ماذا يحدث حال تفكك الدول وانهيارها؟ ماذا يصيب الشعوب عندما تتحول الدول المستقرة إلى دول فاشلة وتنهار مؤسساتها المدنية والسياسية والعسكرية والاقتصادية؟، ونرى الدول العربية التى تفككت بفعل مخططات الخريف العربى ودخلت فى مصاف الدول الفاشلة يعانى شعوبها من مخاطر وأثار صحية واجتماعية وسياسية ليس فقط تقسيمها وانهيارها اقتصاديا بل ضمن أيضًا افتقاد شعوبها لعنصر الأمن والأمان.
أصبحت الدول المفككة والتى وصلت للانهيار ومنها: "لبيبا وسوريا واليمن" وغيرها من دول الربيع العربى، التى تشهد حالة كبيرة من الفوضى والتقسيم وانتشار الأوبئة، كل ذلك يرجع إلى هو غياب الدولة، أو انهيارها بمعنى أدق، وأصحبت أيضًا تلك الدول مسرحًا كبيرًا سواء للدول الخارجية أو التنظيمات الإرهابية مثل "داعش" وجبهة النصرة، ما شابه ذلك، ليس لديها جيش يحميها أو يحفظ أمنها فأصبح أهلها مستباحون لهولاء الإرهابيين.
"مش أحسن ما نبقى زى سوريا والعراق" جملة نسمعها كثيرا، ويرددها العديد سواء عن قناعة أو سخرية من الأوضاع الصعبة التى تمر بها مصر، على اعتبار أنها الأسواء فى العالم، لكن الحقيقة الكاملة تتكشف بجولة صغيرة بين تقارير المنظمات العالمية الصحية والإنسانية تجعلك تدرك أنها جملة حقيقة إجمالا وتفصيلا، نعم عزيزى القارئ كل ما نمر به من أوضاع اقتصادية وسياسية صعبة أفضل بكثير مما تمر به الدول العربية محل النزاع، التى لم تسلم من الجماعات المتطرفة والنزاعات المسلحة الداخلية، فما تمر به هذه البلدان من تفشى الأمراض ونقص الموارد الطبية والأدوية وانتشار الأوبئة يجعلك على يقين أن لهذا البلد رب يحميه، ولهذا البلد مؤسسات قوية تصمد أمام أى عدو داخلى أو خارجى يحاول تفتيتها، ولهذه البلد جهاز مناعة قوى متمثل فى شعب يتصدى بكل شراسة لمن يريد بها سوء.
"اليمن"
الحزين أول نماذج الدول المنهارة والمفككةومنذ احتدام الصراع القائم فى اليمن منذ سنوات وهى تمر بأسوأ أزمة إنسانية وصحية، حيث قدرت المنظمات العالمية عدد سكان اليمن الذين بحاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية بحوالى 19 مليون شخص مقيمين بالداخل، هذه الخلافات هى من دفعتهم الظروف لهجرة أوطانهم، نتيجة لحدة الصراع وانتشار الأمراض واستهداف القصف للمرافق الحيوية البلاد مثل المدارس والمستشفيات والأسواق والطرق وتدمير البنية التحتية من صرف صحى ومنظومة المياه والكهرباء، وغيرها من عوامل البؤس، التى ينتج عنها تدمير البلد والقضاء على حياة البشر بسبب انهيار مؤسسات الدولة وتفكيكها.
تفشى الكوليرا فى اليمن
وصفت تقارير منظمة الصحة العالمية تفشى الكوليرا فى اليمن بأنها أسوأ أزمة إنسانية وصحية يشهدها العالم خلال الثلاثة أشهر الماضية، فقد وصلت عدد الحالات المصابة بالمرض أكثر من 400000 مواطن يمنى منذ أكتوبر الماضى، أى حوالى 1400 يمنى يصاب يوميا بالكواليرا، نتيجة عدد من العوامل أهمها انهيار منظومة الصرف الصحى وانعدام وجود المياه الصالحة للشرب، مما خلق ظروفا مثالية لانتشار المرض، هذا بخلاف نقص الأدوية وتعطل المرافق الطبية.
وقالت المنظمة فى بيان لها صدر منذ أيام، إن هناك ما يقرب من 2000 حالة وفاة ناتجة عن تفشى المرض نتيجة سوء التغذية الحاد الذى يمر به المواطنون فى اليمن، كما أن هناك أكثر من 99% من المشتبه بإصابتهم بالكوليرا لا يستطيعون الحصول على الخدمات الطبية المطلوبة، وهو ما دفع المنظمات العالمية مثل منظمة الصحة العالمية ومنظمة اليونسيف والأمم المتحدة وغيرهم فى محاولات مستمرة للسيطرة على المرض من خلال الدفع بالقوافل الطبية وإنشاء مراكز صحية والحملات الطبية التى تمر على المنازل وإدخال الأدوية إلى اليمن، إلى أن الوضع لن يتحسن مع كل هذه الجهود وفقا للتقارير الدولية إلا مع توقف النزاع فى اليمن واستقرار الأوضاع السياسية وإعادة بناء المرافق الصحية.
وأوضحت التقارير، أن اليمن تحتاج حوالى 66.7 مليون دولار كل 6 أشهر للعلاج وإنشاء البنية التحتية التى ستدمر من جديد لو لم تستقر الأوضاع.
انهيار المؤسسات الصحية عرض أطفال اليمن لصراع بائس للبقاء على قيد الحياة
مزيج غاية فى القسوة يتذوقه يوميًا أطفال اليمن الذين يعانون ظروفا صحية ونفسية غاية فى السوء، فوفقا للتقارير العالمية يعانى حوالى 2 مليون طفل فى اليمن من سوء التغذية الحاد الذى يؤدى لضعف مناعتهم ويجعلهم أكثر عرضة للإصابة بالأمراض وهذا يفسر النسب الكبيرة لإصابة الأطفال بالكوليرا، حيث أن 46% من المصابين بالكوليرا هم أطفال دون الخامسة عشر، وهنا لن تستعجب أن عرفت أن 25% من نسبة الوفيات بسبب الكوليرا كانت للأطفال.
80% من أطفال اليمن فى حاجة فورية للمساعدات الإنسانية، وذلك وفقا لتقرير أعدته منظمة اليونيسيف بعد زيارة ميدانية قامت بها ممثلة منظمة اليونيسيف باليمن لبعض المستشفيات هناك ووصفت الأمر بأنه أكثر من البشع، فالوضع السيئ عموما بالنسبة للجميع هو وضع بالغ السوء بالنسبة للأطفال خاصة مع نقص الغذاء، وقالت ممثلة اليونيسيف، إن أغلب الأطفال يعجزون عن تجميع قوامهم من أجل التنفس، لافتة إلى أن هناك أمراض صغيرة يمكن القضاء عليها بقرص دواء مثل شلل الأطفال والحصبة وارتفاع الحرارة، إلا أن الظروف السيئة تقف ضدهم هذا بخلاف كارثة سوء التغذية التى تحول أجساد الأطفال لمطمع للفيروسات والبكتيريا والأمراض.
70% من الأدوية الضرورية غير متاحة
وفقا لتقارير منظمة الصحة العالمية، فإن 70% من الأدوية الضرورية غير متوفرة وهناك نقص كبير فى الأدوية الضرورية مثل أدوية الضغط والسكر والسرطان وهى الأمراض المنتشرة قبل الصراع، إلا أن نقص أدويتها جعلها أمراض قاتلة قد تودى بحياة أعداد أكثر مما يفعله الرصاص الحى مباشرة، وقامت المنظمة بإدخال ثمانية أطنان من الأدوية والإمدادات الأساسية، التى يحتاج إليها أكثر من 350000 شخص فى اليمن إلا أن الأزمة ما زالت قائمة بسبب تعرض المرافق الصحية للقصف بشكل مستمر وممنهج، وبسبب عجز المرضى عن تناول غذاء صحى أو شرب مياه صالحة وكلها عوامل تؤدى لمضاعفات خطيرة خاصة بين المرضى الذين لا تتوفر لهم المواد المنقذة للحياة وأساسيات الطوارئ كمذيبات الجلطات وإسعافات الجروح والحروق والكسور وغيرها من الإصابات الطارئة.
55% من المرافق الصحية توقفت عن العمل تماما والأطباء فى هروب مستمر
وقدرت منظمة الصحة العالمية المرافق الطبية التى توفقت تماما عن العمل بحوالى 300 مرفق، حيث قالت المنظمة، إنهم تعرضوا لانهيار كلى، وتبلغ نسبة هذا العدد بـ55% من إجمالى المرافق الصحية فى اليمن والنسبة المقدرة بـ45%، التى مستمرة فى العمل لا تعمل بكامل طاقتها نظرا لكل ما تم سرده من نقص أدوية وتفشى أمراض وقد أعدت المنظمة تقريرا عن عدد الأطباء مقارنة بعدد المرضى قالت فيه إن هناك ثلاثة أطباء لكل 10000 مواطن وهى نسبة ضئيلة للغاية، حيث أن المعدل العالمى لـ10000 مواطن هو 40 طبيبًا وفقا للتقديرات العالمية المعترف بها فى الظروف العادية، فما بالك ببلد تنتشر فيه الأوبئة وتقل فيه الأدوية، ونقص سيارات الإسعاف.
يزداد الوضع الصحى فى اليمن سوء بسبب عامل آخر وهو هروب الأطباء منها، حيث أن الحكومة توقفت تماما عن دفع أجور 30 ألف عامل من العاملين فى المجال الصحى من أطباء وممرضين وعاملين، منذ ما يقرب من عام، مما دفع عدد كبير من الأطباء لمغادرة اليمن، منهم من هاجر بحثا عن الرزق ومنهم من هاجر بحثا عن الأمان ومنهم من أراد لعائلته حياة كريمة بعيدا عن القصف والنار، لكن ما زال عدد صغير من أطباء اليمن يعملون هناك رغم كل هذه الظروف إلا أن وجود هؤلاء غير كاف وهو ما يدفع المنظمات العالمية لإرسال القوافل الطبية بشكل غير مستمر نتيجة الصراع المستمر الذى تشهده البلاد.
التوتر والخوف يدفع المقيمين باليمن للإصابة بالوسواس القهرى
سماع دوى الانفجار يوميا أمر ليس بالهين، فالمعرضين لمثل هذه الظروف معرضون للإصابة بالأمراض النفسية مثل: التوتر والقلق والفوبيا والاكتئاب والأرق المزمن والإجهاد الناتج عن الصدمات وكلها أمراض تدفع اليمنيين للإصابة بالوسواس القهرى، وذلك وفقا لتصريحات صحفية أدلى بها الدكتور محمد الخليدى، الطبيب النفسى اليمنى، الذى قال إنه يستقبل يوميا مئات الحالات التى تمر بأزمات نفسية عديدة وحادة لدرجة أنه هو نفسه كطبيب أصبح على وشك الإصابة بمرض نفسى، وأنه يفكر جديا فى مغادرة اليمن، لأنه لو تحمل الضائقة المالية وعدم الحصول على راتبه وتحمل العمل لساعات طويلة جدًا يوميا كيف سيتحمل صوت القنابل المتتالى، وكيف سيتحمل هذا العدد من المرضى النفسيين وهو على يقين أن حالتهم صعبة ومستعصية، وتشير التقديرات العالمية إلى أن 10% على الأقل من المواطنين المقيمين وسط النزاع المسلح وفى مناطق مضطربة سياسيا وبها حروب وصراعات معرضون للإصابة بأمراض نفسية كثيرة للغاية، كما أنهم معرضون لتطور هذه الأمراض لتصبح أمراض مزمنة لا يستطيعون بعدها ممارسة حياتهم بشكل طبيعى بل أنهم لا يستطيعون القيام بالأنشطة اليومية العادية مثل العمل ومشاهدة التلفاز والجلوس مع الأسرة وغيرها من الأنشطة الحياتية.
اليمن على حافة المجاعة
هل تتخيل عزيزى القارئ أن أكثر من 60% من سكان اليمن يعيشون يوميا حالة من عدم اليقين بأنهم يستطيعون الحصول على وجبتهم القادمة فى اليوم، وذلك بسبب عوامل كثيرة منها الفقر الشديد وضرب الأسواق وتعرضها للقصف ونقص المواد الغذائية الشديد ويوجد 385,000 طفل لا يستطيعون الحصول على وجبات غذائية بشكل مستقر ومنتظم، ووصفت الأمم المتحدة اليمن بأنها دولة على حافة المجاعة ووصفت شعبها بالبائس الذى يتجه بقسوة نحو التلاشى قائلة إنه بين المجاعة والموت الناتج عن المجاعة يمكن المرض وتتضاعف أنواع العدوى المميتة بين الفئتين الذين يمدون الأرض بالحياة وهم الأطفال والنساء خاصة الحوامل.
فى اليمن.. أينما يكونوا يدركهم الموت
علاوة على الإصابات المباشرة التى تلحق بالشعب اليمنى جراء النزاع المسلح، يموت الكثيرون فى صمت ويذهب كثيرون فى عداد المفقودين ولا يلاحظ موتهم أحد، هناك من يموتون بأمراض تسهل الوقاية منها وعلاجها، وهناك من يموت ببطء نتيجة الإصابة بأمراض مزمنة، مثل ارتفاع ضغط الدم وداء السكرى وحالات فشل الكلوى وغير ذلك، وهناك من يموت بسبب سوء التغذية ومن يموت بسبب التسمم من تلوث مياه الشرب بخلاف من يموت بسبب الكوليرا ومن يموت بسبب العجز فى الإسعافات الأولية وغير ذلك من أسباب الموت التى يواجهها يوميا أهل اليمن نتيجة الصراع المسلح الذى تعيشه، لذا نحمد الله على أن مصر بهذا الحال وأنها لم تكن مثل سوريا والعراق وبالطبع اليمن.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة