على مدار السنوات القليلة الماضية، شهدت أوروبا تحولات سياسية بارزة تمثلت فى صعود اليمين الشعبوى على حساب الأحزاب السياسية التى سيطرت على القارة لفترة طويلة. وتوقع البعض أن يكون هذا تحول مؤقت، وسرعان ما تعود الأمور إلى نصابها، لكن لا يبدو أن هناك عودة قريبة، فالحركات السياسية الراسخة التى حكمت دول أوروبا على مدار عقود طويلة تتلاشى بشكل سريع، حسبما تقول مجلة فورين بولسى الأمريكيىة، ويحل محلها سياسيون شعبويون قوميين وأحزاب ناشئة.
وفى تقريرها عن هذا التحول، تقول مجلة "فورين بولسى" إن التقلبات السياسية الراهنة التى تجتاح أغلب الغرب ما هى إلا بداية وليس نهاية عهد حديد من التغيير. فأوروبا والولايات المتحدة ودول ديمقراطية أخرى دخلت عصر جديد، أصبحت العادة الجديدة فيه هى تقسيم الأنظمة السياسية وصعود الأحزاب الشعبوية ومستويات مرتفعة من التقلبات الانتخابية وتراجع كبير للأحزاب السياسية التى كانت مهيمنة.
واستغرقت هذه العملية عقود وستظل لها آثار عميقة على السياسية ستكون أكثر قوة بكثير مما نشهده فى الوقت الراهن.
فوز ترامب فتح الباب أمام صعود الشعبويين فى الدول الأوروبية
ويوضح تقرير فورين بولسى إن هذه العملية بدأت فى الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضى وتسارعت خلال العقد الأول من الألفية، والآن تسفر عن تغير سياسى غير مسبوق. فخلال عقد واحد بين عامى 2004 و2015، انخفض متوسط نسبة التصويت للأحزاب التقليدية السائدة فى أوروبا بمقدار 14% ليصل إلى 72%. وتضاعفت نسبة التصويت للمنافسين الشعبيين الجدد سواء كانوا من اليسار أو اليمين لتصل إلى 23%. وتعرض يسار الوسط لخسائر غير مسبوقة. وفى العديد من الأنظمة السياسية، وصلت المشاركة بالتصويت للأحزاب التقليدية إلى مستويات منخفضة غير مسبوقة.. ففى ألمانيا تراجع الديمقراطيون الاجتماعيون فى العام الماضى ليحققوا أسوأ نتيجة لهم منذ عام 1933. وفى السويد تراجعوا إلى أدنى مستويات لهم منذ عام 1908.
وتبرر المجلة الامريكية السبب فى هذه التحولات فى الطريقة التى تآكلت بها الروابط بين المواطنين والأحزاب التقليدية، أو انهارت تماما فى بعض الحالات. ولم يحدث هذا بين عشية وضحاها، لكن تآكل دعم الأحزاب التى كانت مهيمنة من قبل كان مستمرا بعناد. فبحلول عام 2009، وقبل آثار الأزمة المالية العالمية، لم تقترب نسبة الناس الذين شعروا بأنهم قريبين لأى حزب إلى 54%. وهو ما مهد الطريق لصعود مجموعة من المنافسين الجدد.
وكان بعض المراقبين قد شعروا بصدمة من نتائج الانتخابات الأخيرة فى السويد التى خسر فيها الديمقراطيون الاجتماعيون وقدموا أسوأ أداء لهم منذ قرن، بينما حقق المعتدلون من اليمين الوسط ثانى أسوا نتيجة لهم منذ منتصف الثمانينيات. وفى المقابل حقق حزب ديمقراطيو السويدى الشعبوى القومى نسب غير مسبوقة. ولن تصل نسبة التصويت للحزبين الكبيرين فى البلاد سوى 48% وهى الأدنى منذ إعادة تنظيم النظام الحزبى فى السويد فى أواخر السبعينيات.
وفى بريطانيا، وفى العقود الثلاثة التى سبقت البريكست، تراجعت نسبة من كانوا يشعرون بوجود علاقة قوية بينهم وبين أحد الحزبين الرئيسيين إلى الثلث.
مظاهرات بريطانية ضد بريكست
وخلصت "فورين بولسى" إلى القول بأن زوال الأحزاب التقليدية ليس مجرد مشكلة، بل تشير الأدلة إلى وجود تحول دائن فى نظام الأحزاب، ونتيجة لذلك، فإن السياسات الأوروبية ستصبح أكثر تقلبا فى السنوات المقبلة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة