أعلنت فرنسا القبض على العاهل المغربى السلطان محمد الخامس ونفيه وأسرته إلى جزيرة كوستاريكا يوم 20 أغسطس «مثل هذا اليوم» من عام 1953، فانفجر برنامج «صوت العرب» فى القاهرة، وقاد التحرك الإعلامى تأييدا للعاهل المغربى، وضد قرار فرنسا، حسب تأكيد فتحى الديب ضابط المخابرات المصرية ومسؤول الدائرة العربية فيها، وذلك فى مذكراته «عبدالناصر وثورة الجزائر» عن «دار المستقبل العربى- القاهرة».
أسس «الديب» إذاعة صوت العرب، وبدأت كبرنامج لمدة نصف ساعة يوميا من 4 يوليو سنة 1953 برئاسة الشاعر صالح جودت، ثم تحول البرنامج إلى محطة إذاعية بعد شهور قليلة وتولى رئاستها المذيع الشهير «أحمد سعيد»، وغطت شهرتها كل الدول العربية بمساندتها لحركات التحرر العربية، ويروى «الديب» قصة نشأتها فى كتابه «عبدالناصر وتحرير المشرق العربى» عن «مركز الأهرام للترجمة والنشر- القاهرة».
كان خلع فرنسا لمحمد الخامس، ونفيه إلى كوستاريكا ثم نقله إلى مدغشقر بأفريقيا هو أول مواجهة إعلامية من صوت العرب ضد الاستعمار فى المنطقة العربية، ويروى أحمد سعيد قصة هذه المواجهة فى مذكراته غير المنشورة، وقمت بالاطلاع عليها ومراجعتها، ويذكر فيها، أنهم كانوا يتلقون فى الإذاعة أخبارا عن وجود تمرد ضد سلطان المغرب، وقيام بعض القبائل بالحشد حول قصر السلطان فى الرباط، وبدت هذه الأخبار وكأن فرنسا بعيدة عن الموضوع، وعندما وصلنا الخبر اتصلنا فورا بعلال الفاسى المقيم فى القاهرة ورئيس حزب الاستقلال المغربى وعضو مكتب تحرير المغرب العربى التابع لجامعة الدول العربية لنفهم منه الحقيقة، فقال لنا إن فرنسا تريد أن تجبر محمد الخامس على أن يصدر ما يسمى فى المغرب بـ«الظهائر» وهى مراسيم بقوانين تمنح حقوقا دستورية قانونية للفرنسيين فى المغرب يتحكمون بها فى البلاد أكثر من الشعب المغربى، ورفض المغاربة والسلطان هذا الأمر، فاستعانت السلطات الفرنسية بعملائها، وعلى رأسهم «التهامى الكلاوى» باشا مراكش الذى حاصر رجاله قصر الملك فى الرباط، وكانت تلك بداية الأزمة، التى بلغت ذروتها يوم 20 أغسطس بقرار النفى، وازدادت سخونة بخروج الجماهير غاضبة أثناء مغادرة موكب السلطان لقصره محاطا بالحراسة المسلحة هو وأسرته إلى المطار، وسقطت امرأة مغربية شهيدة أثناء ذلك.
أذاع «صوت العرب» أخبار الأزمة منذ بدايتها باعتبار أنه برنامج مهتم بالأخبار والقضايا العربية، لكن وحسب «سعيد»: «احتاج نفى السلطان إلى مراجعة قادة ثورة 23 يوليو 1952»، ويذكر «الديب» أنه ذهب لاستطلاع رأى جمال عبدالناصر «لم يكن رئيسا بعد»، فقرر: «وقوف صوت العرب إلى جانب قضية الشعب المغربى ولصالح الملك»، ويتذكر سعيد: «تم استدعاؤنا إلى مجلس قيادة الثورة، ونوقش الموضوع أمام عبدالناصر، وقرر أن نؤيد محمد الخامس»، ويضيف: «كانت الساعة حوالى الرابعة عصرا، وكان موعد بث البرنامج من السادسة مساء إلى السادسة والنصف، وأذعنا فيه أول تعليق لصوت العرب رغم أننا لم نكن نذيع تعليقات. وكان تعليقا قصيرا مدته 3 دقائق، بعنوان «نداء القاهرة»، ووجهه علال الفاسى إلى شعب المغرب يطالبه فيه بالثورة».
استمر «صوت العرب» على أدائه المساند لمحمد الخامس ونضال الشعب المغربى، ويذكر «سعيد» أنه فى يوم من الأيام تلقى من حراس الإذاعة خبرا بوجود سيدة تصر على مقابلتى رافضة ذكر أى سبب، وصعدت السيدة إلى مكتبى وعرفتنى بنفسها «فاطمة الزهراء حميرى» من مدغشقر ومن أصول يمنية، وتعمل ممرضة لمحمد الخامس فى منفاه، وأنها فى طريقها إلى أداء الحج، وتحمل ثلاث رسائل من محمد الخامس تحفظها شفهيا، الأولى لصوت العرب، ويطالب فيها بأن نهاجم «الكلاوى» المتعاون مع فرنسا، ولأنه أمازيغى فعلينا أن نشيد فى نفس الوقت بالأبطال المغاربة الأمازيغ الذين يقاومون الاستعمار، وكانت الرسالة الثانية لشيخ الأزهر خضر حسين «تونسى الأصل» يطالبه فيها بالتدخل لحل مشكلة الطلاب المغاربة الدارسين فى الأزهر ومنعت عنهم حكومة الكلاوى مرتباتهم الشهرية، ويؤكد «سعيد»: «أبلغت شيخ الأزهر وجمال عبدالناصر بالمشكلة وتم حلها»، أما الرسالة الثالثة فكانت لجمال عبدالناصر، ويعبر فيها محمد الخامس عن شكره لعبدالناصر لأنه عرض مصر لعداء فرنسا بدعمه لثورة المغرب واستمرار هذا الدعم.
يؤكد سعيد، أن عبدالناصر رد على الرسالة بأن بعث لمحمد الخامس بكتاب «المنتخب فى تفسير القرآن الكريم»، وكتب عليه إهداء «وبشر الصابرين»، وحملته فاطمة الزهراء معها فى رحلة الحج برفقة والدتها، وخاضتها من مدغشقر إلى دار السلام بتنزانيا، فالقاهرة، ثم السعودية، ثم عادت من السعودية إلى القاهرة إلى دار السلام فمدغشقر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة