«فقد جمال عبدالناصر سوريا فى غمضة عين يوم انفصالها عن مصر فى 28 سبتمبر 1961، وهو الذى كان يعشقها عشقًا خاصًا»، حسب وصف أحمد حمروش فى كتابه «ثورة 23 يوليو- خريف عبدالناصر»..ويعبر محمد حسنين هيكل عن ذلك فى كتابه«عبدالناصر والعالم»: «تألم عبدالناصر أشد الألم من الانفصال، فقد كانت الوحدة أول تعبير على مستوى دولى عن حلمه بالوحدة العربية، ولم يكتب لها أن تبعث فى حياته».. ويكشف فى كتابه «سنوات الغليان»، أن عبدالناصر كان عندما يقرأ نشرات الاستماع إلى إذاعة دمشق التى كانت تظهر فرحة الشعب السورى بالانفصال، كان قوله دائمًا: «إننى أتمنى دائمًا أن أصدق أن ذلك كله حقيقى، ولو صدقت لاسترحت على الأقل أعرف أن الذين أسلمونى أمانتهم قد استردوا حقهم عندى، وهم الآن مسؤولون عنه».
يؤكد هيكل:«تخلص عبدالناصر بسرعة من عقد كثيرة تولدت من الانفصال، وآخرها عقد الكبرياء الشخصية.. وكان خطابه يوم 5 أكتوبر «مثل هذا اليوم 1961» ترجمة واقعية لذلك، حيث تناول أشياء كثيرة تتعلق بتجربة الوحدة طوال ثلاث سنوات هى عمرها منذ يوم 21 فبراير 1958، ومما جاء فى هذا الخطاب:
«وقع فى سوريا ما تعرفون جميعًا، تعرفون ما حدث بالأمس وتعرفون ما يحدث اليوم، وإذا كنت أقول لكم إننى أتابع تطورات الحوادث بقلب جريح، فإننى أقول لكم فى نفس الوقت إن ما يشغل بالى ليس ما حدث حتى الآن، وإنما يشغل بالى أكثر منه ما يمكن أن يتداعى وراء ذلك من أخطار على الأمة العربية وعلى كيانها وعلى مستقبلها.. وأقول لكم الآن إننى أكاد أرى الأمة العربية مقدمة على محنة رهيبة، وأشعر أن واجبى يحتم علىّ أن أفعل كل ما فى وسعى كى أجنب الأمة العربية هذه المحنة؛لكى يبقى لها دائمًا تنبهها إلى الأخطار المحيطة بها، وقدرتها على النضال من أجل أهدافها، لا يشغلها عن ذلك شىء، ولا يشد اهتمامها منه أى اعتبار مرحلى مؤقت.. وإنى لأقول لكم جميعًا، بضمير راض وقلب مستريح، إننى لا أقبل مهما كانت الظروف أن أرى الشعب هنا والشعب فى سوريا أطراف معركة وأصحاب خلاف وشقاق، لا أستطيع أن أتصور القاهرة ودمشق إلا إخوة كفاح، وإلا زملاء معركة، وإلا شركاء قدر ومصير مع كل عاصمة عربية أخرى، مع كل مدينة عربية، مع كل قرية عربية، ولقد شعرت خلال الأيام الأخيرة، أن ما حدث كله قد فتح فرصة واسعة أمام أعداء الأمة العربية من قوى الاستعمار ومن أعوانه، ومن قوى الرجعية فى المنطقة وأعداء تقدم الشعوب، ولقد رأيت رأى العين فرحتهم جميعًا بهذه الفرصة التى تفتحت أمامهم، ورأيت تأهبهم للاستفادة منها لمصالحهم وعلى حساب المصلحة العربية.
لقد أحسست أنهم يريدونها معركة تقتتل فيها عناصر من أبناء الشعب السورى مع بعضها، معركة تقع فيها الفتنة بين الشعب العربى فى سوريا وبين الشعب العربى فى مصر، معركة تقع فيها شعوب الأمة العربية فى حيرة تتوه بعدها فى الظلام.ذلك كله كان أمامى، وكان أمامى أيضًا واجبى تجاه الأمة العربية وتجاه المصير العربى، وإنكم لتعرفون أننى اتخذت منذ أيام قرارًا بألا تتحول الوحدة العربية بين مصر وسوريا إلى عملية عسكرية، وبناءً على ذلك فلقد أوقفت جميع العمليات العسكرية التى كانت قد بدأت لمناصرة الجموع الشعبية الثائرة ضد الحركة الانفصالية فى سوريا.
واليوم أعلن إليكم جميعًا أننى إذا كنت قد رفضت أن تكون الحرب العسكرية وسيلة إلى تدعيم الوحدة، فإننى أرفض الآن أن تكون الحرب الأهلية بديلًا لذلك، وإنى اليوم لا أرضى بأن تبقى وحدات من الجيش السورى متربصة بالشعب، ولا أن تبقى جموع من الشعب متربصة بعناصر من الجيش السورى. إن الجيش السورى يتحمل مسؤوليات كبرى تجاه العدو المشترك للأمة العربية، ولن أقبل، مهما كان من تصرفات الآخرين ومن أخطائهم بل خياناتهم، أن تتحول مهمة الجيش السورى إلى عمل بوليسى.. إننى أشعر فى هذه اللحظات أنه ليس من المحتم أن تبقى سوريا قطعة من الجمهورية العربية المتحدة، ولكن من المحتم أن تبقى سوريا.إننى أشعر أن الذى يشغل بالى ليس هو أن أكون رئيسًا للشعب العربى فى سوريا، ولكن الذى يشغل بالى هو أن الشعب العربى فى سوريا يُصان له كيانه.. إن قوة سوريا قوة للأمة العربية العربىة، والوحدة الوطنية فى سوريا دعامة للوحدة العربية وتمهيد حقيقى لأسبابها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة