تتعدد الأسباب التى من أجلها تحتفظ البنوك المركزية حول العالم باحتياطى أجنبى أو احتياطى من العملات الأجنبية، لكن أهم تلك الأسباب قاطبة هو إدارة قيمة العملة المحلية للدولة.
المصدر الرئيسى للنقد الأجنبى فى البلاد التى تحقق فائضاً فى موازين المدفوعات، «خاصة ميزان المعاملات الجارية»، هو التصدير السلعى والخدمى «مثل خدمات التجارة والملاحة والخدمات المصرفية والسياحة وتحويلات العاملين»، يقوم المصدّرون بإيداع حصيلة التصدير فى البنوك التجارية، والحصول على ما يقابلها بالعملة المحلية لدفع الأجور والرواتب والوفاء بالالتزامات المستحقة محلياً للموردين وغيرهم، وتقوم البنوك التجارية بتحويل العملات الأجنبية إلى البنك المركزى.
تحتفظ البنوك المركزية باحتياطى النقد الأجنبى فى صورة سائلة من العملات الرئيسة فى التجارة، وفى مقدمتها الدولار الأمريكى واليورو الأوروبى، كما تفضل البنوك المركزية الاحتفاظ بالاحتياطى فى صورة أذون وسندات خزانة أمريكية، وبعض سندات الشركات العالمية والذهب وحقوق السحب الخاصة وأية احتياطيات للدولة لدى صندوق النقد الدولى، وهناك جانب من الاحتياطى يتم استثماره فى صناديق تحوط وصناديق استقرار stabilization funds وصناديق سيادية وكيانات استثمارية أخرى، وهذا الجانب يسمى بالاحتياطى غير الرسمى، وعادة ما يحاط استثماره بالسرية، وهو شائع فى دول الخليج وبعض الدول النامية الأخرى، لكنه عالى المخاطر ولا تفضل مؤسسات التمويل الدولية التوسع فيه، «أظهر موقع البنك المركزى المصرى توافر احتياطى نقد أجنبى غير رسمى يقدر بنحو 9.7 مليار دولار فى شهر يوليو مقارنة بنحو 11 مليار فى يونيو الماضى».
وقد تم حصر سبعة أغراض لاحتفاظ البنك المركزى باحتياطى من النقد الاجنبى:
أولاً:
يستخدم النقد الأجنبى لتثبيت سعر صرف العملة المحلية عند قيمة بعينها fixed rate، مثال ذلك اليوان الصينى الذى يحتفظ بقيمة ثابتة أمام الدولار، علماً بأن الاحتياطى الصينى من النقد الأجنبى هو الأكبر على مستوى العالم بقيمة 3 تريليون دولار فى ديسمبر 2016.ثانياً:
يستخدم النقد الأجنبى فى نظم سعر الصرف الحر للاحتفاظ بقيمة العملة المحلية عند مستوى أقل من الدولار، كما هو الحال مع الين اليابانى، فالبنك المركزى اليابانى يعمد إلى شراء أذون خزانة أمريكية للاحتفاظ بالين عند مستوى أدنى من الدولار بغرض تعزيز تنافسية المنتجات اليابانية فى أسواق التصدير العالمية.ثالثاً:
يستخدم الاحتياطى الأجنبى للاحتفاظ بسيولة مناسبة للتصدى للأزمات الاقتصادية المفاجئةو، بعض الأزمات الناتجة عن كوارث بشرية أو طبيعية كالزلازل والبراكين تتسبب فى وقف التصدير، وتوقف الإنتاج والتصدير ونقص المواد الغذائية والسلع الضرورية محلياً، بما يتطلب تدخّل الدولة لاستيراد المواد المطلوبة باستخدام الاحتياطى من النقد الأجنبى، سواء بشكل مباشر أو بتحويل البنك المركزى للعملة الأجنبية نظير العملات المحلية فى حوزة المستوردين لمساعدتهم على استيراد المطلوب.
لذا فمن المقاييس الشائعة لتقدير مدى كفاية الاحتياطى، هو نسبة ما يغطيه الاحتياطى من حاجات الاستيراد لعدد من الشهور.
وتجدر الإشارة إلى أن البنك المركزى المصرى بعد تحرير سعر الصرف فى نوفمبر الماضى لم يعد يضخ الدولارات فى الأسواق بشكل مباشر عبر العطاءات الدورية، فقد استطاعت البنوك التجارية توفير احتياجات الاستيراد من النقد الأجنبى، بما يخفف العبء على الاحتياطى الأجنبى حالياً من هذا الجانب على الأقل.
كذلك فى حالة الأزمات يصاب المستثمر الأجنبى بالذعر، ويقوم بسحب وتحويل أمواله إلى الخارج، بما يتسبب فى عجز حاد فى العملة الأجنبية، وهنا يكون تدخل المركزى مطلوباً على الفور، حتى لا يتحول نقص الواردات إلى تضخم جامح.
رابعاً:
كذلك يعطى احتياطى النقد الأجنبى الكبير إشارة إيجابية مهمة للمستثمر الأجنبى، البنك المركزى يرسل إشارة مفادها أنه جاهز لحماية الاستثمارات القائمة، إذا ما حدث نوع من هروب رؤوس الأموال لأى سبب متصل بتزايد المخاطر.خامساً:
وهذا أمر غاية فى الأهمية فى الحالة المصرية، حيث يتم الاحتفاظ بالاحتياطى الأجنبى بغرض الوفاء بالالتزامات الخارجية للدولة، تتضمن الالتزامات الخارجية والديون السيادية والتجارية، وتمويل الواردات، والقدرة على امتصاص تقلبات رؤوس الأموال «المشار إليها سابقاً».سادساً:
بعض الدول تستخدم الاحتياطى من النقد الأجنبى لتمويل قطاعات بعينها، مثل البنية الأساسية. الصين على سبيل المثال قامت باستخدام احتياطيها لإعادة رسملة بعض مصارفها المملوكة للدولة.سابعاً:
معظم البنوك المركزية تستهدف تحقيق قدر من الأرباح باستثمار جانب من الاحتياطى الأجنبى، دون المساس بعنصر الأمان، لذا يتم استثمار جانب من الاحتياطى فى شراء أرصدة الذهب وغيرها من أرصدة تدر عائداً منخفضاً، لكنه خالٍ من المخاطر إلى حد بعيد مثل أذون الخزانة الأمريكية.
وإذ بلغ احتياطى النقد الأجنبى فى البنك المركزى المصرى 36.04 مليار دولار فى يوليو الماضى، فإنه بذلك يكفى احتياجات ثمانية أشهر من الواردات «كان بالكاد يكفى احتياجات ثلاثة أشهر فى 2012»، ومن المعلوم أن كفاية الاحتياطى الأجنبى لاحتياجات الدولة من الواردات لما بين ثلاثة وستة أشهر يعد مقبولاً.
لكن من المهم الإشارة إلى مؤشر آخر لكفاية الاحتياطى، خاصة فى الحالة المصرية، ما بعد التعويم، لأن المصدر الأهم للضغط على الاحتياطى الأجنبى حالياً أصبح الوفاء بالالتزامات الخارجية، وفى مقدمتها فوائد وأقساط الديون الخارجية، ولم يعد توفير الدولار لاحتياجات الاستيراد كما سلفت الإشارة.
المؤشر الآخر المهم لكفاية الاحتياطى، هو تغطيته لمدفوعات الدين الخارجى، وعجز ميزان التجارة لمدة 12 شهراً مقبلة، هنا تجدر الإشارة إلى أن البنك المركزى قد أعلن مؤخراً وصول الدين الخارجى إلى ما قيمته 73.9 مليار دولار فى مارس الماضى تعادل نحو %41.2 من الناتج المحلى الإجمالى.
كما يعتزم البنك المركزى المصرى سداد مديونيات قصيرة الأجل، بقيمة 8.4 مليار دولار خلال 6 أشهر، بدأت من يوليو الجارى، وتمتد حتى مطلع يناير المقبل، كذلك بلغ عجز ميزان التجارة السنوى نحو 29 مليار دولار انخفاضاً من نحو 40 ملياراً فى العام السابق، وبالتالى فوفقاً لهذا المعيار يكون من الضرورى زيادة حجم الاحتياطى من النقد الأجنبى عن مستوياته الحالية أو تحقيق عجز أقل كثيراً فى الميزان التجارى فى العام الحالى، لأن حجم العجز مع مدفوعات 6 أشهر فقط «وليس عاماً كما يذكر المؤشر» يزيد على المستوى الحالى من الاحتياطى.
فى كل الأحوال، يجب ألا نقلل من حجم الإنجاز الذى تحقق باستعادة مستويات الاحتياطى، لما يرسله من إشارات إيجابية للمستثمر الأجنبى ومؤسسات التمويل، لكن لابد من الانتباه إلى مستوى الدين الخارجى، والأهم معدلات نموه حيث بات أمراً غاية فى الأهمية.
*نائب رئيس لجنة الاستدامة بالاتحاد العالمى للبورصات
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة