آمالاً كبرى وخطابات رنانة.. بهذا الصخب طرق الملياردير الجمهورى دونالد ترامب أبواب السياسة والعمل العام فى بدايات 2016، متعهداً بأمريكا جديدة وسياسات خارج المألوف فى التعامل مع الإرهاب والتنظيمات المسلحة والمتطرفة ومن بينها جماعة الإخوان، وهى الخطابات التى لم يلتفت لها كثيرون حينها، لإيمانهم بأن الوافد الجديد لا يملك ما يؤهله لهزيمة وزيرة الخارجية السابقة هيلارى كلينتون، إلا أن الحسابات كشفت بطلان التقديرات، ليحقق ترامب ما لم يتوقعه أشد المتفائلين فى فريق حملته ويربك مؤسسات واشنطن القديمة، ودوائر أمنية واستخباراتيه داخل وخارج الولايات المتحدة بفوز لم يتأهب له الجميع.
ترامب فى مراسم تنصيبه قبل قرابة عامين
وفتح الفوز الاستثنائى، والانتقال المفاجئ من معسكر الديمقراطيين إلى أروقة الحزب الجمهورى الباب واسعاً أمام تحرك العديد من الملفات الكامنة فى أروقة البيت الأبيض، ومن بينها ملف الإسلام السياسى، وفى القلب منه جماعة الإخوان التى عرفت طريقها إلى الكونجرس وأروقة الإدارة الأمريكية فى نهايات عهد الرئيس الأمريكى الأسبق جورج بوش، وتواجدت بقوة على أجندة سياسة واشنطن الخارجية فى عهد بارك أوباما، قبل أن يعرف الجفاء طريقه بين الجانبين فى عهد ترامب.
مؤشرات الجفاء بين إدارة ترامب والإسلام السياسى بدت قوية مع تسلمه السلطة فى 20 يناير 2017، حين تعهد الرئيس الأمريكى بالتحرك عبر الدوائر التنفيذية والتشريعية لإدراج جماعة الإخوان على قوائم الإرهاب، والبدء فى خطة عاجلة للحد من دور التنظيم الدولى ومحاصرته داخل وخارج الشرق الأوسط، وهى المؤشرات التى زادت حدتها مع اندلاع الأزمة الخليجية بين قطر ودول الرباعى العربى الذى يضم مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين، واتهام ترامب لنظام تميم بن حمد بإتباع نهجاً لا يخدم جهود مكافحة الإرهاب.
خطاب أوباما فى جامعة القاهرة كان بداية عهد جديد بين واشنطن والإخوان
وعلى مدار عامين من ولايته الرئاسية، طفت على السطح محاولات عدة لإدراج الإخوان على قوائم الكيانات والتنظيمات الإرهابية، حيث ناقش الكونجرس هذا الملف مرات عدة خلال فترة وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون الذى استقبل قبل مغادرة منصبه بأيام خطاباً يحمل توقيع ما يقرب من 60 عضواً للمطالبة باتخاذ هذه الخطوة لما تمثله الجماعة من خطر على الأمن القومى الأمريكى.
ومن تيلرسون إلى الوزير الحالى مايك بومبيو، لم تختلف مساعى إدراج الجماعة على قوائم الإرهاب، حيث طالب بعض أعضاء مجلس النواب الأمريكى بإصدار توصيات لوزارتى الخارجية والخزانة بمحاصرة نشاط الإخوان، وذلك خلال جلسة عقدت فى 11 يوليو من العام الجارى، إلا أن تلك التوصيات لم تلقى القبول الكافى رغم حدة الانتقادات التى شهدتها الجلسة، والهجوم الحاد على "الإخوان".
وخلال الجلسة نفسها، أكد المشاركون أن تنظيم الإخوان يشكل تهديدا للأمن الأمريكى، وأن الجماعة تبنت الإرهاب والفكر المتطرف فى العديد من دول العالم، موضحين أن التنظيمات الإرهابية الأخرى تستلهم من الإخوان أيديولوجيتهم المتطرفة وتستخدم مناحى سياسية فى العديد من الدول كما أنهم يتطلعون إلى الحكم.
وأضاف الحضور حينها أن أفرع الجماعة لا تزال تعتنق العنف والإرهاب ومن بينهم "لواء الثورة" حيث لا زالت تقوم بعمليات ارهابية وتستهدف مسئولين أمنيين داخل مصر وتفجيرات تستهدف المنشآت مثل هجمات كنيسة طنطا الشهيرة.
وقال النائب رون ديسانتيس، رئيس اللجنة الفرعية للأمن القومى، إن السياسة الأمريكية فشلت فى التعامل مع السلوك الراديكالى للإخوان ودعمهم للجماعات الإرهابية، بينما قامت دول عديدة بالفعل منها مصر والسعودية والإمارات بتصنيف الإخوان جماعة إرهابية.
رون ديسانتيس فى مصافحة حارة مع ترامب بأحد المؤتمرات الجماهيرية
وتابع ديسانتيس خلال الجلسة :"الإخوان قوى خبيثة، وتحتاج السياسة الأمريكية لأن تعكس تلك الحقيقة، فقد تأخر تصنيف الإخوان كتنظيم إرهابى عالمى".
ورغم محاولات ترامب والجناح الموالى له داخل مؤسسات واشنطن لحسم ملف الإخوان، إلا أن انحياز قادة الرأى وكثير من مراكز الأبحاث ودوائر صنع القرار، لضرورة دعم بعض كيانات الإسلام السياسى فى العديد من الدول لمواجهة الجماعات الأشد تطرفاً مثل تنظيم داعش والقاعدة، كما هو الحال فى حركة النهضة فى تونس وغيرها، يعرقل جهود إدراج الإخوان بقوائم الإرهاب.
وبخلاف هذا الانحياز، عانت إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب صراعات داخلية واختلاف فى وجهات النظر فى عدة ملفات من بينها ملف الاخوان، وهو ما كشف عنه مستشار ترامب السابق، ستيفن جوركا، مؤكداً فى حوار مع موقع "واشنطن فري بيكون" الأمريكى أن هناك أطراف "تعارض جهود الرئيس فى التصدى للإرهاب والتنظيمات المتطرفة وبمقدمتها الإخوان".
وقال جوركا فى حواره المنشور نهاية أغسطس 2017 إن معركة تصنيف جماعة الإخوان ـ الجد الأكبر للتنظيمات الإرهاب على حد وصفه ـ شهدت الكثير من الضغوط من قبل "أنصار الجماعة داخل الوكالات الحكومية والكونجرس والإعلام". وتابع : "قضينا عدة أشهر فى مناقشة الأمر، وبعد ذلك تحولنا فقط إلى الجمود البيروقراطى، وأولئك الذين يتعاطفون مع جماعة الإخوان وأفرادها دفعوا باستمرار إلى الوراء".
الجمهوريون على موعد من انتخابات سهلة فى الكونجرس بفضل انجازات ترامب
وبرغم الانقسامات ، إلا أن الأشهر القليلة المقبلة ربما تشهد قراراً نهائياً بإدراج الإخوان بقوائم الإرهاب.. فمع انتصاف الولاية الأولى للرئيس الأمريكى دونالد ترامب، وفيما يستعد الشارع الأمريكى لانتخابات التجديد النصفى للكونجرس، يبدوا أن الجمهوريين ومن بينهم دعاة مواجهة الجماعة الإرهابية على موعد مع انتصار جديد مدفوعين بما حققه ترامب من مكاسب على صعيد السياسة الخارجية ومن بينها تحرير القس المحتجز لدى تركيا، وفتح قنوات اتصال مع كوريا الشمالية، وإدارة الصراع التجارى مع بكين دون خسائر، وهى المكاسب التى ترجح بدورها فرص ترامب للفوز بولاية رئاسية ثانية فى انتخابات 2020، فهل تشهد الولاية المقبلة تحقيقاً لوعود لم تنفذ ، وحسم لملفات لم تعرف سطراً للنهاية.
استعادة القس المحتجز لدى أنقرة آخر انجازات ترامب الخارجية
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة