من بين أكثر من 104 ملايين مصرى، اصطفى المولى عز وجل واختار مجموعة من الشهداء، ضحوا بأرواحهم من أجل أن يعيش الباقون فى سلام وأمان، قرروا أن يرحلوا فى هدوء، ليعيش غيرهم فى هدوء، فسالت دماؤهم الزكية على تراب هذا الوطن، ليظلوا باقين فى وجدانه وضميره.
شهداء الشرطة، فى عيدهم الـ66، أسماء حفرت تاريخا مشرفا ليكون نبراسا للأجيال القادمة، فمن منا يتحمل القلق والخوف كل لحظة على ابن أو زوج أو أخ يعمل فى مواقع شرطية، أو تحت رصاص الإرهاب؟ من منا يودع ابنه كل صباح ولا يدرى سيراه مرة أخرى أم ينتظره فى جنازة عسكرية بمسجد الشرطة؟ من منا يستطيع أن ينام أو يأكل أو يشرب أو يمارس حياته بشكل طبيعى وابنه يداهم وكرا إجراميا، أو يقف فى كمين تحاصره نيران الإرهاب؟ من منا يتحمل القلق المميت كل لحظة ويُخطف قلبه من صوت الهاتف ربما كان يحمل خبرًا سيئا عن الابن الغائب؟
لنبتهل للمولى عز وجل بالدعاء لبلدنا وشهدائها الأبرار الذين قدموا أرواحهم رخيصة من أجلنا جميعا.
*ابن شهيد حادث كنيسة حلوان
- سألتحق بالشرطة لأكون بطلا مثل والدى
- بطل من نوع خاص، قدم روحه فداء لمئات من الأقباط، اختلطت دماؤه الزكية بدماء أشقائه الأقباط على أبواب كنيسة مارى مينا فى حلوان، عندما تصدى بشجاعة لمحاولة إرهابى اقتحام الكنيسة وتفجير نفسه.
- تحدث نجل الشهيد «رضا عبدالرحمن» أمين الشرطة، فى ذكرى عيد الشرطة لـ«اليوم السابع»، ساردا جوانب من حياة والده، الذى عاش حياته كلها بهدوء، لم يسمع أحد به، وفضل أن يغادرها بهدوء دون أن تهتم به كاميرات الفضائيات، أو تلجأ أسرته إلى «الشو» وتقمص شخصيات الأبطال. ويقول «عبدالرحمن»، نجل الشهيد: يمر علينا عيد الشرطة هذا العام مختلفا، فلا يوجد بيننا أبى، الذى كنا نحتفل به، فقد رحل «الرجل الطيب»، الشهم الشجاع، الذى طالما اختار أن يضحى بالنفس من أجل الآخرين.
- وأردف الابن: مات والدى الذى كان يعول أسرة مكونة من 6 أشقائى «شرين، وعبدالرحمن، وبسمة، وندى، وحبيبة، ومحمد»، ووالدتى، وجدتى وعمتى، كل هؤلاء كانوا مسؤولين من أبى، وأصبحنا بلا عائل.
- وتابع الابن: جميعنا نتقاسم الأحزان، ودموعنا لم تجف بعد، لكننى لدى رغبة قوية فى الالتحاق بالعمل الشرطى، حتى أكون مثل أبى، نعم سأكمل المسيرة، وعلى أتم الاستعداد لأن الحق بوالدى، إن لم يكن اليوم فسيكون غدا أو بعده، فالموت فى سبيل حماية الوطن والحفاظ على الأرض والعرض لا يساويه شرف.
*زملاء شهيدة الشرطة النسائية
- سنقتص لروحها ونقدم مزيدا من الشهداء
الشهادة فى سبيل الله لم تقتصر على الرجال، وإنما كان للسيدات نصيب منها، حيث سقطت سيدات لأول مرة شهيدات لدى استهداف إرهابى لكنيسة فى الإسكندرية.
العريف «أسماء إبراهيم» انضمت لقوائم الشرف، حيث أكد عدد من زملائها بالشرطة النسائية، أن عيد الشرطة هذا العام مختلف، فلا توجد بينهن «أسماء» صاحبة الابتسامة والوجه البشوش، لكن هذه الأعمال الجبانة لن تزيدهم إلا إصرارا واستعدادا لتقديم الأنفس، مثل الرجال تماما. عريف شرطة أسماء أحمد إبراهيم حسن، لم يمهلها القدر، لكى تكمل تربية طفليها، ولم تكن تدرى عندما تحركت من منزلها فجرا أنها لن تعود مرة أخرى لترى رضيعها.
«أسماء إبراهيم»، ذات الابتسامة والوجه البشوش، كما تلقبها زميلتها، لا يعرف كثيرون أنها أم لطفلين «ساندى» و«رودينا» رضيعة، بالرغم من حداثة سنها.
«أسماء» كانت تقف على بعد خطوات قليلة من العميدة نجوى الحجار أمام الباب الرئيسى لكنيسة المرقسية لتفتيش السيدات لدى دخولهن للكنيسة، ولا تدرى أن انتحاريا جاء ليفجر نفسه ويحرمها من طفلتها التى لم تفطم بعد. أشلاء «أسماء» جعلت من الصعوبة بمكان أن يتعرف عليها أحد، نظرا لقربها من الانتحارى، حتى تعرف عليها زوجها من بقايا ملابسها. وتقول زميلاتها: «فقدنا زميلة وصديقة مخلصة أحبت عملها وأولادها وزوجها، وكرست حياتها للجميع، وسنقتص لروحها الطاهرة»
*زوجة شهيد سيناء أحمد جمال
- وصيته أن أدخل ابننا الشرطة ليكمل مسيرته
الشهيد البطل «أحمد جمال»، ضابط تنبأ بالشهادة قبلها بأيام، وأوصى زوجته بإلحاق طلفهما بكلية الشرطة بعد استشهاده، حيث شاء القدر ألا يراه، فقد وضعت زوجته طفلهما بعد استشهاده.
تحدثت «مروة على» عن زوجها شهيد سيناء، وكواليس لقائها بالرئيس عبد الفتاح السيسى وتكريمه لها، حيث أكدت أن الرئيس قالها لها: «لست وحدك وإحنا معاكى، ومش هنسيبكم»، وأن آخر كلمات زوجها لها: «أنت مرات شهيد»، وكانت وصيته فى آخر إجازة هى أن يلتحق ابنه بكلية الشرطة، ويسافر والده ووالدته إلى الأراضى المقدسة لأداء الحج». وتقول زوجة الشهيد: «البطل كان يتمنى الشهادة فداء للوطن، ويكون من أهل الجنة، وكان يقول عاوز ولادى يفتخروا بيا، وفِرِح لما عرف إن ربنا هيرزقنا بولد، وكان يشعر بأنه لن يراه، وسيُصبح شهيدا بسبب الغدر، كان نفسه تحدث مواجهة بينه وبين الإرهابيين، لكن قدّر الله وما شاء فعل، واستشهد وعمره 27 سنة».
ووجهت الزوجة رسالة لقتلة زوجها، قالت فيها: «حسبى الله ونعم الوكيل مهما فعلتم فلن تغلبونا، وسيأتى يوم وستكونون بالنسبة لنا ماضيا، وهذا اليوم سيكون فى القريب العاجل، وسينصر المولى عز وجل بلادنا التى ذكرت فى القرآن الكريم، ولو قتلتم بطلا سيولد كل يوم مليون بطل يأخذ حقه وحق غيره، ففى بلدنا ملايين الأبطال، وفى بلدنا رئيس طالما موجود لن تستطيعوا أن تناولوا منا».
*والدة الشهيد ضياء فتوح
الشهيد ضياء فتوح
- زغردت بجوار جثته لأنه شرفنى حيا وميتا
لا أحد يستطيع أن ينسى مشهد البطل النقيب «ضياء فتوح» وهو يتحرك بشجاعة نحو قنبلة زرعها إرهابيون بمحيط قسم شرطة الطالبية فى شارع الهرم لتفكيكها، فتنفجر به ويتطاير جسمه فى الهواء، فى مشهد أبكى الجميع، عندما قرر الضابط أن يفدى الأبرياء فقدم روحه.
والدة الشهيد «ضياء فتوح» تحدثت لـ«اليوم السابع»، عن أسرار شجاعة البطل، الذى لم يهب الموت يوما من الأيام، وكيف تنبأ بالانضمام لكتيبة الشهداء قبل الحادث بـ24 ساعة، وأسرار تعرضه للموت 3 مرات قبل هذا الحادث.
قالت الأم، بحروف قوية وصوت صبور، لا أحد مثلى، فأنا «أم الشهيد»، نعم.. لقد شرفنى ابنى حيا وميتا، فقد وهب نفسه فداء للناس، منذ نعومة أظافره، وهو بطل شجاع لا يهاب الموت، «فعلاً عرفت أربى».
وأردفت الأم: لم أبك على وفاة «ضياء»، ولم أصرخ مثل النساء، فابنى مات بطلا، ضاحكا مستبشرا بالجنة، فقد شاهد مقعده بها، فلم البكاء بعد كل هذا التكريم؟! لقد حرصت على الذهاب لمكان وجود جثة ابنى، وشاهدتها، وتعجب الجميع عندما أطلقت الزغاريد فرحا به، حتى تستعد الملائكة لاستقباله. وتقول الأم: «ضياء» كان متزوجا، ولديه طفلة عندها 4 أشهر، بدأت تتحدث بعض الجمل الآن، وعندما تشاهد صورة والدها على السلسلة فى رقبتى، تقول لى: «أنا بنت دا.. وتبوس الصورة»، وأشم فيها رائحة ابنى.
*ابن الشهيد عامر عبد المقصود
عامر عبد المقصود
- أصبحنا فى طى النسيان ونطلب التقدير المعنوى
*زوجة العقيد الشهيد على فهمى
- أشعر بانكسار فى عيون أبنائى بعد استشهاد زوجى
ذكرت نهى عبدالسلام، زوجة العميد الشهيد على فهمى، رئيس قسم مرور المنيب، الذى هاجمه مجهولان يستقلان دراجة بخارية أثناء استقلاله سيارته متوجها إلى عمله، مما أسفر عن استشهاده بمنطقة شبرامنت التابعة لمركز أبوالنمرس بالجيزة، أن الحادث الإرهابى الذى تعرض له زوجها وأسفر عن استشهاده حول حياتها إلى جحيم بعد فقدها زوجها.
وأضافت أن زوجها استشهد قبل ذكرى احتفالات عيد الشرطة عام 2016 بــ16 يوما، أثناء خروجه لعمله بصحبة مجند، استشهد أيضا فى الحادث، وبالرغم من ألم المصاب، فإنها حضرت احتفال عيد الشرطة بعد
الحادث بعدة أيام، وتم تكريمها وعدد من أسر الشهداء، من جانب الرئيس عبدالفتاح السيسى.
وقالت زوجة الشهيد، إنه منذ استشهاد زوجها وهى تشعر بانكسار بعين أبنائها الثلاثة، خاصة ابنها الأصغر، الذى كان يبلغ من العمر حينها 11 عاما، حيث شعروا بمرارة اليتم، مؤكدة أنها تحمد الله على كل حال.
*والد شهيد الواحات إسلام مشهور
- سأكون سعيدا لو استشهد ابنى الثانى أيضا
النقيب «إسلام مشهور» ضابط العمليات الخاصة، أحد أبرز الشهداء، الذين سقطوا وهم يدافعون عن تراب هذا الوطن، حيث إنه خريج دفعة 2012، ويعد رقم 13 ضمن خريجى تلك الدفعة.
تمنى «مشهور» الشهادة ونالها، فقد كتب قبل استشهاده، نعيا لأحد زملائه الذى استشهد من قبل، وهو المقدم تامر شاهين، حيث كتب تعليقا على استشهاده قائلاً: «فعلا الشهادة دى مش لأى حد وخلاص، ربنا دايما بيختار من يستحقها».
وقال أحد أصدقاء النقيب إسلام مشهور، إنه تقابل مع الشهيد منذ أيام فى إحدى المناسبات، وقال: «قلت له أنت بتحب الخطر زى أخوك ضحك وقال لى إحنا ندوس على الخطر برجلينا ولا بنخاف».
والد الشهيد إسلام مشهور، حرص عقب الحادث على تقديم العزاء لشهداء مصر من الجيش والشرطة بحادث الواحات، وكل من سالت دماؤه على تراب الوطن، قائلا: «البقاء لله فى شهدائنا، مش إسلام بس كل الأبطال، وهو مش ابنى ده ابن مصر وأنا فخور بيه، وكل أسر الشهداء فخورين بأبنائهم، وهم نبت الشعب والشعب اللى رباهم عشان يكونوا أبطال»، وكشف أن لديه ابنا آخر بالقوات الخاصة، ولو نال الشهادة فسيكون سعيدا، أن لديه ابنا آخر يعمل فى القوات الخاصة أيضا، ولو استشهد فسيكون سعيدا أيضا، لأن مصر ستنتصر على الإرهاب الذى يمول من دول أجنبية.
*والدة شهيد كرداسة
- نفسى أشوف قتلة «ضنايا» على حبل المشنقة
النقيب «محمد فاروق» معاون مباحث قسم كرداسة، طالما أرق المتهمين، وأزاح الغموض عن الجرائم، ونجح فى أوقات زمنية قصيرة فى كشفها، وضبط الجناة وتقديمهم للعدالة، لكن يد الغدر اغتالته فى ريعان شبابه، عندما وقف بجوار زملائه بقسم شرطة كرداسة يدافع عن واجبه المقدس.
وقالت والدته فاطمة فتحى: «محمد» مختلف عن كل الشباب، فهو بار بوالديه، محب لأسرته، متفانٍ فى عمله، لا يمل ولا يكل من العمل، يسعى جاهدا لتحقيق العدل والأمن للجميع، مضيفة: الأم: جلست مع «محمد» فى آخر رمضان له، تجاذبنا أطراف الحديث عن مستقبله، وطلبت منه الزواج، فوعدنى أن تكون عروسته بيننا فى رمضان المقبل، لكن «غاب» هو، فقد ذهب للجنة بعدما اغتالته يد الإرهاب.
وتضيف الأم: «تابعت مثل كثير من المواطنين ما جرى فى كرداسة إبان فض اعتصامى رابعة المسلح وميدان النهضة فى الجيزة، حيث تحرك الإرهابيون لقسم شرطة كرداسة وحاصروه، وجاءت الاتصالات متكررة على «محمد» من زملائه فى الصباح الباكر، وقفت أمامه وتوسلت له بعدم النزول، وكان فى إمكانه أن يجلس أمام التلفاز ولا يتحرك من المنزل، لكن كان لديه إصرار غير عادى على النزول سريعا للانضمام لزملائه المرابطين فى قسم شرطة كرداسة، وكأن «الشهادة» تناديه لينالها», وقالت: أحلم باليوم الذى أشاهد فيه من قتلوا «ضنايا» على حبل المشنقة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة