خرج السلطان الغورى إلى الشام لقتال العثمانيين، فاختار الأمير طومان باى نائبًا للغيبة، أى ينوب عن السلطان وقت غيابه عن القاهرة وله حرية التصرف فى الحكم، وفقا للدكتور عماد أبوغازى فى كتابه «طومان باى - السلطان الشهيد» عن «دار ميريت - القاهرة»، مضيفا: «فى يوم الأحد 24 أغسطس هزم الغورى فى مرج دابق، وسقط صريعا فى ساحة المعركة، إلا أن أخبار الهزيمة وتفاصيلها لم تصل إلى القاهرة فور وقوعها، وظلت الأخبار غائمة لعدة أسابيع وطومان باى يمارس سلطاته كنائب للغيبة».
توغل العثمانيون جنوبا وهم يدخلون مدن الشام واحدة تلو الأخرى، حسبما يؤكد الدكتور قاسم عبده قاسم فى تقديمه ودراسته لكتاب «واقعة السلطان الغورى مع سليم العثمانى»، تأليف «أحمد بن زنبل الرمال» عن «دار عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية - القاهرة»، مضيفا: «فى تلك الأثناء، كان طومان باى فى منصب نائب الغيبة نائبا عن السلطان الغورى فى حكم مصر، وأرسل إليه السلطان سليم العثمانى يطلب منه الدخول فى طاعته، ولكن طومان باى الذى تم اختياره لمنصب السلطان رفض، وقرر مقاومة الغزو العثمانى المتفوق فى عدده وسلاحه الأحدث».
لم يستمر طومان باى فى السلطة أكثر من ثلاثة أشهر، ويراه «قاسم عبده قاسم»: «كانت صفاته تجعل منه بطلا تاريخيا مهما، بيد أنه كان بطلا خارج عصره، فالدولة التى يقودها كانت سقطت بالفعل حتى قبل معركة «مرج دابق»، ويذكر «أبوغازى»، أن الوضع الداخلى كان مفككا ومنهارا، فأمراء المماليك منقسمون على أنفسهم وغير راغبين فى القتال، والخيانة مستشرية فى الصفوف على أعلى المستويات، وتمردات العربان مستمرة، والفلاحين يرفضون دفع الضرائب لممثلى الدولة خشية أن يعود العثمانيون ليجمعوها مرة أخرى إذا انتصروا، وفى هذه الظروف الصعبة نجح طومان باى إلى حد بعيد فى إدارة أمور الدولة على أساس سياسة رفع المظالم، فقد رفض فرض ضرائب جديدة، كما كان يفعل سابقوه من السلاطين - لتمويل المعركة المنتظرة مع العثمانيين رغم فراغ الخزائن، كما رفض مصادرة أموال الأوقاف، ورفض أن يأخذ أموالا من القضاة الأربعة الذين ولاهم مقابل تعيينهم، ودعا إلى محاربة الرشوة».
واهتم كما يقول «أبوغازى» بإعداد العجلات الخشبية والمكاحل والبنادق وتوفير البارود والرصاص، وكلها أسلحة ومعدات كان المماليك فى السابق يستنكفون من استخدامها، وعلى الجانب الآخر كان العثمانيون يسعون بكل الوسائل إلى تحطيم البقية الباقية من تماسك الجبهة المصرية، ويوضح «أبوغازى» أساليب السلطان العثمانى «سليم» فى ذلك، قائلا: «أخذ يرسل الجواسيس إلى مصر لتقصى أخبارها، ويشن حربا نفسية يركز فيها على تضخيم قوته العسكرية، وقدرات جنوده ويبرز فيها قسوتهم وبطشهم، ويرسل المراسلات إلى الأمراء فى مصر يدعوهم فيها لطاعته والتخلى عن سلطانهم، كما يستعين بخاير بك، الذى أعلن الانضمام إلى صفوفه بعد معركة مرج دابق فى مراسلة أمراء المماليك، والاتصال بهم وتحبيذ طاعة سليم لهم، وفى نفس الوقت كان يرسل إلى طومان باى يدعوه إلى الصلح والاعتراف به سلطانا على مصر والشام والقدوم إلى عتبته السنية عارضا الطاعة والولاء، وفى مرة أخرى يعرض عليه أن يكون نائبًا عنه فى حكم مصر على أن تكون الخطبة والسكة فى مصر باسم سليم، ويعترف بسلطانه على البلاد، ورفض طومان باى، واستمر فى استعداداته للمعركة، واستمر سليم فى زحفه على مصر».
كانت الظروف فى مصر تتدهور بتأكيد «أبوغازى»، ووصلت حد أن «أمراء المماليك سبوا السلطان فى حضوره»، ورفضوا الخروج للتصدى للجيش العثمانى فى الصالحية وعجرود، وقرروا أن تكون المعركة فى «الريدانية»، ويضيف «أبوغازى»: «اكتملت الخيانة بنصيحة «جان بردى الغزالى» بدفن المدافع التى أعدها طومان باى فى الريدانية بدعوى إخفائها عن عيون العثمانيين، فتعجز هذه المدافع عن العمل تمامًا فى لحظة المعركة، وفى ميدانها بدأت الاستعدادات النهائية، فأمر طومان باى بحفر خندق يمتد من الجبل الأحمر حتى المطرية، حيث اصطفت جنوده، وشارك بنفسه فى حفر الخندق وبناء التحصينات».
وفى يوم 22 يناير «مثل هذا اليوم» 1517 وقعت المعركة، ويؤكد «أبوغازى» أن الخطة تسربت إلى سليم الأول، فالتف جزء من الجيش العثمانى خلف الخطوط المملوكية، ودارت معركة عنيفة أبلى فيها طومان باى بلاء حسنًا، واستمر يقاتل حتى انفض عسكره من حوله، فانسحب متقهقرًا إلى طرة جنوب القاهرة بعد أن كبد العثمانيين خسائر فادحة اعترف بها مؤرخوهم، وتمكن من قتل سنان باشا القائد والوزير العثمانى، واعترف السلطان سليم نفسه بصعوبة المعركة، وفر طومان ليبدأ فى تنظيم صفوفه لجولة جديدة ضد العثمانيين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة