فى عام 2009 وعقب احتجاجات عارمة شهدتها إيران إثر انتخابات رئاسية مثيرة للجدل صعد فيها المتشدد أحمدى نجاد، اتجهت السلطات لمراقبة الإنترنت، وصوت مجلس الشورى الإسلامى (البرلمان الإيرانى) على قانون جرائم الشبكة العنكبوتية التى وجدت طريقها إلى إيران فى عام 1993، ومنذ ذلك الوقت تشكلت "لجنة تحديد المحتوى الإجرامى على الإنترنت" وفقا للمادة 22 من قانون جرائم الإنترنت واتخذت على عاتقها وظيفة حجب المواقع الإلكترونية بداية من الإباحية وحتى التى تشكل خطرا على الأمن القومى للنظام، وأصبح المرشد المتحكم الأول فى الإنترنت.
شرعت السلطات الإيرانية فى حجب مواقع الإنترنت على رأسها التواصل الاجتماعى فى مقدمتها فيس بوك وتويتر ويوتيوب، بعد أن تحولت شبكة الإنترنت إلى ساحة مواجهة بين الإيرانيين المحتجين على نتائج الانتخابات الرئاسية 2009 والنظام، فضلا عن عدة مواقع أخرى معارضة للنظام موجهة ناطقة باللغة الفارسية من الخارج وتخاطب الداخل الإيرانى.
واتفقت سياسة الحجب وقتها مع ميول الرئيس المتشدد نجاد، وأمزجة الجناح المتشدد الذى يتربع على عرش السلطة، وفى سنوات ولايته الثانية تزايدت الرقابة على الإنترنت وتم ملاحقة النشطاء، ووصل الأمر أن زج بهم فى السجون بتهم الإهانة أو الإساءة للنظام على حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعى، أو إدارة مجموعات على تطبيقات التواصل الاجتماعى من شأنها أن تعرض الأمن القومى للبلاد للخطر.
وبخلاف الحجب وضعت السلطات قيودا صارمة، حيث تقوم عادة بخفض سرعاته فى أيام الانتخابات الحساسة أو الاحتفالات، ورفعت اسعاره بشكل كبير، ومن أجل فرض رقابة مشددة على الإنترنت، وفرض قيود على مستخدمى الشبكة، بدأت منذ عام 2005، العمل على شبكة إنترنت محلية خاصة وطرحت فكرة مشروع شبكة "إنترنت وطنية" علنيا عام 2010، وقالت الحكومة أن هدفها الرئيسى يتمثل فى تهيئة شبكة إنترنت محلية منفصلة يمكن استخدامها لتعزيز المحتوى الإسلامى ورفع الوعى الرقمى فى المجتمع، ما دفع منظمة مراسلون بلا حدود إدراج إيران فى 2012، ضمن الدول "أعداء الإنترنت" وقال أنها تفرض رقابة واسعة النطاق على الإنترنت.
وفى إطار استراتيجية سيطرة السلطات على الإنترنت، فى عام 2011 أمر المرشد الأعلى بتشكيل المجلس الأعلى للفضاء المجازى ليتولى تحديد القرارات المتعلقة بسياسات الإنترنت، واختار خامنئى أعضاء المجلس وضم جميع اللجان المعنية بالرقابة على الإنترنت إلى المجلس، وشدد المرشد على أن المهمة الرئيسية للمجلس رسم السياسات والإدارة الشاملة والتخطيط واتخاذ التدابير اللازمة بالوقت المناسب، فضلا عن الإشراف والرصد اليومى والفعال فى هذا المجال، وإلى جانب المجلس نشطت الشرطة الإلكترونية (فتا) والجيش الإلكترونى والحرس الثورى والسلطة القضائية لفرض الرقابة المشددة على الإنترنت.
وعلى مدار السنوات الماضية حجبت إيران آلاف المواقع الإلكترونية، على نحو ما كشف المدعى العام محمود جواد منتظرى فى تصريح له فى ديسمبر الماضى، أن بلاده تحجب أسبوعيا من 13 إلى 14 ألف موقع إلكترونى تستخدم فى الجرائم والاختلاسات المالية والمحتوى المناهض للدين والأخلاق، وأضاف أن أعداء البلاد يحاولون الإضرار بالدين والثقافة وقيمنا الاجتماعية عبر الحرب الناعمة التى تشنها على شبكات الإنترنت، وعلينا التصدى لها.
ورغم الرقابة المشددة امتلكت إيران أكبر عدد من المشتركين بالشبكة فى الشرق الأوسط، إذ بلغ مستخدمى الإنترنت فى إيران نحو 36 مليونا من 80 مليون نسمة، كما يستخدم نحو 27 مليونا منهم خدمة الإنترنت على هواتفهم الذكية، وهو ما أظهر انضمام 10 ملايين إلى مستخدمى الإنترنت مقارنة بعام 2013، حيث كانوا 21 مليون حسب إحصائية ذكرتها وكالة إيسنا فى أبريل من العام الجارى.
ويستخدم الإيرانيون طرق ملتوية للعبور من "راوتر المرشد" للدخول على مواقع التواصل، ويمتلكون الآلاف من الحسابات الشخصية على التواصل الاجتماعى، باستخدام برامج كسر الحجب VPN، وما اصطلح عليها داخل إيران بـ"فيلتر شكن"، ويتداولها الشباب ويتم تطويرها على يد خبراء الإلكترونيات لمواجهة الرقابة المشددة للسلطات.
ومع صعود الرئيس المعتدل حسن روحانى فى 2013 تجددت الآمال بتخفيف الرقابة ورفع الحظر، بعد أن وعد بتخفيف القيود على حريات الإنترنت، وتعلقت آمال الإيرانيون به عندما تدخل لرفع الحظر عن تطبيق خدمة "واتس آب"، فى السنة الأولى من حكمه، كما دشن هو وأعضاء حكومته حسابات رسمية على وسائل التواصل الاجتماعى رغم منع المواطنين منها، كما استثنى المرشد نفسه من الممنوعين من الإنترنت ودشن لنفسه صفحات بلغات متعددة على "فيس بوك وتويتر".
لكن مع مواصلة لسلطات استراتيجية الحجب والرقابة وملاحقة النشطاء، عجز روحانى عن تخفيف القيود، لكن حكومته دعت إلى المرونة فى مراقبة شبكة الإنترنت، واقترحت تفعيل "الحجب الذكى" لمواقع التواصل، التى تركز على منع عرض المحتوى غير المرغوب فيه وليس منع الوصول إلى كامل الموقع.
وخيب روحانى آمال الكثيرين مع تعيينه محمد جواد آذرى جهرمى وزيرا للاتصالات فى حكومته الجديدة، الذى يمتلك تاريخا من العمل مع وزارة الاستخبارات، وكشفت تقارير أنه تولى عملية الاستجواب والتحقيق والتعذيب ضد المعتقلين السياسيين، وقد تم تعيينه خلال احتجاجات 2009 مساعدا لوزير الاستخبارات فى الشؤون التقنية والمدير العام للتنصت فى الوزارة، وذلك لغرض السيطرة على اتصالات المنتفضين، ما دفع المراقبون بالتنبؤ بتشديد المراقبة والتنصت على الإنترنت والشبكات الاجتماعية.
لكن واصلت الجماهير الإيرانية الهروب من يد المرشد الثقيلة، ولجئوا لتطبيقات التواصل على الهواتف الذكية، إلا أنه الحجب وتشديد الرقابة وجد طريقه إلى هذه التطبيقات وكانت من بين التطبيقات التى حجبتها السلطات بعد أن انتشرت بين الإيرانيين تطبيق وى تشات والفايبر، وكان آخرها تطبيق تلجرام الذى انتشر بشكل واسع واستخدمه ما يقرب من 20 مليون، وكان منبرا سياسيا استخدمه مرشحى الرئاسة فى انتخابات مايو 2017، وبسبب أن ذاع سيطه بشكل مرعب بين الإيرانيين حاولت السلطات نقل خوادمه داخلها لتتمكن من غلق القنوات التى لا تتفق معها سياسيا أو وتناقض مع القوانين الإيرانية والقوانين الأخلاقية وتشديد الرقابة على مستخدميه، إلا أنها عجزت، ويبقى راوتر المرشد المتحكم فى الإنترنت فى إيران.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة