ما إن أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات والاستفتاء فى إقليم كردستان العراق، مساء الأربعاء، عن النتائج الرسمية للاستفتاء على انفصال كردستان، بنسبة 92.73% "نعم" و7.27% "لا"، حتى دخلت المنطقة فى غابة كثيفة تحيطها الحرائق من كل اتجاه، إذ أصرت القيادة الكردية المتمثلة فى رئيس الإقليم مسعود برزانى على الذهاب منفردة إلى استفتاء مخالف للدستور، ولا يحظى بأى دعم أو أى اعتراف إقليمى أو دولى.
مجموعة برزانى تقود إلى الحرب
برزانى
بالفعل أصرت المجموعة المحيطة بمسعود برزانى على الذهاب إلى الاستفتاء يوم الاثنين الماضى وغضت طرفها عن الرفض بالإجماع الذى أعلنته الدول على اختلاف توجهاتها، باستثناء إسرائيل، ومعنى ذلك ببساطة اللجوء إلى أحد سيناريوهين أحلاهما مُر، وهما: حرب ضروس تواجه فيها فرق البيشمركة، القوات العراقية والتركية والإيرانية مجتمعة، ومن ثم تجد نفسها بين سندان الاستفتاء ومطرقة تداعياته، أو: تعريض الكرد إلى خطر الحصار والتجويع والفقر، كما أعلن الرئيس التركى رجب طيب أردوغان.
ويبدو واضحا من تلك الخطوة أن القيادة الكردية الحالية تستهدف أمرا اساسيا وهو الاستئثار بنفط الإقليم لصالحها وعدم الالتفات إلى المكاسب الاقتصادية والسياسية والثقافية الضخمة التى حصلت عليها فى ضوء دستور ما بعد 2003م، بما يعنى أن هدم الماضى هو السمة البارزة فى سلوك رئاسة الإقليم.
ومن المؤكد فى ضوء كل تلك العوامل أن المستقبل القريب لا ينذر بالخير للأمة الكردية، فالساسة نجحوا بالفعل فى العزف على وتر القومية وتناسوا أن الدول الحديثة تتلاحم فيما بينها وتنسجم وتتشكل من أطياف وعرقيات وقوميات متنوعة، ولعل أبرز الأمثلة على ذلك الهند والبرازيل والولايات المتحدة الأمريكية نفسها التى تضم البيض والملونين واللاتينيين والعرب ووصل إلى قمة السلطة بها رئيس من أصول إفريقية، وتجلس فى حجرة سيدة البيت الأبيض سيدة من أصول سلوفينية كانت قبل أقل من 11 عاما مجرد مهاجرة قادمة من أوروبا.
إيران والحرب الطائفية المحتملة
روحانى
فى الوقت الذى تأهب فيه المواطنون الكرد فى إقليم كردستان العراق للذهاب إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم فى عملية الاستفتاء يوم الاثنين الماضى كان أن تظاهر كرد إيران فى محافظة سنندج تأييدا للعملية السياسية مدفوعين بأحلام تحقيق الدولة الكردية الكبرى التى طالما حلم بها أجدادهم وفشلوا فيها عبر كل المناسبات.
كانت تلك الخطوة إلى جانب خطوات أخرى دليلا بارزا على الظنون الإيرانية نحو عملية الاستفتاء فى الإقليم العراقى، إذ رأت إيران أن الذهاب إلى الاستفتاء سيشجع الكرد الإيرانيين على الإقدام والمطالبة بخطوة مماثلة وهو ما تم بالفعل فى صباح الاثنين الماضى فى الأراضى الإيرانية.
ولذلك احتشدت الدولة الإيرانية بالكامل ضد الاستفتاء وقامت قوات الحرس الثورى بمناورات على الحدود الغربية مخافة اندلاع حروب طائفية غير محمودة العواقب، وقبل ساعات طالعنا مجلس الشورى الإسلامى (البرلمان) يدين الاستفتاء فى إقليم كردستان العراق خلال جلسته غير العلنية تلك التى بحث خلالها آخر التطورات فى المنطقة بحضور أمين المجلس الأعلى للأمن القومى الإيرانى الأميرال على شمخانى، ذى الأصول الأحوازية.
إجراءات تركية مبدئية
أردوغان
من جهتها اتخذت الحكومة التركية إجراء مبدئيا يعد كخطوة أولى نحو التصعيد ضد إقليم كردستان العراق، وهى الاستجابة إلى طلب الحكومة المركزية فى بغداد بتعليق الرحلات الجوية باتجاه إقليم كردستان العراق ابتداءً من يوم الجمعة المقبل، وفق ما أعلنه مسؤول فى سلطة الطيران المدنى التركى.
يأتى هذا بعد أن طلبت سلطات الطيران العراقى من شركات الطيران المختلفة على مستوى العالم تعليق الرحلات إلى إقليم شمال العراق اعتبارا من يوم الجمعة المقبل، وتحديدا تلك الرحلات التى تهبط فى مطارى أربيل والسليمانية.
أما الرئيس التركى رجب طيب أردوغان بمن المؤكد أنه يستعد بعدد آخر من الغجراءات العقابية ضد رئاسة الإقليم ومنها تجميد التعاون فى مجال النفط وإغلاق الحدود بين الإقليم والأراضى التركية، فى الوقت الذى تعد فيه تركيا هى المنفذ الوحيد للبضائع من وإلى الإقليم وخاصة النفط الذى يبيعه مسعود برزانى لحسابه فى الأشهر الاخيرة من دون الرجوع إلى حكومة المركز فى بغداد.
على كل حال يبدو أن السيناريو الوحيد الأقرب إلى الحكمة والمنطق الآن بالنسبة لمسعود برزانى فى ضوء كل هذه العوامل مجتمعة هو العودة عدة خطوات إلى الوراء والاحتكام إلى الدستور العراقى وتنفيذ قرارات رئاسة الوزراء المركزية فى بغداد والعمل بقرارات البرلمان العراقى الذى وقف للمرة الأولى منذ سنوات طويلة على قلب رجل واحد لمواجهة المغامرة الكردية غير المحسوبة والجموح البرزانى غير المدروس.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة