لم يكن مواطنو الولايات المتحدة الأمريكية يدركون أن شروق شمس الخميس 24 أكتوبر 1929، سيحمل معه انهيارا تاما للاقتصاد الأمريكى، استمر لسنوات لاحقة وأدى لتشريد آلاف الأسر، بعد فقدان وظائفهم وأعمالهم، وسيُعد هذا اليوم لاحقا الشرارة الأكبر وأحد الأسباب الرئيسية لنشوب الحرب العالمية الثانية.
"الخميس الأسود"، هو اللقب الذى تم أُطلق على يوم الخميس 24 أكتوبر 1929، الذى شهد بدء انهيار بورصة "وول ستريت" الأمريكية بسبب ارتفاع عرض الأسهم بشكل غير مسبوق ويتجاوز كثيرا حجم الطلب عليها، وذلك بعرض 19 مليون سهم على لائحة البيع، ما تسبب فى انخفاض أسعار الأسهم لأدنى مستوياتها، الأمر الذى أدى لانهيار سوق الأوراق المالية الأمريكية تماما بعد 5 أيام، وتحديدا فى 29 أكتوبر أو ما يطلق عليه "الثلاثاء الأسود".
انهيار البورصة الأمريكية أدى لنتائج كارثية، إذ بدأ الأمر بإعلان البنوك إفلاسها نتيجة عدم وجود قيمة مالية للأسهم، تبعه انخفاض التجارة العالمية للنصف، وتوقف أعمال البناء تقريبا فى معظم الدول، بجانب توقف المصانع، وهبوط أسعار المحاصيل بنسبة 60%، الأمر الذى تسبب فى تشريد أعداد كبيرة من الأسر من منازلها، ومعاناة 1 من كل 5 أطفال أمريكيين من سوء التغذية.
النتائج الكارثية التى نتجت عن يومى الخميس والثلاثاء الأسودين، تسببت فيما عُرف بفترة "الكساد الكبير"، بسبب عجز الحكومة الأمريكية عن زيادة السيولة المالية فى الأسواق، ما تسبب فى انخفاض السيولة المالية فى السوق وحدوث الكساد، ولم يقتصر تأثير تلك الأزمة على الولايات المتحدة الأمريكية فقط، بل امتد لمختلف أنحاء العالم، وتحديدا الدول الأوروبية.
احتواء أزمة "الكساد الكبير" بدأ اعتبارا من العام 1933، مع بدء تطبيق سياسة "العهد الجديد" التى وضعها الرئيس الأمريكى الراحل فرانكلين روزفلت، وهى السياسة التى اعتمدت على تطبيق عدد من الإصلاحات الاقتصادية، أهمها وضع حلول للأزمة المصرفية وإعادة فتح المصارف السليمة، وإصدار قوانين تمنع المصارف من التعامل بالأسهم والسندات، وإنشاء مؤسسات لرعاية ضحايا الأزمة الاقتصادية من العاطلين عن العمل، وإصدار قانون الإصلاح الصناعى، وإنشاء لجنة تبادل الأوراق المالية عام 1934، وأدى تطبيق تلك السياسة لحدوث انفراجة فى الأوضاع الاقتصادية الأمريكية.
لم يقتصر تأثير الأزمة المالية التى بدأت من "وول ستريت" وتوسعت لكامل الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا على نطاقها الجغرافى فقط، وإنما طالت دولا عديدة بالعالم، كما لم يقتصر الأمر على الأثر الاقتصادى، وإنما أدى وصول الأزمة لمختلف دول العالم إلى وصول الأنظمة الديكتاتورية للحكم عن طريق استغلال الأزمة وتقديم وعود بحلها، وكان على رأس هذه التغيرات صعود أدولف هتلر والنازية فى ألمانيا، وموسولينى والفاشية فى إيطاليا، وهو ما كان مقدمة لنشوب الحرب العالمية الثانية، التى يمكن اعتبار الكساد والأزمة الاقتصادية شرارتها الأكبر والأهم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة