حقًا ، قدر الإنسان ليس فى منصبه ونفوذه، ولكن فى أحاسيسه وتصرفاته، فلا تحكم على إنسان من مظهره الخارجي، مهما علا شأنه، فانتظر حتى تراه فى المواقف الصعبة، وهنا سوف تعرف، هل يستحق أن يُطلق عليه كلمة إنسان أم لا، فكل شىء زائل، وأولها المظهر الخارجى الجذاب، فهو يتلاشى بفعل الزمن، الذى يُصر على أن يترك بصماته على كل خلجة من خلجات الإنسان، وأيضًا المناصب، تزول مهما طال أمدها، ولا يبقى إلا إحساس نبيل، تمَّت ترجمته إلى تصرف أكثر نُبلاً.
ففى أحد الأيام، وقف غُلام صغير فى خجل شديد، يمد يده يطلب مساعدة الغير، فقد ترك والدته تُعانى من آلام المرض والجوع، وفى وسط الزحام الشديد، لمح أحد العظماء علامات الارتباك على الغلام، فذهب إليه وأخذ يُلاطفه، وسأله عن سبب ارتباكه، فأجابه الغلام: "أرى يا سيدى أنك إنسان شريف، تلبس ثيابًا فاخرة، وترتدى على رأسك Top Hat، وهى قُبعة الأشراف، إنى لم أعتاد أن أشكى مما أُعانيه، لكننى فى صراع مُرّ، والدى مات، ولم يترك لنا شيئًا نقتات به، ووالدتى تعمل لكى نحصل على القُوت الضروري، وهى الآن مريضة، طريحة الفراش، ليس لدى طعام ولا دواء لأُقدمه لها"، أخفى الرجل دموعه التى تسللت من عينيه بابتسامة ظاهرية، وربت على كتف الغلام، ثم أمسك بيده، وطلب منه أن يُرشده إلى بيته، ولما اقتربا من البيت، دخل الرجل إلى محل وطلب منه بعض الأطعمة، وقدم له الثمن، وأرسلها إلى بيت الغلام، ثم دخل الاثنان المنزل، وما أن رأى السيدة المريضة، حتى رَقَّ قلبه لها، ثم اعتذر لها قائلاً: "إننى لست الطبيب المُختص بمرضك، لكننى أكتب لك ورقة بها وصفة تنفعك"، ثم كتب الورقة وتركها مع السيدة وخرج.
تطلعت السيدة إلى الورقة بعد خروج هذا الرجل، فوجدته شيكًا بمبلغ كبير، وكم كانت دهشتها، حين وجدت التوقيع على الشيك "چورچ واشنطن"، رئيس الولايات المتحدة الأمريكية فى ذلك الوقت.
فى بداية القصة، وصفت الرجل المجهول بأنه أحد العظماء؛ نظرًا لمظهره الخارجى الأنيق، وللقبعة التى يرتديها، والتى تُميز هذه الفئة من المجتمع، ولكن هذه الصفة تغيرت أسبابها فى نهاية القصة؛ لأن عظمته أتت من تصرفه النبيل، فهذه هى العظمة الحقيقية، التى تدوم، حتى لو زال المنصب، وسقطت القبعة إلى الأبد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة