تحتفل الكنيسة القبطية فى الثانى والعشرين من الشهر القبطى طوبة كل عام، بعيد وفاة الأنبا أنطونيوس، وهو اليوم الذى يوافق 30 من شهر يناير، وفى تلك الذكرى يفتح "اليوم السابع" ملف الرهبنة المسيحية، ويشرح كيف نشأت وإلى ما تطورت، وما المراحل التى مرت بها، ويجيب على كافة الأسئلة فى هذه القضية التى تبدو غامضة للكثير من القراء من غير المسيحيين.
إذا كانت الرهبنة قد ارتبطت فى الأذهان بالمسيحية، فإن المسيحيين يربطون الرهبنة بالأنبا أنطونيوس الملقب بأبو الرهبان، والذى يعتبره المؤرخون أول راهب فى التاريخ رغم من سبقوه إلى التعبد فى الصحارى ونذر أرواحهم إلى الله ولكن القديس الذى عاش فى القرن الثالث الميلادى قد مثل بحق أول راهب بالمعنى المعروف اليوم رغم التحولات التى طرأت على الرهبنة من عصر إلى عصر، إلا أن جوهر الرهبنة المسيحية هو الذى وضعه الأنبا أنطونيوس وتلاميذه فى البرية الشرقية بجبل القلالى قرب البحر الأحمر، ومن هناك انتقلت حركة الرهبنة إلى العالم كله فى القرون التالية فصار القديس يتسمى بأسماء أجنبية لا تمحى اسمه الأصلى، مثل سان انطونى أو انطونيو، كل ينطقه حسب لغته ولهجته.
دير الأنبا أنطونيوس
الأنبا أنطونيوس.. ثرى يمنح ماله للفقراء
ككل القديسين، يروى "السنكسار" أو كتاب سير القديسين القبطى الأنبا أنطونيوس إذ يربطها بالكثير من القصص الغرائبية والمعجزات وهى القصص التى لا يمكن الاستدلال من صحتها، ولكنها تحظى باعتراف الكنيسة منذ قرون، حيث يخضع التاريخ المسيحى لمرجعين الأول يدونه المؤرخون الذين عاصروا الحدث، والثانى يكتبه أحد رجال الكنيسة أو الإكليروس وهو الذى يحظى باعتراف الكنيسة ويتسق مع تعاليمها وتصوراتها عن تلك الفترة بشكل كبير.
للقديس الأنبا أنطونيوس قصة يرويها السنكسار القبطى وهى أنه ولد فى بلدة تسمى قمن العروس تتبع محافظة بنى سويف حاليا، وذلك فى العام 251 م تقريبًا من والدين غنيين، مات والده فوقف أمام الجثمان يتأمل زوال هذا العالم، وهى اللحظة التى غيرت حياته فيما بعد، حتى إذ دخل ذات يوم الكنيسة سمع الإنجيل يقول: "إن أردت أن تكون كاملًا اذهب وبع كل مالك ووزعه على الفقراء، وتعال اتبعنى" فشعر أنها رسالة شخصية تمس حياته،بعدها عاد "أنطونيوس" إلى أخته الشابة ديوس يعلن لها رغبته فى بيع نصيبه وتوزيعه على الفقراء ليتفرغ للعبادة بزهد.
سيدة تغير حياة الأنبا أنطونيوس وتدفعه لهجر المدينة
ووفقا للرواية القبطية، فإن الشاب أنطونيوس قد سكن بجوار النيل، وكان يقضى كل وقته فى الصلوات بنسك شديد، لكن إذ هاجمته أفكار الملل والضجر أخذ يصرخ إلى الله، فظهر له ملاك على شكل إنسان يلبس رداءً طويلًا متوشحًا بملابس تشبه ملابس الرهبان الأوائل ويضع على رأسه قلنسوة، وكان يجلس يضفر الخوص، وقال الملاك له أفعل مثل هذا وسوف تستريح، فيصبح بعد ذلك هذا الزى زيًا للرهبان، ويتقرر أن عمل اليد من أساسيات الرهبنة.
فى أحد الأيام نزلت سيدة إلى النهر لتغسل رجليها هى وجواريها، وإذ حَول القديس نظره عنهن منتظرًا خروجهن بدأن فى الاستحمام. ولما عاتبها على هذا التصرف، أجابته: "لو كنت راهبًا لسكنت البرية الداخلية، لأن هذا المكان لا يصلح لسكنى الرهبان". وإذ سمع القديس هذه الكلمات قال فى نفسه: "إنه صوت ملاك الرب يوبخنى"، وفى الحال ترك الموضع وهرب إلى البرية الداخلية وتقصد مغارات الصحراء، وكان ذلك حوالى عام 285 م.
بعدها استقر القديس بأحد مغارات الجبل، يعيش حياة الوحدة إذ يعبد الله منفردًا ولا يكلم أنسيًا، حتى إذا جاء عام 305 فالتقى بتلاميذ، جاءوا إليه يشتاقون إلى التدرب على يديه، فكان يعينهم ويرشدهم، وإن كان قد عاد إلى وحدته مرة أخرى.
الأنبا أنطونيوس أسس نظام الرهبنة
يشرح القديس الأنبا أثناسيوس الرسولى فى كتابه الشهير عن سيرة الأنبا أنطونيوس الأسباب التى جعلت الكنيسة تعتبر الأنبا أنطونيوس أبًا للرهبان، إذ تعتبره مؤسس نظام رهبنة الوحدة التى تختلف عن نظام رهبانى أخر يسمى رهبنته الشركة الذى يتجمع فيه مجموعة من الرهبان للتشارك فى العبادة حيث كان للأنبا باخوميوس فضل تأسيس هذا النظام فى الصعيد.
وأكد كتاب سيرة الأنبا انطونيوس، على أنه خرج للرهبنة بلا هدف كهنوتى فلم يكن يرغب فى اعتلاء منصب فى الكنيسة، ولم يتدخل فى نظامها حتى أن الامبراطور قسطنطين حين أرسل إليه رسالة يطلب بركته، تأخر فى الرد عليه لأنه كان مشغولًا بالعبادة.
يشير الكتاب إلى أن الأنبا أنطونيوس ورغم حبه الشديد لحياة الوحدة ولكنه لم يغلق بابه أمام الراغبين فى التتلمذ على يديه، فهو يعيش منفردًا ولكن كل ذلك من أجل العبادة والكنيسة، فخرج من بين تلاميذه الأنبا مكاريوس الذى أسس نظامًا رهبانيًا مختلفًا هو نظام الجماعات، وفرح بتأسيس الأنبا باخوميوس نظامًا ثالثًا فى الرهبنة هو نظام الشركة، فلم يكن متعصبًا لطريقه الذى اختاره.
عيد الأنبا أنطونيوس.. تلاميذه يحييون ذكراه بالصلاة والعبادة
للأنبا انطونيوس، دير كبير فى صحراء البحر الأحمر حيث يحتفل بعيد القديس فى ديره الشاهق فوق الجبل، وفى مغارته المرتفعة عن الأرض ويمكن الوصول إليها عبر سلالم بنيت فى مدق بالجبل، يصعد محبو القديس لها، يتكبدون مشقة الصعود حوالى 45 دقيقة تربط الأرض بالجبل، وتصل أهل الأرض بأهل السماء، حتى تصل إلى قلب المغارة فتمر منحنى الظهر تعد نفسك بالبركة حتى تصل للمغارة التى صارت كنيسة ولا يتعدٍ طولها 5 أمتار، يصلى فيها الرهبان أحيانا بضوء الشموع.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة