كانت الساعة الثالثة من بعد ظهر يوم 3 أغسطس «مثل هذا اليوم» من عام 1990، حين دخل الأمير بندر بن سلطان سفير السعودية فى أمريكا، مكتب مستشار الرئيس الأمريكى للأمن القومى الجنرال برنت سكوكروفت فى البيت الأبيض.
كان الغزو العراقى للكويت مضى عليه يوم «راجع ذات يوم 2 أغسطس 2017»، وحسبما يؤكد محمد حسنين هيكل فى كتابه «حرب الخليج.. أوهام القوة والنصر»: «فور أن جلس الأمير بندر عاجله «سكوكروفت» بالقول: إننا لم نتلق ردا من الملك فهد حتى الآن على طلبنا بإرسال طائرات إلى السعودية، ثم إن الرئيس جورج بوش «الأب» اتصل بالملك أمس واليوم، ولكن الملك يتخذ موقف الصمت فيما عدا إظهار غضبه على صدام حسين وهذا لا يكفى».
رد بندر طبقا لهيكل: «إننى بصراحة أستطيع أن أفهم موقف الملك، المشكلة أنكم تسحبون أصدقاءكم وراءكم، ثم تتركوهم مرات فى منتصف الطريق، نحن نريد أن نضع أيدينا فى أيديكم، وإنما ما الذى يضمن أنكم سوف تستمرون إلى النهاية، ولا تتركونا وحدنا أمام الأعداء، هذا وضع جربناه معكم من قبل»، وراح «سكوكروفت» يؤكد لبندر أن الرئيس بوش عازم على المضى حتى النهاية، وأنه لأسباب تتعلق بالبلاد «أمريكا» وبالإدارة وبالرئيس شخصيا سوف يمضى فى سياسة ضرب العراق وتصفية مركز صدام حسين إلى النهاية».
فى هذه اللحظة دخل «بوش» بنفسه إلى مكتب مستشار الأمن القومى، ووفقا لهيكل قال لبندر: «علمت أنك هنا فى مكتب برنت، وقلت أمر وأسمع منك وأتحدث معك»، ويضيف هيكل: «لم يضيع بوش وقتا فى التحيات أو المقدمات، فاتجه إلى صميم الموضوع الملح عليه، وقال لبندر: إن الكويت لم تطلب مساعدتنا إلا قبل نصف ساعة فقط من سقوط بلدهم فى أيدى العراقيين، فهل تنوون أيضا أن تنتظروا إلى هذه اللحظة؟، وعاد بندر يكرر على بوش نفس ما قاله من قبل لـ«سكوكروفت»، وفجأة اتخذت ملامح بوش تعبيرا جادا فقال لبندر: اسمع، إننى أعطيك كلمة شرف أننى سوف أتابع هذا الأمر إلى النهاية»، ثم أضاف: «نحن مستعدون، وقد اتخذت القرار، ولا رجعة فيه مهما حدث»، ومضى بوش بعد ذلك خطوة فى سبيل طمأنة بندر، فطلب من مستشاره للأمن القومى أن يتصل بوزير الدفاع ويرتب لـ«بندر» أن يطلع على الخطط، واتصل المستشار بـ«ريتشارد تشينى» وقال له: «الرئيس يريد أن يطلع بندر على الخطة حتى يطمئن، ودعه أيضا يشاهد صور الأقمار الصناعية».
يواصل هيكل: «توجه بندر إلى مكتب تشينى فى البنتاجون على الفور، وكان تشينى قد دعا كولن باول رئيس الأركان إلى لقائه ومعه بندر فى غرفة العمليات، وهناك عرض «باول» الخطة «1002 - 90»، وعدد القوات التى ستستخدم فيها: 4 فرق - 3 حاملات، قوة جوية تقارب 800 طائرة، وسأل بندر عن عدد الأفراد الذين تضمهم هذه القوة، ورد عليه باول: «من 100 إلى 200 ألف»، فأطلق بندر صفيرا من بين شفتيه، وقال: «هذا كلام جدى»، وعقب باول: «جدى جدا، لكنه بدون قاعدة على الأرض يصبح هزلا».
على أثر ما سمعه وشاهده بندر اتصل بـ«سكوكروفت» يؤكد له أنه قرر أن يذهب بنفسه إلى السعودية لكى ينقل صورة لما رأى وسمع، وقال: «لا الرسائل ولا البرقيات يمكن أن تؤدى دورا مفيدا فى هذه اللحظة، فهو يشعر أن المملكة تحس بحالة عرى كامل إزاء الموقف الذى واجهته، فالأسرة والدولة فى حالة انكشاف، وكلهم مصاب بالخوف والهلع وعاجز عن اتخاذ قرار»، ويؤكد هيكل: «اتصل بندر بالملك يستأذنه فى القدوم إلى جدة ليشرح له بنفسه بعض الأمور الهامة، وكان رد الفعل الأول لدى الملك أن يطلب إلى بندر أن يظل فى واشنطن ليتابع: ولكن بندر ألح قائلا: الإخوان هنا يريدون أن يسمعوا منا، فرد الملك بنفاذ صبر: المهم قبل أن يسمعوا منا أن يعرفوا ويدرسوا جيدا موقفهم».
وافق «فهد» على أن يترك سفيره موقع عمله فى هذه اللحظات، وسافر بندر، ولكنه قصد أولا إلى المغرب، حيث كان والده الأمير سلطان يقضى إجازة بعد عملية جراحية أجراها فى ركبته فى سويسرا، وفى الدار البيضاء شرح بندر لوالده بعض ما رأى وسمع ثم التقى الاثنان بالعاهل المغربى الملك الحسن الثانى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة