علا الشافعى تكتب: الكنز.. الحقيقة والخيال والحنين إلى السينما.. صناع الفيلم نجحوا فى قص حكاية ممتعة حققت الهدف.. الفيلم يحمل روحا سينمائية حقيقة وصنعة واضحة.. والأهم أنه يحلق خارج السرب
الجمعة، 08 سبتمبر 2017 02:34 م
فيلم الكنز
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
إنه الحكى.. لا أعرف لماذا قفزت تلك الكلمة فى ذهنى بمجرد أن انتهيت من مشاهدة فيلم «الكنز»، للمتميز عبدالرحيم كمال، والمبدع شريف عرفة.. نعم هو الحكى، كيف تحكى «حدوتة» وتستمتع بها.. فى الماضى كنا نلتف حول الجد والجدة أو الأهل لنسمع «حدوتة»، وكانت جملة «تعالوا لما أحكيلم حدوتة» هى الجملة الأثيرة والمحببة لدينا عندما كنا أطفالًا.. هذا ما فعله نجوم وصانعو فيلم «الكنز»، وهو الفيلم الذى تستعيد معه السينما المصرية الكثير من بهائها، لأنه ببساطة فيلم ممتع.. فيلم فى إطار وحدود المرسوم له حقق الهدف تمامًا.. السينما هى «فن شعبوى» فى الأساس، والفيلم الناجح هو العمل الذى يجعل مشاهده يستمتع، أو تخرج من دار العرض وأنت تحمل بعضًا منه.. لقطة، جملة، حوارًا، أداء ممثل، أو يضعك فى حالة نفسية مختلفة، حيث تتعاطى أو تتماهى معه، و«الكنز» تتوافر فيه كل هذه العوامل، فهو فيلم يحمل الكثير من المتعة الفنية.
الدفاع عن الكنز ضرورة لكل محبي السينما
أحيانًا أتوقف كثيرًا عند فكرة أن يمسك البعض بمشرط، ويقوم بتشريح الفيلم، والتأكيد على أنه فيلم عليل، دون الالتفات لحسنة واحدة من العمل، أقلها الجهد المبذول فى الفيلم، وما بالك إذا كان هذا الفيلم هو «الكنز»، الذى يضم الكثير من الحسنات، ويحمل روحًا سينمائية حقيقية، وصنعة واضحة فى الكثير من عناصره الفنية، والأهم أنه يحلّق خارج السرب، ويفتح الباب لأشكال سينمائية متنوعة ومختلفة وأصيلة، نحن فى أمسّ الحاجة إلى وجودها، بعيدًا عن سينما «الأكشن» أو السينما التجارية المعلبة التى كل هم صناعها تقليد السينما الأمريكية.
وكما قال مولانا جلال الدين الرومى: «لعل الأشياء البسيطة هى الأكثر تميزًا ولكن.. ليست كل عين ترى»، وأى مهتم بصناعة السينما المصرية، أو عمل لفترة فى متابعة ملفاتها وقضاياها ومشاكلها، يدرك أن الدفاع عن «الكنز» هو «فرض عين»، وأن قيام المنتج وليد صبرى بإنتاج مثل هذا العمل المكلف إنتاجيًا فى هذا التوقيت الصعب اقتصاديًا هو أمر يجب التوقف عنده وتدعيمه، ليكون ذلك حافزًا على إنتاج السينما المصرية تجارب مماثلة، وتشجيع منتجين آخرين على خوض غمار تجارب متميزة، خصوصًا أن هناك الكثير من الأعمال والسيناريوهات المؤجلة لعدد من مبدعينا الكبار تنتظر من يفتح الباب، وقد فعلها «الكنز»، الذى يعد واحدًا من كنوز السينما المصرية عن حق.. إذا كنت ترغب فى الحكى المختلف ستجده، فى الاستعراض والأغانى ستجدها العناصر المميزة، فى الأزياء والديكور ستجدها، إذا كنت تتساءل حول كنزك، بالتأكيد سيأخذك الفيلم.
حبكة تقليدية .. لا نمل تكرارها
عند بورخيس، وفى رواية «الخيميائى» أو «الساحر» التى كتبها باولو كويلهو 1988، وترجمها بهاء طاهر، كان الحلم دائمًا هو المحرك، وهناك أيضًا كنز يسعى وراءه البطل.. الراعى «سنتياجو» يبحث عن الكنز، وفى رحلته لتحقيق حلمه الذى تكرر أكثر من مرة، والذى تدور أحداثه حول كنز مدفون فى الأهرامات بمصر، ووراء هذا الحلم ذهب البطل ليقابل فى رحلته الإثارة، الفرص، الذل، الحظ، والحب، ويفهم الحياة من منظور آخر، هو روح الكون.. وفى «ألف ليلة وليلة»، وتحديدًا الليلة الحادية والخمسين بعد الثلاثمائة ترد «حكاية الحالمين»: يهاجم الفقر رجلًا ثريًا يعيش فى بغداد، حتى يلتهم كل ما يملك، وقبل أن يفكّر بالاستجداء من الآخرين، يرى فى المنام مَن يقول له: اذهب إلى مصر، وستجد هناك كنزًا.. وفى كل مرة نقرأ فيها هذه الحبكات لا نمل منها، وهو ما فعله الكاتب المتميز عبدالرحيم كمال تمامًا.. «بطلنا» الشاب- يجسده أحمد حاتم- هو شاب مصرى من أصول مصرية صعيدية، وتحديدًا الأقصر، أرسلته عائلته إلى إحدى الدول الأوروبية، خوفًا عليه من الثأر، وقرر والده أن يجعله يدرس «علم المصريات»، ليظل وثيق الصلة بأرضه وحضارته.. يعود «حسن بشر» الغائب وهو لا يملك بداخله سوى رغبة أكيدة فى الرحيل مجددًا، بعد أن يبيع كل ميراثه بعد وفاة عمه، لكن وصية والده «بشر»- يجسده محمد سعد- التى تركها مسجلة على شرائط فيديو، إضافة إلى بعض البرديات، التى تحمل حكاوى، على «حسن» أن يفك طلاسمها.. يعود «حسن» للبيت، ويلتقى محامى العائلة، ومساعد أبيه وقت أن كان رئيس القلم السياسى قبل يوليو، المحامى «أحمد رزق» يندهش من نية «حسن» بيع البيت، مع نظرة من عينيه تؤكد أن «حسن» سيبقى، ومن هنا يفتح باب الحكى والحكاوى ليصل لكنزه.
شريف عرفة يحقق حلمه ويصل الي كنزه
شريف عرفة، المولود فى 25 من ديسمبر، الذى تخرج فى المعهد العالى للسينما عام 1982، وهو الابن الأكبر للمخرج سعد عرفة، واحد من أهم مخرجى السينما المصرية، وعلامة مسجلة ليس فقط بتنوع أفلامه التى قدمها، ولكن لتجاربه الطموحة فى السينما المصرية، ومنها أفلامه مع رفيق رحلته السيناريست ماهر عواد، ومنها «الأقزام قادمون»، و«سمع هس»، و«يا مهلبية يا»، إضافة إلى تجاربه المهمة والمميزة مع الكاتب الكبير وحيد حامد، والزعيم عادل أمام فى «طيور الظلام»، و«اللعب مع الكبار»، و«الإرهاب والكباب»، و«المنسى».
فى ظنى أن شريف، الذى قدّم الكثير للسينما التجارية، وحصدت أفلامه إيرادات كبيرة، دائمًا ما كان يراوده الحنين لتقديم تجربة سينمائية مغايرة يستعيد بها متعة السينما وبهجتها، وهذا ما فعله مع عبدالرحيم كمال، صاحب التجارب الدرامية المتميزة والبعيدة عن النمطية، التى تغوص دائمًا فى النفس البشرية، وتطرح الكثير من الأسئلة الوجودية، فى فيلمهما «الكنز.. الحقيقة والخيال»، الذى تصل مدته الزمنية إلى 3 ساعات إلا 10 دقائق.. وما أجمل أن تحكى عن «الحب والسلطة والدين»، حيث يأخذنا الفيلم فى رحلة عبر ثلاثة عصور مختلفة، عصر حتشبسوت، تجسدها هند صبرى، وزمن على الزيبق يجسده محمد رمضان، الذى يجسد أيضًا دور الأب حسن رأس الغول، حيث نشاهد دمشق ومصر القديمة بأحيائها العريقة، وما كان يفعله الشطار ومقدمو الدرك فى عهد الولاية العثمانية، وعهد الملك فاروق والبوليس السياسى.. كل زمن يحكى حكاية مختلفة تنتهى عند «حسن»، الشاب العائد من أوروبا، الذى يجبره والده على البقاء للوصول للكنز، انطلاقًا من أرض طيبة، أو الأقصر، تلك المدينة الساحرة ومهد الحضارة، كل ذلك من خلال مجموعة من كبار النجوم يجتمعون فى عمل فنى للمرة الأولى.. دراما تنتقل بين عدة حكايات وأزمان، بما يرتبط بذلك من ديكورات وملابس وإنتاج متميز يعى أهمية الجودة والإتقان فى جميع عناصر العمل، إضافة إلى أشكال موسيقية متنوعة.
«حسن» العائد يقلب فى البرديات فى محاولة لفهم ماذا يريد منه والده، فيشاهد حتشبسوت الطموحة للسلطة، التى تترك حبها من أجل كرسى العرش، «من أجمل مشاهد الفيلم، والذى جسدته هند صبرى بوجهها وجسدها وعينيها وهى تجلس بثقة على كرسى العرش، مستقيمة الظهر، وكأنها تملك هذا الكرسى، فى حين أن عينيها تتركز على حبيبها المهندس المعمارى سمنوت، يجسده هانى عادل»، وبالطبع يلحظهما الطاغية الكاهن الأعظم- يجسده النجم المتميز محيى إسماعيل- الذى من خلاله نرى سطوة الدين على السياسة، وكيف يتم توظيف الدين لخدمتها.. حتشبسوت امرأة تختار العرش والسلطة، ومن داخلها تتشوق للحب، والحب هو الذى ينقذها من مؤامرة الكاهن الأعظم، التى يكشفها لها تحتمس الثانى - جسده رمزى لينر - قبل أن يموت، وعلى الزيبق، الساعى للخير والحق، والذى ينتصر للضعفاء هو ومجموعة الشطار رفقاء درب والده ودربه، والذى يقع فى حب زينب - تجسدها روبى - ابنة قاتل أبيه صلاح الكلبى الذى يجسده عباس أبوالحسن.
فهل يشفى حبه لزينب رغبته فى الانتقام؟.. وبالمناسبة قصة «على» و«زينب» هى واحدة من أجمل قصص الحب على الشاشة، والتناغم فى الأداء بين روبى ورمضان أضاف لها بريقًا خاصًا، أما «بشر»، وهو الدور الذى قدّم لنا محمد سعد آخر مختلفًا ومتميزًا، أو بمعنى آخر أعاد الوجه الحقيقى لسعد بشر، رئيس البوليس السياسى فى عهد الملك فاروق، صاحب السلطة والسطوة، والذى يضع شقيقه المدمن - هيثم أحمد زكى - فى السجن، لخاطر الكرسى والترقية، والذى يجد نفسه مندفعًا فى حب مطربة من أصول شامية تغنى فى الكباريهات «نعمات»، تجسدها أمينة خليل.. إنه الحب، هل يقهر الحب السلطة؟، هل سينتصر «بشر» للسلطة أم الحب؟.. كل هذا سنعرفه فى الجزء الثانى من الفيلم.. وماذا عن المعلم الذى علم حتشبسوت ودرس لها العلوم الإنسانية، وأعطاها خبرته الحياتية، والذى هو حارس البوابة أيضًا الذى ظهر لعلى الزيبق، وهو أيضًا المواطن البسيط الذى يدفع ثمن وعيه فى عهد الملك والبوليس السياسى، وجسد الأدوار الثلاثة النجم عبدالعزيز مخيون فى رمزية لافتة. «الكنز.. الحقيقة والخيال» فى جزئه الأول، فيلم سينمائى ممتع وملىء بعناصر الإبهار فى إطار درامى نابه ولافت حول فكرة صراع الحب والسلطة.. نحن أمام فيلم جيد وجاد وممتع، صناعه بذلوا ما فى وسعهم ليصنعوا فيلمًا مختلفًا وسط أفلام العيد التى يغلب عليها التجارية.. نجوم العمل معظمهم كانوا يدركون قيمة العمل الذى يشاركون فيه، بالنسبة لى كان محمد سعد وأحمد رزق وروبى ومحمد رمضان وسوسن بدر وأحمد حاتم وأحمد أمين الأكثر حضورًا، إضافة إلى الفنان الذى جسد دور الخادم فى منزل بشر «عم قادم»، وأيضًا العناصر الفنية التى يجب أن نتوقف عندها.. المونتاج داليا الناصر، والديكور أنسى أبوسيف، والأزياء ملك ذوالفقار، والموسيقى هشام نزيه، والتصوير والإضاءة أيمن أبوالمكارم.. الفيلم يحمل الكثير من مواطن الجمال والمتعة لمن يريد أن يراها أو يبحث عنها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة