- «نهال» أجرت جراحة التعقيم بـ2500 جنيه بعد أربعة أبناء ولدتهم بالقيصرية.. وريم خافت على صحتها
ما بين جراحات تجميلية حديثة وعمليات تعقيم تمنع الحمل مرة أخرى واختراعات فتحت الباب لزراعة الأعضاء تنوعت التقنيات الطبية التى تم تطويرها فى السنوات الأخيرة ووجدت مكانها فى مختلف دول العالم إلا أنها تعثرت فى مصر والدول العربية بعد اصطدامها بحائط الدين.
لم تكن نهال «اسم مستعار» تريد هذا الحمل، بعدما أنجبت 4 أبناء، ولدين وبنتين، ولكن وسائل منع الحمل أرهقتها، فتوقفت لفترة عن استخدامها، لتفاجأ بأنها حامل للمرة الخامسة، وهو ما يعنى أن بطنها ستفتح قيصريًا مرة أخرى، لذلك فكرت فى حل يخلصها نهائيًا من تكرار تجربة الحمل.
علمت نهال أنه يمكنها إجراء عملية تعقيم حتى لا تحمل أو تنجب مرة أخرى، فسارعت لتسأل عن التفاصيل، وهى ما زالت تحمل الجنين فى أحشائها، وأخبرها الطبيب بأن إجراء مثل هذه الجراحة محرم شرعًا، خاصة أنه ليس هناك قلق على حياتها من حمل آخر، فألحت عليه فى الطلب لتخرج من عيادته منتصرة، ومعها موافقته، وعرض خاص منه بإجراء عملية التعقيم مع الولادة على أن تدفع 2500 فقط زيادة على تكلفة الولادة القيصرية.
هكذا أجرت نهال عملية تعقيم من خلال سد قناتى فالوب، مما أفقدها أى فرصة فى الإنجاب مرة أخرى عن رضا وموافقة منها.
ما قامت به نهال إحدى التقنيات الطبية، التى يؤكد علماء الدين أنها تخالف أحكام الشرع، وقد يجريها الأطباء فى الخفاء، حيث تخضع لأخلاقيات الطبيب والتزامه، فكم تقنية علمية يسمح بها الطب ويرفضها الشرع، ويجريها الأطباء أو يمتنعون عن إجرائها طبقًا لضمائرهم وأخلاقياتهم؟
خلال بحثنا عن حالات أخرى أجرت هذه العملية، قابلنا ريم «اسم مستعار»، التى أكدت أن الرفض والموافقة تكون حسب الطبيب ونظرته للحالة، مشيرة إلى أنها أنجبت ثلاثة أبناء، و عمرها 32 عامًا، وقررت أن تجرى عملية تعقيم، لأنها حملت مرتين، رغم أنها استخدمت اللولب كوسيلة لمنع الحمل.
وأضافت ريم أن طبيبها المعالج رفض إجراء عملية التعقيم لها، فتركته وذهبت لأطباء غيره، مؤكدة أنها مع كل مرة تطرق باب عيادة، تواجهها ردود مختلفة، مثل: «إنتى لسه صغيرة.. الحياة قدامك.. حرام شرعًا»، ولكنها لم تقتنع بهذه الإجابات، وبعد عام كامل من المحاولات والتردد على الأطباء، لم تجد من يوافق على طلبها لصغر سنها، وقلة عدد أبنائها، فاستسلمت لاستخدام حقن منع الحمل.
وحول هذا الموضوع، قال الدكتور تامر النحاس، مدرس أمراض النساء والتوليد بالمركز القومى للبحوث، إن جراحة تعقيم الإناث هى وسيلة دائمة لمنع الحمل، وتتم بقطع أو حجب قناتى فالوب، ويتم إجراؤها فى مصر، من خلال غلق الأنابيب أو إزالتها جراحيًا، مشيرًا إلى وجود طرق أخرى للتعقيم، منها تغطية المبايض بغطاء معين لمنع خروج البويضة.
وأوضح النحاس أنه كثيرًا ما تلجأ النساء لهذه الجراحات فى الحالات الصحية التى يكون فيها الحمل خطرًا على صحة الأم، مثل التى تعانى من أمراض مزمنة وحادة فى القلب.
وأضاف أن الأمر يحتاج إلى موافقة مكتوبة وموثقة من الزوج والزوجة، وإخبارهما بأن هذه الوسيلة دائمة ولا يمكنها الحمل بعدها، لأن احتمالية رجوع الأنابيب إلى أداء وظيفتها تكون معدومة، ولكن من الممكن إجراء الحقن المجهرى إذا أرادت المرأة الإنجاب مرة أخرى.
المجتمع الشرقى يغلب حكم الدين
ولا تقتصر تقنيات التعقيم على الجراحات التى تجرى للنساء، ولكن تشمل تقنيات للرجال.
وحول هذه التقنيات يقول الدكتور عمرو المليجى، أستاذ أمراض الذكورة بجامعة القاهرة، زميل جامعة أيوا الأمريكية، إن قطع القناة المنوية أحد أساليب تحديد النسل للرجال، ولكن لا يُقبل عليها الرجال فى مصر بسبب الشك فى أنها تخالف أحكام الشريعة، خاصة لاحتمالية عدم عودتها للعمل مرة أخرى، وأيضًا بسبب طبيعة الرجل الشرقى الذى يرى هذه الفكرة غير مستحبة وتقلل من رجولته، لذلك يلجأ إلى استخدام العازل الطبى أو إخضاع زوجته لإحدى وسائل منع الحمل.
وأوضح المليجى أن هذه الوسيلة عبارة عن قطع الحبل المنوى الذى يفرز الحيوانات المنوية، وبالتالى لا يحدث حمل، ولا تحتاج المرأة لاستخدام أى وسيلة لمنع الحمل، مؤكدًا أن دولًا مثل أمريكا والصين تجرى فيهما مثل هذه الجراحات بمعدلات مرتفعة، وتأتى الدول الأوروبية بعدهما، بينما تقل جدًا فى مصر.
وأشار أستاذ أمراض الذكورة بجامعة القاهرة إلى أن هذه العملية فى حد ذاتها جراحة بسيطة جدًا، ويمكن إجراؤها من خلال التخدير الموضعى، ومن مضاعفاتها أحيانًا حدوث أورام بسبب تكتل الحيوانات المنوية، أو حدوث نزيف أو التهاب مكان العملية، ويمكن التعامل مع كل ذلك وإجراء جراحة لإزالة تكتلات الحيوانات المنوية فى حالة تكونها، أو أى مشكلات أخرى قد يواجهها الرجل.
نص الفتوى فيما يخص عمليات التعقيم
وتصدم هذه العمليات بالدين وقد تناولت فتوى الدكتور على جمعة، مفتى الجمهورية السابق، بأن عمليات التعقيم، على الموقع الرسمى لدار الإفتاء المصرية، أن المنع النهائى للنسل، بتعطيل أعضاء الجسم القابلة لذلك، ممنوع محظور؛ لأنه إفساد لأعضاء جعلها الله أمانة بيد أصحابها الذين لا يمتلكونها، كما أنه تعطيل لإحدى الضرورات الخمس التى جاءت الشريعة للمحافظة عليها، وهى: الدين، والحياة، والعقل، والنسل، والمال.
واستقرت الفتوى على عدم جواز المنع النهائى للنسل، بمعنى ربط المبايض أو غيرها من طرق المنع النهائى للحمل، إلا مع ضرورة تبيح هذا المحظور، وهى الخطورة التى تذهب بحياة المرأة أو عضو من أعضائها، أو انتقال مرض إلى الجنين، فيكون من باب الضرورات المبيحة للمحظورات.
الدين والطب يختلفان حول عمليات التجميل
جراحات التجميل من العمليات التى يجرى الكثير منها دون دواعٍ طبية، ولكن لأسباب تجميلية.
وقال الدكتور عبدالرحمن عوضين، عضو الجمعية المصرية لجراحى التجميل، إن جراح التجميل يجب عليه أن يختبر صحة المريض النفسية، ومدى تأهله للعملية، حتى لا يسبب له أمرًا قد يضره فيما بعد، خاصة أن هناك نسبة 5% من المرضى يترددون على عيادات التجميل بسبب مرض نفسى يسمى بهوس التجميل، يجعلهم يسارعون إلى كل جديد فى مظهرهم الخارجى، مؤكدًا أن هؤلاء المرضى ممنوعون من إجراء أى عمليات تجميل، لأن مشكلتهم نفسية وليست تجميلية.
أما عن حكم الدين فى إجراء عمليات التجميل، فقد أصدر الدكتور شوقى إبراهيم علام، مفتى الجمهورية، فتوى تنص على أن الله سبحانه أمر العباد بعدم تغيير خلقه بصورة تنبئ عن الاعتراض على قضائه وقدره، وجعل هذا من فعل الشيطان، فقال تعالى: «وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ»، «النساء: 119»، مؤكدًا أنه لا يجوز للإنسان تغيير شىء من خلقته التى خلقه الله عليها، التماسًا للحسن.
وأضاف مفتى الجمهورية فى فتواه أنه يُستثنى من ذلك ما يكون لسبب علاجى، كإزالة العيوب الخِلقية، وإزالة ما يحصل به الضرر والأذى، مشيرًا إلى أن من القواعد المقررة فى الشرع أن «الضرر يزال»؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ».
تقنيات لم يستطع العلم التحايل فيها على الدين
ومن بين التقنيات الطبية التى تطبقها دول الغرب، وغير مسموح بها فى الدول العربية والإسلامية، عدد من عمليات الإخصاب.
ويقول الدكتور مجدى علم، أستاذ أمراض النساء والتوليد بطب الأزهر: «أصبحنا تابعين فى التقنيات الطبية، ولكن لا ننقل كل هذه التقنيات بسبب هويتنا الدينية، خاصة فيما يخص بعض عمليات التخصيب والإنجاب، بسبب الحرص على عدم اختلاط الأنساب».
وأوضح أستاذ أمراض النساء والتوليد بطب الأزهر أن من بين هذه التقنيات التى يرفضها الشرع:
استئجار الرحم أو الأم البديلة: وهو أن يجرى حقن مجهرى من بويضة الزوجة والحيوان منوى للزوج، ويوضع فى رحم سيدة أخرى.
التبرع بالحيوانات المنوية مقابل نظير مادى مع تسجيل الصفات الوراثية من النوع والطول والذكاء والمواصفات الأخرى، التى يتم تحديدها، وتختار العائلات صفات الحيوان المنوى الذى يناسبهم.
التبرع بالبويضة من خلال طريقة تنشيط التبويض، ثم سحب البويضة دون تلقيحها مع تجميدها، وبعدها تعرض للبيع لمن ليس لديها إمكانية الحمل.
التبرع بالأجنة التى تتكون من التقاء بويضة وحيوان منوى لأشخاص آخرين، أو تشتريها عائلات لديها مشكلات فى التبويض، وكذلك الحيوانات المنوية.
وحول هذه التقنيات أصدر الدكتور على جمعة، مفتى الجمهورية السابق، فتوى منشورة بالموقع الرسمى لدار الإفتاء، تؤكد أن الإنجاب بوضع لقاح الزوج والزوجة فى أنابيب، ثم إعادة نقله إلى رحم الزوجة لا مانع منه شرعًا إذا تحقق القطع بكون البويضة من الزوجة والحيوان المنوى من زوجها، وتم تفاعلهما وإخصابهما خارج رحم هذه الزوجة وأعيدت البويضة ملقحةً إلى رحم تلك الزوجة دون استبدال أو خلط بمنىّ إنسان آخر، وكانت هناك ضرورة طبية داعية إلى ذلك، كمرض الزوجة أو الزوج، أو أن الزوجة لا تحمل إلا بهذه الوسيلة، وأن يتم ذلك على يد طبيب حاذق مؤتمن فى تعامله.
وأضافت الفتوى: أما استئجار الأرحام فإنه محرّم وممنوع شرعًا، وقد صدر قرار مجمع البحوث الإسلامية رقم 1 بجلسته بتاريخ 29/3/2001، بتحريم تأجير الأرحام، وكذلك أجمع الفقهاء المعاصرون على حرمة ذلك؛ حيث لا يمكن الجزم مع وجود الطرف الثالث بتحديد الأم الحقيقية لهذا الطفل، هل الأحق به صاحبة البويضة التى تخلّقَ منها الطفل وحمل كل خصائصها الوراثية، أو الأحق به الأم الحاضنة صاحبة الرحم الذى تم فيه نموه وتطوره وتبدله حتى صار جنينًا مكتملًا؟، ولما يترتب على ذلك من خلل وتنازع كبيرين، وهو خلاف مراد الشارع من انضباط الأمور واستقرار الأحوال، ورفع التنازع أو حصره قدر الإمكان.
وقال الشيخ سيد سليمان، من علماء الأزهر الشريف، إن التلقيح من بويضة الزوجة والحيوان المنوى الخاص بالزوج أمر حلال شرعًا، مادامت العلاقة الزوجية قائمة، فإذا ما انتهى الزواج إما بالوفاة أو الطلاق قبل أن تزرع هذه العملية، سواء كانت تلقيحًا صناعيًا أو حقنًا مجهريًا فى رحم الأنثى فلا يجوز، وكذلك إذا كانت البويضة أو الحيوان المنوى ليس لأحد الزوجين لما بها من اختلاط أنساب.
زراعة الغدد التناسلية خلاف كبير بين العلم والدين
زراعة الأعضاء فى الإسلام ليست مرفوضة، لكنْ لها شروط، ولا تشمل كل أعضاء الإنسان، فالأعضاء التناسلية غير مسموح بزرعها منعًا لاختلاط الأنساب، وفى هذا الشأن قال الدكتور عمرو حسن، استشارى أمراض النساء والتوليد بطب قصر العينى، إن زراعة المبايض لم تحدث فى العالم كله لصعوبة الأمر، وعدم التوصل لآلية للقيام بها، أما زراعة الرحم فقد نجحت بالخارج، على الرغم من أنها ما زالت فى طور التجربة.
أما عن زراعة الخصية فى الرجال، فقد أوضح الدكتور محمد عبدالفتاح، استشارى أمراض الذكورة والعقم، أن الأطباء لم يتمكنوا من تطبيق هذه الفكرة، حتى مع المحاولات الكثيرة للقيام بها، مضيفًا أن ما يطلق عليه زراعة خصية فى الوقت الراهن يقصد بها بدائل الخصية، عندما يكون هناك ضمور فى الخصية أو خصية معلقة أو الإصابة بالسرطان، وتكون خصية سليكونية فى كيس الصفن كشكل جمالى فقط، ويتم إجراؤها فى مصر ببساطة.
وأكدت دار الإفتاء المصرية أن الغدد التناسلية مرفوض زرعها، بما فى ذلك الخصية والمبيض، بحكم أنهما يستمران فى حمل وإفراز الشفرة الوراثية للمنقول منه حتى بعد زرعها فى مُتلقٍّ جديد، مؤكدة أن زرعهما محرمٌ مطلقًا، نظرًا لأنه يُفضِى إلى اختلاط الأنساب، وتكون ثمرة الإنجاب غير وليدة من الزوجين الشرعيّيْن المرتبطيْن بعقد الزواج.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة