جمهورية المدبح..الكزلك والمستحد مش لعبة أى حد.. حكايات من قلب الشوادر وذكريات أقدم الجزارين.. علامات الخرفان تركة متوارثة من الثلاثينيات.. سن السكاكين مهنة وحرفة يهددها الغلاء بالانقراض

الخميس، 31 أغسطس 2017 12:00 م
جمهورية المدبح..الكزلك والمستحد مش لعبة أى حد.. حكايات من قلب الشوادر وذكريات أقدم الجزارين.. علامات الخرفان تركة متوارثة من الثلاثينيات.. سن السكاكين مهنة وحرفة يهددها الغلاء بالانقراض جمهورية المدبح
كتبت - سلمى الدمرداش - إسراء عبدالقادر - تصوير - كريم عبدالعزيز

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

- ونفحات سيدى على زين العابدين روحانيات الجزارين داخل الشادر
 

- أقدم جزار بمدبح السيدة زينب: طول عمرى فى المهنة والأسعار السنة دى زادت أكتر من الضعف

- أقوى النصائح لشراء خروف العيد خالى من العيوب والأمراض 
 

فرحة على نصل السكين.. جلباب أبيض تشوبه قطرات الدماء وحزام يحمل مجموعة من أدوات الذبح، هذا هو الشكل المعتاد الذى يظهر عليه العاملون بالمدبح على شاشات التلفاز، لكن الواقع يختلف تمامًا عما تراه أمام الكاميرا، فبمجرد أن تطأ قدماك بداية الشارع، تجد محال متراصة لبيع وسن السكاكين، طشوت تحوى «الحلويات» كما يلقبونها يفترش أصحابها الأرض، ضربتان متتاليتان سيجبرانك على أن تغمض عينيك فور نزولهما على عنق «العجل»، وعلى الجانب الآخر ستفيقك رائحة «الدماء الحلال» كما يلقبونها هناك أيضًا، وهى منبعثة من أيادى الأطفال الذين يلطخون بكفوفهم جدران مسجد سيدى «على زين العابدين» ليحصلوا على البركة المزدوجة بنفحته وبالدماء.
 
أنت الآن فى قلب الشارع الأخطر بالنسبة للكثيرين، وستبدأ معنا جولتنا داخل المدبح لنرى المشهد بوضوح من زوايا أكثر قربًا وأكثر اختلافًا وأكثر دفئًا.
 
جوا الشوادر حكايات.. الجزارة مهنة يتوارثها الأجيال والتركة ممكن تكون «علامة»
عالم مواز يشكلون فيه كواليسهم الخاصة، ويضعون فيه قوانين تعاملهم مع مهنة تجارة المواشى والجزارة، التى لا يعتبرونها مهنة موسمية مثلما يعتقد الكثيرون، فهم لا ينتظرون اقتراب عيد الأضحى ليعلنوا عن مهنتهم الدائمة التى احترفوها منذ أكثر من 70 عاما، فينصبون الشوادر وينتقون الأضاحى بعناية، ولكن بالطبع شوادر المدبح بالسيدة زينب لها تحضيرات خاصة، وقوانين لا يعرفها سوى سكان المنطقة والعاملين بها، من زاوية أكبر ترى المشهد مهيبًا، أصوات شجارات وأصوات مواشٍ، ووجوه هائمة تبحث عن مكان بالشارع الكبير لتفترش منه بضعة أمتار تسع أكل المواشى.
 
المدبح (1)
 
بخطى سريعة تفرضها عليك طبيعة الشارع المزدحم فى هذه الأيام، ستوقف عينيك مجموعة من الشوادر المتساوية فى المساحة قوامها الأساسى بعض الألواح الخشبية مربوطة بحبال ومثبت عليها «طوالات» لطعام المواشى، ولا يخلو المشهد من «كنبة بلدى» ورثها «المعلم» عن أجداده يجلس عليها ليتابع حركة البيع والشراء.
 
جولة داخل مجموعة من الشوادر التى قلت أعدادها كثيرًا هذا العام، فى ظاهرة دخيلة على حال المدبح فى هذه الأيام، كما أكد العاملون هناك، بدأت بـ«شادر الحاج عيد غنيم» الذى تحدث عن استعدادات العيد هذا العام، وقال: إقامة الشادر هذا العام عليها ضوابط كثيرة، أهمها دفع 1600 جنيه للتصريح بعمل شادر للماشية خلال الأيام التى تسبق أول أيام العيد.
 
ويكمل عيد غنيم، الكهل الأربعينى، حديثه لـ«اليوم السابع»، عن مهنة الجزارة التى ورثها عن أبيه وجدوده بالرغم من تخرجه فى كلية الألسن إلا أنه يعاون أباه فى تلك المهنة التى يتشرف بها ومن بعده أبناؤه أيضاً، ويكمل حديثه عن العلاقة الغريبة بينه وبين ما يضم الشادر من ماشية فيصفها بـ«الأطفال» التى يراعيها فى التربية والتغذية والمعاملة، مضيفاً أن المدبح عبارة عن عائلات معروفة وموجودة منذ أكثر من 80 عاما يعملون فى تلك المهنة ويتوارثها أبناؤهم من بعدهم، تتأمل الماشية الموجودة لتلاحظ وجود بعض العلامات المتطابقة باللون الوردى فى الظهر، وبعد السؤال عن الهدف من تلك العلامات أوضح لنا عيد أن تلك العلامات هى واحدة من أسرار عديدة فى عالم الشوادر وتربية الماشية، حيث تحتفظ كل عائلة من عائلات الجزارة الشهيرة فى مصر بالعلامة الخاصة بها، والتى يتفق عليها بمرور السنين «بالمحبة»، وكأن آباءهم لم يورثوهم المهنة فقط، بل تركوا لهم تلك العلامات لتجعل لهم كيانا ووجودا خاصا فى سوق تجارة الماشية.
 
المدبح (7)
 
وتختلف تلك العلامات التى تميز ماشية عيد عن ماشية أى تاجر آخر من تاجر لآخر لتجد بعض التجار يقومون بتلوين ظهر ورأس الخروف وآخر يخلط لونين لتلوين الخروف.
 
ولم يكن الحديث مع عيد غنيم يشمل الناحية الاقتصادية التى تخدم البائع فقط، لكنه قدم نصائح للزبون يمكنه الاستعانة بها لشراء أضحية «ممتازة» ليقدمها تقرباً لله عز وجل وكانت تلك النصائح: 
 
أن يختار المشترى الخروف الذى يقف يأكل بنشاط ولا ينطوى فى أحد أركان الشادر.
أن تكون «لية» الخروف صغيرة الحجم لأن الخروف ذا «اللية» كبيرة الحجم يؤثر على تصفية اللحم واختلاط الدهون به.
 
اختيار الخروف السليم الذى لا يشوبه أى عيوب كالعرج أو أى إصابات أخرى.
أسرار وحكايات داخل شوادر الماشية فى منطقة السيدة زينب وأيام جهد وعرق يعيشها التجار فى ذلك الوقت، بالتحضيرات الخاصة وجلب الأعلاف لإطعام الماشية، وهى التى تضاعف ثمنها بحسب ما أكد «عيد غنيم».
 
المدبح (6)
 
«وشوش المدبح الجدعة».. «أم خالد» و«نحمده» قضتا حياتهما وسط «طشوت» «الكرشة» و«الفرية» و5000 جنيه مكسب العيد 
 
إذا أخذتك قدماك للمنطقة المحيطة بمدبح السيدة زينب ستجد نفسك وكأنك تخترق عالما غريبا من نوعه له طقوسه وتقاليده الخاصة، فبمجرد وصولك لمنطقة المدبح تنظر بعينيك بعيدًا لترى مجموعات من النساء يفترشن الأرض أمامهن «الطشوت والجرادل» يجلسن منهمكين بكل ما يمتلكن من تركيز لإتمام مهمة تنظيف «المومبار والكرشة» على أكمل وجه، تقترب لتزيل الستار عن هذا المشهد الذى يجذبك دون إرادة منك وكأنه مشهد سينمائى مكتمل الأركان من بعيد، تقترب من إحدى النساء التى تحتمى بشمسية صنعت من القماش لتقيها حر الشمس وقد وضعت أمامها «طشت» كبيرا ممتلئا بالماء والكرشة النظيفة الجاهزة على البيع.
 
إذا كنت واحدًا من المارة العاديين فى هذا الشارع من الممكن أن تصيبك الرهبة، وتخشى الاقتراب من تلك المرأة التى تجلس بهذا الشكل، تقترب لتتحدث مع «أم خالد» التى تجاوز سنها الـ60 عاما، فتجدها امرأة مصرية «قوية» عصبت رأسها بالإيشارب الأحمر، واتخذت من الأقراط بمختلف الأحجام والألوان وسيلة لتمييز شكلها، ولتصبح من أبرز العلامات المميزة فى منطقة مدبح السيدة زينب.
 
المدبح (4)
 
تتحدث أم خالد لـ«اليوم السابع»، عن مهنتها التى لا تعرف سواها منذ نعومة أظافرها، فكما تقول: «فتحت عينى عالدنيا لقيتنى بشتغل كده.. وهو ده مصدر رزقى الوحيد»، وتكمل أم خالد حديثها متحدثة عن موسم عيد الأضحى قائلة: «أنا بشتغل طول السنة، الرزق بيزيد فى العيد، آه.. بس دى شغلتى اللى معرفش غيرها».
 
وتتحدث أم خالد بنبرة غلب عليها الخوف على مصدر الرزق والشكوى عن الوضع الجديد الذى فرضه الحى بعكس ما كان يحدث كل عام، حيث إنها دفعت 1600 جنيه، من أجل الجلوس بهذا الشكل فى الأيام التى تسبق أول أيام العيد، طالبة من الحكومة أن تتركها وزميلاتها من نفس المهنة يبحثون عن مصدر رزقهن الوحيد منذ نعومة أظافرهن.
 
تتجول فى المشهد المحيط بك الملىء بالنساء اللاتى يفترشن الأرض منشغلات فى تنظيف اللحوم، لتجد نفسك قد دخلت فى حديث «من القلب للقلب» مع «نحمده ذكى صاحبة الـ55 عاما، والتى جذبتك للحديث معها بضحكتها الصافية ووجهها الذى ترك شمس السنين تمضى عليه كيفما تشاء».
فتتحدث «نحمده» لـ«اليوم السابع» عن مهنة تنظيف وبيع «المومبار والكبدة والكرشة» والتى تعمل بها منذ أن كان عمرها 6 سنوات فقط، وتتحدث بكل فخر أنها وحدها هى التى قامت بتعليم نفسها مهنة التنظيف بمتابعتها لأكبر أخواتها والتى تعمل أيضاً فى نفس المهنة.
 
وتكمل «نحمده» حديثها بوجه يشع رضا وصفاء أنهن نسوة لا يردن إلا البحث عن «لقمة عيش حلال» ويجلسن فى هذا المكان منذ سنوات طويلة بدلاً من الذهاب إلى المنطقة المحيطة بالمجزر الآلى والذى تواجهن فيه الكثير من العقبات من سكان تلك المنطقة وقلة الزبائن فيها.
 
أما عن زبائنها فتقول «نحمده» إنها «جزار البسطاء» حيث يعتبر البسطاء هم زبائنها والذين يقبلون على شراء تلك الأكلات بدلاً من اللحوم وأسعارها الغالية، وعن موسم عيد الأضحى تقول نحمده، إنها تبدأ يومها خلال تلك الفترة بتنظيف ما لديها من كبدة وكرشة ومومبار «بخليهم زى الفل» هكذا تسوق «نحمده» لبضاعتها وتجلس طوال اليوم تنتظر من يأتى لها لشراء بضاعتها «الطازجة»، تخرج «نحمده» من موسم العيد واحدة من أكثر الفائزات بإيراد يزيد على 5 آلاف جنيه تصرف منهم لفترة طويلة بعد انقضاء موسم العيد.
 
أم خالد ونحمده بعض النماذج للنسوة اللاتى يعملن فى تلك المهنة طوال العام، ولكن هناك وجه آخر لتلك المهنة ووجوه تخترق عالم «الحلويات على الأسفلت» فى موسم العيد فقط، فتجد بعض النسوة اللاتى يعددن العدة بالطشوت وأدوات التنظيف ليصطففن على جوانب الطريق بطول شارع المدبح لتنظيف تلك الأجزاء خلال فترة العيد، ولكنك لن تجدهن إلا فى أيام الذبح وأيام عيد الأضحى فقط.

مدد يا أهل البيت.. مائدة سيدى «على زين العابدين» لإطعام الفقراء طوال العام بالمدبح 

محسن محمد طباخ «بريمو» ترك العمل بالفنادق السياحية وتطوع فى الخدمة.. و«نفحات المريدين» والتبرعات القوام الأساسى لتمويل المائدة
 
«زاهدًا فيما سيأتى ناسيًا ما قد مضى» تحضر إليك هذه الكلمات فور رؤية وجهه البسيط ذا البشرة السمراء التى أنارها حب آل البيت وذكر الرسول صلى الله عليه وسلم، تدقق فى ملامحه التى ظهر عليها المشيب تجدها قد تزيد على سنواته الخمسين التى قضاها كـ«شيف» فى كبرى الفنادق بالقاهرة وشرم الشيخ، وبسحر كملة «مدد» وبنفحات سيدنا الحسين وولده على زين العابدين قرر محسن محمد البقاء بجوار ضريحه يشارك فى الخدمة مع عشاق آل البيت ويشرف على تحضير طعام المائدة التى تقدم طعاما للمساكين والفقراء طوال العام.
 
غرفة صغيرة تجمع بين أنواع الطعام الذى يقدمه مريدو آل البيت وعشاق سيدنا النبى، وكرسيان وثلاجة لحفظ الطعام، ومساحة لا تزيد على الـ4 أمتار، تنبعث منها رائحة الطعام الذى يجهزه محسن داخلها، ممزوجة برائحة البخور الذى تحمله نسمات الهواء الخارجة من مسجد «سيدى على زين العابدين» الكائن بأول شارع المدبح بالسيدة زينب، هذا هو المكان الذى ترك محسن حياته وأبناءه وعمله من أجل البقاء فيه دون أن يأخذ مقابلا ماديا.
 
بصوت هادئ فرضه عليه عمله على الرغم من تناقضه مع الأجواء المحيطة به بالمدبح، بدأ الكهل الخمسينى يحكى لـ«اليوم السابع» عن طبيعة عمله فى خدمة المائدة، وقال: كنت أعمل لمدة تزيد على الـ15 عاما فى فندق شهير بالقاهرة، ثم انتقلت للعمل فى فندق بشرم الشيخ، وأنا بالأساس دائم الزيارة لمسجد سيدنا الحسين والسيدة النفيسة ومسجد على زين العابدين ولدى عشق خاص لآل البيت، وعلمت أن القائمين على الخدمة يحتاجون لطباخ ليقوم بإعداد الطعام للمائدة التى تظل قائمة طوال العام، نقدم فيها 3 وجبات للفقراء والمساكين، ولأن زوجتى توفيت منذ بضعة أعوام وتزوج أبنائى، تركت عملى ومنزلى وقررت أن أتطوع فى خدمة آل البيت دون الحصول على أى مقابل مادى، فالشعور بالراحة الذى أجده فى إطعام الفقراء هو المقابل الحقيقى الذى يسعدنى.
 
وعن طبيعة عمله فى المائدة قال: أبدأ عملى فى السادسة صباحًا، أجهز وجبة الإفطار التى تتضمن «جبن وعيش وفول وبيض»، نحاول التنويع بينها طوال أيام الأسبوع، وفى تمام الـساعة 12 ظهرًا أقوم بتحضير وجبة الغداء التى تتكون من أرز ولحمة وخضار لمدة 4 أيام بالأسبوع، وباقى الأيام نقدم مكرونة أو فتة حتى لا يمل الناس، بعدها أبدأ فى إعداد وجبة العشاء التى تتكون من خبز وجبنة، وأضاف: «أهل الخير ومحبو آل البيت والقائمون على الخدمة يحضرون اللحوم ولوازم الطعام، وهناك أشخاص يتبرعون بأموال تخصص لإطعام الفقراء وأقوم بشراء الأغراض التى أحتاجها، وكل يوم أقرر نوع الطعام على حسب المتوفر لدى».
 
وعن استعداد المائدة للعيد قال: نبدأ تقديم أكل العيد بداية من يوم وقفة عرفات وأجهز لها الفتة واللحمة وحلويات المدبح مثل الكبدة والقلب والطحال، وفى أول يومين للعيد أجهز صوانى الفتة واللحمة من الصباح الباكر، وأضاف «أهم ما يميز المائدة أن هناك وجوها تأتى عليها باستمرار حتى إنها أصبحت مألوفة بالنسبة لى، كما أنها تضم الكثيرين من الفقراء من أهل المدبح ومن محبى آل البيت والزائرين الذى يأتون من مسافات بعيدة».
 
وتابع: «قضيت هنا سنة كاملة، وأشعر بالسعادة لجوارى لآل البيت، ولا أرغب فى أى شىء سوى أداء العمرة فقط».
 
أقدم تاجر سكاكين فى منطقة المدبح.. الأسطى عصام السنان ورث المهنة عن جدوده ويحلم بعدة جزارة «مصرية الصنع»
 
المدبح (5)
 
«الشىء لزوم الشىء» وكأن أحد المخططين جاء منذ سنوات قديمة إلى المنطقة المحيطة بمدبح السيدة زينب وقام بوضع كل ما سيحتاج إليه الزبون فى أماكنه المناسبة، فتجد هنا النساء يفترشن الأرض ينظفن أجزاء الأضاحى، وهنا الجزارين للذبح وهناك تجار السكاكين وأدوات الجزارة، لتمسك بمربط الفرس وأحد أهم التجار فى موسم عيد الأضحى، «عصام السنان» صاحب أقدم محل لبيع السكاكين وأدوات الجزارة فى منطقة المدبح، الأربعينى الذى ورث مهنة سن السكاكين وبيعها منذ أكثر من 80 عاما عن أبيه وجدود جدوده.
 
تلقى نظرة عامة على محله من الخارج لتجده قد جعل له بروازا كبيرا من السكاكين ذات الأحجام المختلفة فى شكل يجعل كل من يمر فى الشارع يجذبه ذلك الشكل المميز، وخارج المحل تجد جبلا من «الأورمة» الخشبية بمختلف الأحجام.
 
تدخل للمحل لتجده عبارة عن خلية نحل مكتظة بالنشاط والعمل والعمال المنشغلين فى الانتهاء من أعمالهم على ماكينات سن السكاكين دون توقف، يقف «عصام السنان» على ماكينة سن السكاكين والمقصات، تتطاير شظايا النار من الأدوات التى يقوم بسنها معلنة عن عرق ومجهود يبذله «السنان» على مدار يومه.
 
المدبح (3)
 
يتحدث عصام السنان لـ«اليوم السابع»، عما وصلت إليه المهنة التى ورثها عن جدوده منذ أكثر من 80 عاما، فيقول: شكل المحل اختلف بسبب قلة ضغط الشغل وببيع أدوات الجزارة طول السنة.
وأضاف عصام عن أسعار السكاكين حالياً: أسعار السكاكين زادت الضعف واستيرادنا للسكاكين زود الجمارك علينا»، مكملاً حديثه أن أسعار السكاكين ذات الأحجام الصغيرة تبدأ من 20 جنيها وتصل إلى 300 جنيه، مضيفاً أن السكاكين الصينى تغزو الأسواق المصرية ويتم استيرادها على أنها أدوات منزلية.
 
ويسرد عصام خلال حديثه أنواع الأدوات التى يقتنيها كل جزار وهى مجموعة من السكاكين المختلفة مثل «سكينة الدبح، سكينة التشفية، ساطور عريض، سكينة السلخ والتجويف»، بالإضافة إلى مسن حاد لسن الأدوات أثناء الذبح»، أما «الأورمة» فتبدأ من 20 جنيها، وتصل لـ250 جنيها» للحجم الكبير.
 
وعن الإقبال على شراء معدات الجزارة يقول عصام، إن الإقبال ضعيف عن كل عام فى موسم عيد الأضحى، ولكن الحال «تمام» لأنه يعمل فى تلك المهنة طوال العام.
 
ويسرد تجربته مع تلك المهنة لتلمس من خلال حديثة وكلامه «الموزون» أنه ذو نظرة خاصة فى تلك المهنة التى يعشقها منذ الصغر، فيتطرق خلال حديثه لنقطة مهمة تخص استيراد السكاكين من الصين ومن الدول الأخرى، فى حين أن المصانع المصرية قادرة على الاكتفاء الذاتى من تلك الأدوات، «نقدر نصنع أدوات جزارة تخلينا مانستوردش» بتلك العبارة طالب الأسطى عصام المسؤولين عن هذا الأمر أن يلتفتوا لأمر تصنيع السكاكين فى مصانع الجيش والمصانع الحكومية التى ستغنى التاجر المصرى والسوق المصرى عن الاستيراد وستعفيه من تحمل أعباء مصاريف الاستيراد من الخارج، مضيفاً أن المنتج المصرى لو نزل السوق «هيعيش ويغلب المنتج الصينى».
هيئة نحتتها شظايا السكاكين المتطايرة ومضت عليها خبرة الزمن ورجل عاشق لمهنته ويحلم بأن يراها فى أفضل حال بأيادٍ مصرية خالصة.
 
المدبح (2)

للحب فى المدبح وجوه أخرى

«اللى عنده خروف عنده وليف».. أقدم جزارى المدبح يتحدثون عن حياتهم مع المواشى.. غلاوتهم من غلاوة «عيالنا».. وخبرتنا أحسن من «الدكاترة البيطريين»
 
فى خلفية لأصوات مأمأة الخراف ورائحة «التبن» المنبعثة من كل ناحية، يجلس الحاج حسين وسط قطيع الغنم يتابع بعينه حركات الصبيان ونزول الخرفان من السيارات ومدى تقبلها للطعام وسير حركتها، بسهولة يلحظ الخروف المريض ويسارع فى جلب العلاج له، وبنظرات الأب لأبنائه وبلمسات حانية يشاهد الحاج حسين الغنم تكبر يومًا تلو الآخر، يحاول مداعبتها واللعب معها ويخشى أن يصيب أحدها مكروها.
 
أكثر من 40 عاما قضاها الحاج حسين وسط الخرفان فى المدبح حتى أصبح واحدًا من أقدم جزارى المدبح، يقضى يومه وسط أصدقائه الذين تربطهم به مهنة الجزارة وعشق المواشى بشكل عام والخرفان بشكل خاص، يتابعون معًا أحوال المدبح ويتولون رعاية الخرفان رغم أعمارهم التى تجاوزت الخمسين بأعوام ليست بالقليلة، وقبل أيام من عيد الأضحى رفعوا حالات الطوارئ، ونقلوا مكان إقامتهم ليكون وسط المواشى.
 
«طول عمرى فى المهنة، والسنة دى الأسعار زادت أكثر من الضعف» هكذا بدأ الحاج حسين حديثه بنبرة ثابتة لـ«اليوم السابع» عن حياته التى قضاها فى مهنة الجزارة وتجارة المواشى، الأمر الذى أعطاه خبرة تفوق خبرة الطبيب البيطرى حسبما أكد، وأضاف: «اللى بيعيش وسط الخرفان يحبهم ويحس بألفتهم، والسنة دى معدل الشراء قل بنسبة 50%، لأن سعر لخروف اللى كان بـ2000 جنيه بقى بـ4000 جنيه».
 
وفى زاوية أخرى بعيدًا عن الناحية الاقتصادية تغيرت طبقة صوت الحاج حسين لتكون أكثر هدوءًا وحنانًا، وكأن أبا يتذكر مراحل نمو طفله أمام عينه، وكان حديثه وصديقاه الحاج محمود والحاج مسعد أبو السعد عن الرابط الوجدانى الذى ربط بينهم وبين المواشى، وعن الجانب الخفى فى حياة هذه المخلوقات، وقال الحاج محمود: «الخروف أو العجل زيه زى الطفل، لازم تحايله لو تعب تديله الدواء للصداع أو الرشح أو الإسهال، وتفضل معاه خطوة بخطوة لحد ما يفوق، ده غير إنه وفى وأليف جدًا، واللى مش كتير يعرفوه إن العجل اللى بتربيه ست غير اللى بيربيه راجل، العجل اللى بيتربيه ست بيبقى أليف شارب حنيتها وتلاقيه يلف وراها منين ما تروح، وده لما بيجى بتدبح بيبقى شقى لأنه بيرفض أى حد يعتنى بيه غيرها، وعشان كده لازم يتغمى لما ييجى يتدبح».
 
وبصوت هادئ أخذ الحاج مسعد طرف الحديث وقال: «الخرفان سترة» مشيرًا إلى أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان محبا للغنم حتى إنه قال لإحدى الغنم «ربنا يسترك ويستر اللى وراكى» وذلك لأن جسمها مستور ولا يمكن أن يرى أحد عورتها، على عكس النعاج، وأضاف: «اللى عنده خروف عنده وليف ميغدرش بيه» مشيرًا إلى أن النساء فى الأرياف يتبركن بالمواشى، ويرفضن ذبحها أو بيعها طالما مستمرة فى تناول الطعام لأنها تزيد من بركة البيت وسترته.
 
عاد طرف الحديث مجددًا إلى الحاج محمود وبدأ يتحدث عن طبيعة المراعى المصرية الخاصة بالمواشى وقال «المرعى المصرى نمرة 1»، مشيرًا إلى أن المواشى فى مصر مصدرها 3 أماكن هى: الإسكندرية ومرسى مطروح والصعيد، وتنتمى مواشى الإسكندرية ومطروح لفصيلة «البرقى» أو «الدرناوى» أما الصعيد فتعتبر سوهاج من أشهر المدن فى تربية المواشى ذات الجودة العالية وتنتج المواشى «البلدى».
 
ثم انتقل بحديثه إلى الأضحية والشروط التى يجب توافرها فى الجزار الذى سيتولى ذبح الأضحية، وقال «لازم يبقى جزار ابن جزار ابن جزار» بالإضافة إلى أنه لابد أن يأخذ إذن أهل الذبيحة، وأن يبدأ بـ«بسم الله الله أكبر» ويذكر اسم صاحب الأضحية، كما أنه لابد أن يتصف بالهدوء والثبات حتى لا يشعر العجل أو الخروف بالخوف، ولابد أن يذبح الخروف بضربة سكين واحدة فقط، وضربتين للعجل.
 
ساعات قليلة قضتها «اليوم السابع» وسط أجواء أخرى، لتعكس من خلالها مشاهد دافئة الجانب الإنسانى من حياة أقدم جزارى المدبح وسط مواشيهم.
 
الحاجة نفيسة تقدم الأكل البيتى فى فرشتها على حسب فصول السنة.. «العدس والمحشى» دفء فى الشتاء والطبق بـ3 جنيه.. والصيف مخصص «للطعمية والبطاطس والباذنجان المخلل»
 
تدق الساعة السادسة صباحًا تبدأ فى تقشير البطاطس وتجهيزها للقلى، وفى ثوان معدودات ترتدى عباءتها السوداء التى يتغير لونها سريعًا مع بدء العمل فى «فرشة» الطعمية والباذنجان، تسرع خطواتها لتلحق بشراء الخبز الصابح وعجينة الطعمية، وقبل أن تمر 30 دقيقة من بدء استيقاظها تكون الحاجة نفيسة محمد السيدة الستينية على فرشتها تستقبل زبائن المدبح بالسيدة زينب.
 
بقايا ألواح خشبية ومجموعة من الجرادل القديمة وبعض الأقفاص المستعملة كونت منها الحاجة نفيسة قوام فرشتها التى تحسبها هيكلا لعربة من النظرة الأولى، تدخل إلى هذا الهيكل تجدها تجلس على لوح من الإسفنج مثبت على مجموعة من الوسائد البالية، وأمامها مجموعة من الأطباق والصوانى الألومنيوم بعضها يحوى «باذنجان مخلل»، وأخرى تحوى أصابع البطاطس، التى تبيعها فى المدبح منذ 4 سنوات.
 
المشهد السابق كان من زاوية قريبة داخل «فرشة» الحاجة نفيسة، التى تقدم الوجبات البسيطة فى فصل الصيف، لكن الوضع داخل هذه «الفرشة» يتغير كليًا فى الشتاء، وبابتسامة واسعة بدأت الحاجة نفيسة تسرد قصتها مع العمل على هذه الفرشة وقالت: أنا من سكان المدبح واشتغلت على العربية من 4 سنين، فى الشتاء بعمل عدس ومحشى كرنب وببيع طبق العدس بـ3 جنيهات، والـ3 صوابع محشى بجنيه، أكل بيتى ونضيف والناس هنا بتحبه، رجالة وشباب كتير شغالين هنا بيبقى نفسهم فى لقمة كويسة وبييجوا كلهم ياكلوا من عندى عشان أساعد ولادى على المعيشة، وأضافت: «فى الصيف بقى بعمل البطاطس المحمرة والطعمية والباذنجان، والناس كلها بتحب الباذنجان بتاعى سواء المخلل أو المقلى، لأن الصيف بيحب الأكل الخفيف وسعره كويس ومناسب للغلابة».
وبنبرة لا تخلو من الحزن قالت: «كل حاجة غليت ومش عارفين نعمل إيه، أنا ساعات بعمل عجينة الطعمية فى البيت، بس صحتى على أدى وببقى مستعجلة، فبقوم أشتريها من مطعم، حتى العيش بشترى بجنيه من بطاقة التموين، وبـ5 جنيه على حسابى عشان الناس تاكله مع الطعمية والبطاطس، وأهو الحمد لله ربنا بيكرم باللى فيه النصيب»، وتابعت «نفسى أشوف ولادى بخير ويلاقوا شغلانة كويسة، لأن البنات اتجوزوا لكن الصبيان هم اللى شايلة همهم».
 
كلمات صادقة قالتها الحاجة نفيسة وهى تعد وجبات يراها أهل المدبح الأشهى والأجمل رغم بساطتها، ويتناوبون توزيع السلامات عليها وكأنها أم وجارة وصديقة لكل من يمر بالشارع.
 









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة