استمر حفل زفاف الأمراء، توفيق، حسن، حسين، فاطمة، أبناء الخديو إسماعيل، حتى فجر يوم 24 يناير «مثل هذا اليوم» عام 1873.. «راجع: ذات يوم 23 يناير 2018».
كان حفل الزفاف «على نمط الأبهة والجلال ذاتيهما» بوصف إلياس الأيوبى الذى يقدم وصفا تفصيليا عن حال القاهرة وقت هذه الاحتفالات التى استمرت 40 يوما، فى مجلده «تاريخ مصر فى عهد إسماعيل باشا» عن «مكتبة مدبولى - القاهرة»، ويخص حفل الزفاف بتفاصيل دقيقة من وقت بدايته بعد ظهر 23 يناير حتى فجر 24 يناير 1873.
يبدأ «الأيوبى» بوصف مشهد خروج العروس الأميرة أمينة هانم بصحبة سمو الوالدة باشا من سراى الحلمية، قائلا: «توجهت باحتفال عظيم إلى قصر سمو ولى العهد بالقبة، كان يتقدمها موكب مهيب مؤلف من ثلاثة آلايات من الخيالة، وسارت وراءهم العربات، وأهمها عربات التشريفة يجرها الستة والثمانية من الخيول ذات اللون الواحد، أبيض كالنور، أو أشهب كالذهب، أو أسود كالليل، ويقودها حوذيون بملابس حمراء تخطها شرائب القصب والفضة، بجوارب حريرية تصعد لغاية ركبهم، وبجدائل شعور مستعارة مرشوشة بالبودرة على رؤوسهم، ويسير بجانبها مشيا على الأقدام خدم باللباس عينه، أيديهم على عضاضات أبوابها، وعلى رؤوس الجميع من حوذين وخدم، برانيط واسعة من ذوات القرون، وسار وراء العربات الأغوات بلباس فرنجى، وبنطلونات ملونة فرايحية، يمتطون صهوات خيول قلما يدركونها كيف يحكمونها، وكانت العين ترى فى وسطهم شيخا جليلا وقورا مهيبا، وتسمع الأذن همسا أنه أمين بك آخر المماليك، وصاحب الوثبة المشهورة «أثناء مذبحة القلعة»، على أنه إنما كان رئيس إدارة بيت دولة الوالدة».
يوضح «الأيوبى»: «على هذا النمط خرجت عروسا الأميرين حسين وحسن إلى قصرى زوجيهما، وأما الأميرة فاطمة فكانت زفتها أبهى وأجمل، حيث اجتازت المدعوات بستانا فسيحا منارا، كأنهم أرادوا أن يبقوا فيه نور النهار بملايين المصابيح المتعددة الألوان، وسرن فوق طرقة رخامية بجانبيها الأشجار والمغروسات الغربية، فبلغن مدخل سراى الوالدة، حيث كان الأغاوات فى انتظارهن، يوصلوهن إلى قاعة واسعة ذات رياش فاخر، فوجدن هناك جوارى الحريم، ونصفهن مرتديات لباس رجال من أفخر الملابس الشرقية، وواقفات بصفة حجاب، وبعضهن لابسات لبسا عسكريا ساطعا، وواقفات وقفة عسكرية، وأدخلن الضيفات إلى حجرة كانت العوالم ترقص فيها بالساجات، بينما كانت موسيقى نسائية تعزف ألحانا شجية، تلك الحجرة كانت تفتح على حجر أخرى، يتناول النظر أطرافها، وفيها جوار عديدات يرقصن رقصا غريبا بعصى وسيوف ودرقات فى أيديهن».
اجتازت الضيفات عدة بلوكات أو صالات، ويؤكد الأيوبى: «تم تقديم لهن جميع أنواع الشربات والمشروبات والحلوى المصنوعة على الطريقتين الغربية والشرقية»، ويضيف: «ترأست أميرات الأسرة المالكة المائدة الخصيصة بزوجات الخديو وقرينات القناصل، وكبار الحاضرين، وتم تقديم الضيفات إلى دولة «الوالدة» فى قاعة ذات رياش لا نظير له، وواسعة سعة لا تضيق بمئات الجالسين، فكن يسرن وراء الجوارى المسلحات، وتقدم السيدة الفرنجية التشريفاتية كلا منهن باسمها إلى دولة «الوالدة» ثم تجلسها فى المحل المعد لها على آرائك ممدودة فى طول الحائط، يغطيها الحرير الثمين، ولما انتظم العقد بجميع المدعوات، دخلت الراقصات والمغنيات، وأطربنهن مدة، ثم قدمت إليهن الهدايا الفاخرة من الأميرات، وأزواج الباشوات أصحاب المقامات الرفيعة فى الحكومة المصرية، فتغنين بمديح الهاديات، بعد استئذان دولة «الوالدة» والهاديات شكرنهن، وهى عادة «الشوبش» المعروفة».
يضيف الأيوبى: «بعد ذلك استجلبت العروس فأمسك كل من أغاوات السيدات المدعوات شمعدانا فيه شموع مختلفة الألوان، واصطفوا من أول السلالم حتى القاعة العظمى، حيث كان عقد المدعوات منتظما، وانصرفت الراقصات ليعدن بمعيتها، وما هى إلا برهة قصيرة حتى تجلت الأميرة فاطمة هانم تستند على ذراع الأميرة أمها فى وسط جمهور أميرات البيت الخديوى الكريم، فتقدمت بخطوات بطيئة، وبوقفة بعد كل خطوة، واجتازت صفى الأغاوات على النسيج الحريرى بين أغانى المغنيات، والراقصات يتقدمنها، وحالما وقعت أعين المدعوات عليها نهضن، وأخذت هى تنثر عليهن خيريات ذهبية ضربت لتلك المناسبة، فتعلق برؤوسهن وملابسهن، وامتلأت القاعة على سعتها بالأميرات والسيدات والجوارى والراقصات والمغنيات. يضيف «الأيوبى»، أنه أقيم فى صدر تلك القاعة فوق منصة مرتفعة ثلاث عروش مكسوة بالحرير الأبيض، وجلست دولة «الوالدة» على عرش اليمين، والأميرة أم العروس على عرش الوسط، وجلست العروس على رأسها تاج من الماس ثمنه أربعون ألف جنيه على عرش الوسط، وكان لباسها من الحرير الأبيض الفرنساوى الأغلى ثمنا، كله مرصعا بأنفس أنواع اللؤلؤ والماس، وله ذيل طوله خمسة عشر مترا، رفعته الجوارى وراءها وهن راكعات، فتقدمت المدعوات وهنأنها، وبعد أن جلست معهن برهة عادت إلى حجرها، واستمر الفرح حتى مطلع الفجر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة