تمنيت يومًا أن أهرول خلف " كرة مطاطية" كعداء يقفز نحو خط النهاية، تمنيت أن أحلق فى السماء بعد إحراز الأهداف لأسمع أهازيج التشجيع يهتفون لى بصوت يهز أرجائى " فارس بطل"، هى أمنيات رأيتها فى حلم ما بعد يوم شاق من اللعب، لكننى أدركت أنها فقط أمنيات لا تتعدى تلك الحدود.. لماذا يا صديقى لا تصدقنى أنا حقا بقدم واحدة لكننى لم أمت أنا حى مثلك أستطيع أن أجاريك فى لعبتى المفضلة، لماذا لا تصدقنى أننى سأهرول خلف الكرة وأحرزها فى الشباك، نعم أنا بقدم واحدة لكننى يا صديقى مازالت إنسان يستطيع فصدقنى.
بعكازين من الحديد يحتضنهما فارس صاحب الـ13 عامًا، لم يفكر يومًا أنه سيحمل أثقالا كثيرة بين ذراعيه ليمارس هوايته التى سرعان ما كان يترك كل شىء من أجلها، قدمين من حديد لا يتحدثان لكنهم يشهدهان على أن هذا الصبى يملك إرادة من حديد.
خطأ طبى يحول حياة أسرة بأكملها لمأساة ويقلب حياتهم تماما، الأب عاجز لا يستطيع العمل، والأبن الأكبر ذو13 عام مبتور القدم.
فارس أحمد كامل، صاحب الـ13 عامًا، الطفل الذى فقد ساقه اليسرى إثر خطأ طبى أثناء تضميد جراحه من حادث ألمّ به، رفض الاستسلام لإصابته وأكمل هوايته فى ممارسة كرة القدم، دون النظر لأى من عناصر الطبيعة التى تؤكد أنه لا يستطيع ممارسة هذه الهواية، بساق واحدة وعكازين يداعب "فارس" الكرة مراوغًا زملاءه يمينًا ويسارًا، مصوبًا إياها بكامل قوته حتى تسكن الشباك وسط ذهول جميع الحضور، فيحدثهم بثقة زائدة: " أنا هنا لأسجل الأهداف سأصبح لاعبآ بالمنتخب وسأحرز الاهداف".
وتعود قصة فارس كما يرويها والده، بعد أن تعرضا معآ لحادث سقوط من أعلى كوبرى الحوامدية خلال قيادة الوالد لدراجته النارية، فأصيب الطفل بكسر فى عظمة الساق مع وجود جرح استدعى علاجه بـ4 غرز، قبل أن يضعوه فى الجبس من القدم وحتى منطقة الحوض، وهو ما تسبب فى حدوث آثار جانبية، مستطردا: " كنت عايز أفرح وأنا رايح أجيبله الشهادة وعارف أنه نجح، بس حصلت الحادثة وكل شىء راح، المفروض كانوا يسيبوا فتحة شباك لتهوية الجرح بس جبسوها كلها مرة واحدة على الجرح، وكنا فى شهر يوليو مع الجو الحر ده عمل غرغرينا، فوديناه المستشفى تانى وأتعمل له بتر".
الأب نفسه لم يتسطع العمل مجددًا بمصنع البلاستيك الذى كان يعمل به منذ وقوع الحادث، وهو ما أثر بطبيعة الحال على أسرته المكونة من 3 أبناء، لتزداد هذه الأسرة بلاء فبعد أن فقد الطفل الأكبر للأسرة والذى يبلغ 13 عاما فقط قدمه، يأتى الدور على الأب ليفقد عمله بسبب نفس الحادثة، فيقول: "خرجت من المستشفى قولت أبنى يساعدنى لقيت أبنى هو اللى محتاج أنى أساعده، نفسى اشوفه زى الأطفال بيضحك ويرجع زى الأول".
مارس فارس كرة القدم باستمرار مع زملائه فى مراكز الشباب قبل يوم الحادثة، وبعد إصابته عانى فى بداية الأمر لرغبته فى ممارسة هوايته المفضلة بعد أن أصبح الآن بقدم واحدة، ضرب فارس مثالا للجميع بتحدى كل تلك المشاكل والأمراض والتغلب عليها، ليثبت للجميع أن الإعاقة ليست مطلقآ فى جسد إنسان، بل إن الإعاقة الوحيدة هى التى تقع فى عدم العمل والتغلب على الصعوبات، تغلب فارس على إعاقته ليصبح بطل قريته فينادوه بـ" فارس البطل".
استخدم فارس الطرف الصناعى محاولآ ممارسة هوايته المفضلة به إلا أنه سرعان ما تخلى عنه لوجود صعوبة كبيرة فى استخدامه، قائلا: " فى جهاز طرف صناعى نفسى أجيبه بس هو غالى"، ليجد فارس ملاذه فى عجازين يحملهما تحت اكتافه الصغيرة عنوة ليمارس هويته.
"هفضل أتمرن وهجتهد عمرى ما هييأس أبدا، أنا عايز أبقى حاجة كويسة فى المستقبل، هفضل ألعب كورة دايمًا برجل واحدة بايد واحدة هلعبها، نفسى أروح منتخب مصر وإن شاء الله هحقق حلمى"، هكذا يتحدث فارس عن طموحاته، مستطردا: " اللى فاكرين الإعاقة فى الجسد غلطانين اللى عنده إعاقة هو اللى مش بيفكر، أنا مش معاق أنا بطل".
وعلى الجانب الآخر ورغم إعاقته تمنى فارس أن يساعد جارته "ملك" ذو الثلاث سنوات والتى أصيبت من الأمراض بعد سقوطها من الطابق الثالث، والتعرض أيضا لخطأ طبى جديد، وهو ما يكشف عن الطبيعة الطفولية داخل فارس المليئة بالحب وتقديم الخير للغير.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة