن القلعة».. يكشف إبوإياد عن رد فعل السادات قائلا: «توجه السادات إلى الهاتف، وطلب اللواء ممدوح سالم وزير الداخلية، وطلب منه الإفراج عن المعتقلين الأربعة عشر فورا»..يؤكد أبوإياد: «غادرت الرئيس وأنا خلى القلب، لأعود إلى زوجتى وأولادى».
بعد 48 ساعة من هذا اللقاء فوجئ الزعيم الفلسطينى باتصال مهم من وزير الخارجية المصرية إسماعيل فهمى لاستدعائه.. فلماذا؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة