أحمد مصطفى، فنان سكندرى مصرى عالمى مبدع، يراهن على الخالد فى الإبداع، ويؤكد أن وعى الفنان بما يفعله هو أساس التميز، سيتم الليلة تكريمه فى ملتقى القاهرة الدولى للخط العربى.
ويعتبر الفنان أحمد مصطفى أن 1966 عندما حصل على جائزة عيد العلم من الرئيس جمال عبد الناصر هى بداية انطلاقه، وفوزه سنة 1973 بمنحة دراسية لمواصلة الدراسات العليا فى التصميمات المطبوعة من الكلية المركزية للفن والتصوير بانجلترا بدية الاختلاف، اهتم أحمد مصطفى بهندسة الخط العربى وأسماه "فن الإسلام" وتميز فيه وأصبح عالميا بامتياز.
"اليوم السابع" استضاف الفنان العالمى صاحب كتاب الخط الكونى، وحاوره حول الفن والمؤسسات والقيم الإبداعية والثورة وحرية الإبداع ومستقبل الخط العربى، وفى بداية الحوار أبدى أحمد مصطفى، إعجابه بتجربة "اليوم السابع" الصحفية، مؤكدا أن هذه هى أول مرة يذهب إلى محاورة صحفية منذ 43 عاما، ولما كان مصطفى قضى معظم حياته فى بريطانيا متعلما للفن ثم ممارسا له ومعلما إياه، فإنه أوضح أنه خلال الفترة السابقة أصبحت زيارته لمصر أكثر مما كانت عليه سابقا، وذلك لأنه انتهى من نشر كتابه "الخط الكونى"، وكان فى مرحلة إعداده ملتزما بشكل شخصى يكاد لا يذهب إلى أى مكان، ثم كافأ نفسه بعد ذلك بالمجيء لمصر.
وتوقف "مصطفى" من خلال تجربته، أمام العلاقة بين المصريين ووطنهم، واعتبر أن المواطن المصرى عندما يعيش خارج مصر فإن علاقته بها تنضج أكثر، لأنه يرى وطنه بعين الطائر، مما يجعله يبصر أشياء لم يكن يعرفها من قبل.
ويشرح أحمد مصطفى ذلك قائلا: "كنت فى صغرى شغوفا بالحركة الغربية وبرجالها وما يحدث فيها، وعندما ذهبت إلى بريطانيا لدراسة الفن، اكتشفت أن إعجابى كان مبنيا على رمال متحركة، والأمر ليس له علاقة بالمقارنة، لكن الأمر له علاقة بتدخل الخيال فى سد الكثير من الثغرات، لذا أرى أن الإدراك القيادى فى مصر ليس لديه الوعى الكافى لفهم خيال الشباب الراغبين فى الهجرة، ويلقى دائما باللوم عليهم، متجاهلا أنهم بحاجة لخوض التجربة حتى يعرفوا بأنفسهم قيمة الوطن".
وفيما يتعلق بالحركة الفنية فى مصر قال مصطفى، الحركة الفنية فى مصر متردية جدا، وذلك ليس لندرة الموهبة، فمصر ممتلئة بالموهوبين، حتى أن رجل الشارع العادى ممتلئ بطاقة فنية، وكل شخص فى مصر هو كون فى حد ذاته، لذلك فإن خياله مشتعل دائما، لأن لديه نسق داخلى يعود إليه، لكن هذا التردى يعود لسبب خطير جدا هو تقييد حركة الفن بالمؤسسة.
وطالب "مصطفى" بوجوب أن يكون هناك تقارب للوصول لتعريف يتعلق بالمناخ الحر اللازم للإبداع، لأن عدم وجود ذلك التعريف سوف يجعل كل الأشياء تتداخل وتفسد بين الفن والإبداع وتقاليد المجتمع والسياق العام، وللأسف عوامل فرز الإبداع فى العالم الثالث بيد المؤسسة، وغياب الجانب النقدى المحترم صنع هذه الأزمة.
ويؤكد الفنان أن فى مصر مشكلة الفن أنه يرتبط لدينا بالمؤسسة، على عكس الموجود فى الغرب، وللخروج من ذلك هناك طرق عديدة لكشف الإبداع الحقيقى منها تكوين فريق نقدى، يكون قادرا على اكتشاف الثمين من الغث فى الأعمال المقدمة، ونحن لدينا الكثير الذى نبدأ منه فالأمم تنهض على اللاشىء أما نحن فلدينا مخزون قوى من التاريخ، لذا فإن البحث عن الأسلوب مهم وضرورى وما ينقصنا هو التجانس.
ورأى أحمد مصطفى أن المعضلة الكبرى التى نعانى منها هى "ثقافة الختم" وقال بأننا "نحن صناع الأختام" كل شيء حتى الفن لا يمر سوى بالروتين.
وفيما يتعلق بحرية الإبداع، وسجن المبدعين، رأى صاحب "الخط الكونى" أنه أمر مؤسف لجميع الأطراف، أى لكل من الساجن والمسجون، والبعض يجدون أنفسهم فى ورطة دون التخطيط لذلك، وبالمجمل يمكن القول إن عظمة نجيب محفوظ أنه قال ما يريد دون أن يخدش الحياء، وعلى المستوى الفن التشكيلى سألت نفسى بعد النكسة 1967 كيف يمكن أن أقول ما أريده بعيدا عن "المساءلة".
وقدمت ذلك فى رسمه بعد النكسة جاءتنى فكرتها عندما رأيت قططا تلتهم "ديكا" ميتا ملقى فى قمامة بينما علبة "سمنة" عليها صورة لـ فلاح يشاهد ذلك وغير قادر على فعل شيء فى هذه اللحظة رأيت اللوحة "كاملة" وأسميتها (قطط حول صفيحة زبالة) وبخصوص هذه اللوحة تم استدعائى من قبل الأمن، لكن فى المجمل رأيى يقوم على أساس أن الفنان لا يدخل فى حرب مع طواحين الهواء ويبدد طاقته، بل عليه أن يحدد أهدافه الإبداعية ويعمل عليها، وعليه أن يعتمد على المجاز لأنه قوة خطيرة جدا، كما أنه يحترم عقلية المتلقى، لأنه يقول له أنك فاهم وقادر على فك الشفرات.
وعن ثورة 25 يناير وما حدث بعدها كانت للفنان الكبير رؤية مفادها أن استطعام التنازلات هو ما يصنع الثورات أو هو الوقود الحقيقى لها، وأن جملة الجماعات الإسلامية خاصة الإخوان "الإسلام هو الحل" جملة ملغزة وليست واضحة، فأى إسلام يتحدث عنه، هل هو السنى أم الشيعى أم غير ذلك من تفسيرات تخصهم، أما 30 يونيو فهى شبه معجزة، وبالمجمل الناس تتحدث عن الحريات لكن لا تفهم معناها الحقيقى، ووصف أحمد مصطفى رؤيته العامة لمستقبل مصر بالمتفائلة.
وفى عودة للحديث عن الإبداع استخدم أحمد مصطفى جملة "هندسة الحروف العربية" ورأى أن العملية الإبداعية ليست مبارزة بين طرفين لكنها تحقيق لمعنى رحلة الإنسان على الأرض، واستخراج المعنى من كل شىء، والفن الذى لا يفعل ذلك يلقى فى القمامة، والمسلم الذى لا يعرف كيف يستفيد من الروحانية فى الإبداع لا يقول على نفسه فنان مسلم، وتابع مصطفى أن هناك ميزة كبيرة فى رؤية المصريين تتمثل فى أنهم يرون الجانب الروحى هو أعظم قيمة فى الحياة.
وفيما يتعلق بالخط العربى، الذى يعد أحمد مصطفى أبرز فنانيه على مستوى العالم، قال بأن الحرف العربى تنزيل من رب العالمين، وكتابى الخط الكونى يثبت قيمة الخط العربى ودوره، لكننا نعيش فى ردة ثقافية ونكتب الآيات القرآنية بخط تستحى منه مجلة بعكوكة، والمجتمعات المعاصرة حتى العربية تسعى لتجهيل الخط العربى، ويمكن القول بأن العصر المملوكى هو العصر الذهبى للخط العربى الذى هو فن الإسلام الأول، وبوجه عام هو عصر النهضة بالنسبة لهذا الفن، بعد ذلك العصر وانتصار الأتراك انتقل الفنانون لعاصمة الخلافة العثمانية، ومع ذلك فإن مقولة أن القرآن كتب فى تركيا "أكلشيه" وليست جملة حقيقية، وما لا يعلمه الكثيرون هو أنه بعد انهيار الخلافة الإسلامية 1924 وتأثر اللغة العربية وفنونها هناك عاد معظم الخطاطين إلى مصر.
وحكى أحمد مصطفى أن ما حدث فى تركيا من القضاء على الحرف العربى كاد يحدث فى الدولة العربية المحتلة ومنها مصر عندما حاول الاحتلال أن يجعل الحروف اللاتينية هى البديل عن شكل الحرف العربى، وهنا تذكر أحمد مصطفى "رينه جينو" وهو صحفى فرنسى جاء إلى مصر كان هدفه إجراء تحقيق صحفى حول الصوفية فى مصر لكنه أخبر المصريين بالتمسك بالخط العربى وفى أسلم وسمى نفسه عبد الواحد يحيى وهو معلم الشيخ عبد الحليم محمود شيخ الأزهر ، تعلم على يديه الصوفية.
وفيما يتعلق بعالميته تذكر أحمد مصطفى عام 1997 عندما قررت الملكة إليزابيث الثانية ملكة إنجلترا إهداء لوحته التى أبدعها بتكليف خاص بعنوان "حين يلتقى البحران" إلى شعب باكستان بمناسبة مرور 50 عاماً على إنشاء دولة باكستان، وسافر مع الملكة، وتم وضع اللوحة فى البرلمان الباكستانى، وصدى هذا العمل الحقيقى أنه دعى إلى الفاتيكان خلال إقامة معرض بالأكاديمية المصرية فى روما، وترتب على ذلك دعوة أخرى لإقامة معرض فى سراييفو.
وفى النهاية تحدث أحمد مصطفى عن عقيدة فنان الخط العربى ورأى أنها لا بد أن نتطلق من "التوحيد" الذى يعنى الخروج من الحادث والاتجاه للقديم، وفهم هذه العقيدة سيجعله يتأكد من "قدسية الحرف العربى" ونبه إلى نقطة أخرى مهمة هى أننا نتعامل مع فنون الإسلام بصفتها "تراث" انقضى وذلك خطأ، ويجب علينا أن ندرك الفارق بين متحف للفرعونية ومتحف لفن الإسلام.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة