أول ضابطة بالجيش المصرى تفتح خزائن أسرار الحكم الملكى ومشاركتها فى حرب 48.. "ابتسامات": الملك أهدانا سمكة واحدة أكلت منها المستشفى كلها وشقيقته لم تحضر لميدان المعركة.. وهذه حكاية حقيبة محمد نجيب

الإثنين، 24 يوليو 2017 10:55 ص
أول ضابطة بالجيش المصرى تفتح خزائن أسرار الحكم الملكى ومشاركتها فى حرب 48.. "ابتسامات": الملك أهدانا سمكة واحدة أكلت منها المستشفى كلها وشقيقته لم تحضر لميدان المعركة.. وهذه حكاية حقيبة محمد نجيب أول ضابطة بالجيش المصرى
حوار- أسماء زيدان – تصوير حسام عاطف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

صامدة كجبل راسخ لا يتأثر بالريح من حوله، تجلس فى شقة صغيرة بمنطقة مصر الجديدة، لا ونيس لها ولا جليس سوى ذكريات الماضى المتمثلة فى كم هائل من الصور التذكارية التى تشعر معها بأن الماضى يعيش معها ولم يمت، تقلب فى الصور وتبتسم راضية عن سنوات عمرها التى حققت فيها العديد من النجاحات، لما لا، وقد كانت أول ضابطة فى الجيش المصرى وصديقة مقربة لنجوم الزمن الجميل.

 تحمل كنوزا من الأسرار والحكايات عن هذا الزمن وأبطاله، إنها الملازم ابتسامات محمد عبد الله، امرأة ثمانينية تعرف الكثير من أسرار العصر الملكى لقربها من مطبخ الحكم خلال تلك الفترة.

«اليوم السابع» أجرت معها حوارا كشفت فيه الكثير من خفايا وأسرار حياة الملك فاروق، واسترجعت ذكرياتها مع نجوم الزمن الجميل، وطبيعة الحياة الاجتماعية فى العصر الملكى، وإلى نص الحوار:

 

الملازم ابتسامات.. بالعودة للزمن الجميل صِفى لنا مصر وشكل شوارعها أيام الملك فى الماضى؟ 

مصر زمان كانت جميلة جدًا.. الشوارع واسعة ونظيفة رغم عدم وجود أنوار بها، كنا نسير على أضواء الفوانيس أو كما يطلقون عليها الكلوبات، وكل يوم المغرب يأتى عامل ويصعد على سلم مستنداً على أعمدة الإنارة لتزييت الكلوبات وإضاءتها، ورغم أن النور كان خافتاً فإن الدنيا كانت أمانًا

وكيف كان يتم تأمين الشوارع فى هذه الحقبة؟ 

 

كل شارع كان يتواجد فيه فتوة يمسك بعصى كبيرة، وكان يعتبر سيد الشارع بأكمله، وكانت السيدات يخرجن مرتديات الملاءة اللف، ولا يتعرضن لمضايقات أو تحرش، وإذا حدث وتعرض أحد لسيدة أو فتاة كان الفتوة «يخلى نهاره أسود».  كما كان يوجد شيخ الحارة الذى يعرف كل أفرادها، وأتذكر حتى الآن فتوة منطقتى «أبو سريع» المسؤول عن حماية منطقة عابدين، فلم يفرض علينا إتاوات أو يسرق ذهبا من أحد كما تروج بعض الأفلام، وكان للفتونة أصول وقواعد، فمثلاً فتوة شارعنا لا يعتدى على فتوة شارع آخر.

 

وماذا عن الأسعار خلال هذه الفترة؟ 

السلع زمان كانت تباع «بالوقة»، وكان زوج الحمام الذى وصل سعره الآن إلى 70 جنيهًا يباع بـ8 قروش، و«العشر ليمونات» بمليم أحمر، وكانت النفوس صافية والجيران دائمى السؤال عن بعضهم البعض

ولماذا حصلت على رتبة أول ضابطة مصرية رغم تطوع 75 فتاة بالجيش معك؟ 

أنا كنت أول ضابطة مصرية رغم أننا كنا 75 متطوعة من بنات وزوجات الباشاوات وفقاً لترتيب الحروف الأبجدية، فتم مناداتنا بالحروف الأبجدية والرتب وبدأ الكشف بى، وعندما جئنا للسفر إلى غزة فى حرب فلسطين عام 1948 كنت الأولى بين زميلاتى

وماذا عن تعامل الملك فاروق معكن كمتطوعات؟ 

فى البداية لم يكن الملك يعلم بوجود متطوعات فى الجيش، وبداية علمه بأمرنا كان أثناء زيارته للجرحى فى ميدان الحرب بفلسطين، وكانت معنا الوصيفة ناهد رشاد، المسؤولة عن المتطوعات، وقالت لنا «مولانا وصل ويزور الخنادق الآن سأذهب وأخبره بوجودنا»، وهنا علمنا أنه لم يكن يعلم شيئا عنا قبل ذلك

وهل شعرتِ بالخوف عند مشاركتك فى حرب 1948 بفلسطين؟ 

لم تشعر أى متطوعة بالخوف، لدرجة أننا اتفقنا على حمل السلاح مثل اليهوديات «وقولنا اشمعنا إحنا»، وأوصلنا رغبتنا للملك فاروق من خلال ناهد رشاد، إلا أنه رفض، وكان رده عليها «ملناش دعوة بحد إحنا مش زى اليهود». 

وهل كنتِ ستحاربين اليهود فعلاً بالسلاح إذا وافق الملك فاروق؟ 

بالتأكيد لو كانوا منحونا السلاح كنا حاربنا بالفعل، والآن وأنا فى هذه السن إذا قالوا لى أشارك فى الحرب على الإرهاب بسيناء أو العريش لن أتخاذل

هل كانت الأميرة فوزية شقيقة الملك تشارككن فى الحرب باعتبارها رئيسة المتطوعات؟ 

 الأميرة فوزية كانت رئيسة المتطوعات، ورغم ذلك لم نرها أبدًا، ولم تذهب معنا إلى مستشفى أو تشاركنا فى الحرب.. ولكنها كانت تنيب عنها ناهد رشاد وتملى عليها الأوامر من بعيد

وما المهام الموكلة للمتطوعات بالجيش المصرى آنذاك؟ 

فى الحرب كنا نمرض الجرحى، ورأينا مآسى كثيرة، أشخاصا انفجرت فى وجوههم ألغام، وأشخاصا نبتر لهم يدا أو قدما بعد إصابة عميقة، وكنا نتلقى تدريبات ونتعلم فيها كيفية مخاطبة الرتب الأعلى، ولم تلمس أيدينا السلاح أبدًا، وبالرغم من قسوة تلك الأيام فإنها كانت جميلة رغم التعب فلم نكن ننام ونقسم الدوريات بيننا لإسعاف الجرحى بميدان الحرب

وبعد حرب 48 ما المهام التى وكلت للمتطوعات؟ 

بعد عودتنا من فلسطين الملك أمر بعدم ذهاب أى متطوعة إلى ميدان الحرب مرة أخرى، لخوفه الشديد علينا، ودعانا لتناول الإفطار بأحد أيام شهر رمضان معه، وقام بتكريمنا ومنح كل ضابطة ساعة ذهب مكتوبا عليها «تذكار الزيارة الملكية الكريمة بميدان احتلال فلسطين 6 يوليو 1948»، كما منحنا بعض النياشين تقديرًا لجهودنا فى الحرب، ثم أمر بتوزيعنا على المستشفيات العسكرية وتسلمت عملى فى مستشفى العجوزة

وهل التقيت بالملك فاروق بعدها؟ 

نعم، ففى أحد الأيام فى الساعة الرابعة فجرًا بمستشفى العجوزة، وجدت العسكرى الخاص بى يجرى نحوى قائلاً: «مولانا جلالة الملك فى العنبر تحت»، وجريت مندهشة من زيارته المستشفى فى هذا التوقيت، حيث زار المصابين وأخبره معظمهم برغبتهم فى العودة لميدان الحرب رغم أن جراحهم لم تندمل، وعندما سألنى الملك عن صحة المصابين أكدت له أنهم بخير ويريدون العودة للميدان من جديد

وبعد مغادرة الملك للمستشفى أخبرنى الجندى أن الملك أحضر سمكة ضخمة ليس لها مثيل فى الكانتين، وعندما ذهبت لرؤيتها وجدتها تحتل مساحة الترابيزة التى تصل إلى ثلاثة أمتار ومازلت أتعجب حتى الآن كيف اصطادها فقد أكلت المستشفى بأكملها منها

كانت الوصيفة الأولى ناهد رشاد صديقة مقربة لكِ.. فكيف بدأت صداقتكما؟ 

عندما تطوعت فى الجيش كانت ناهد رشاد رئيستنا، ونشأت بيننا صداقة بعدما قرأت لها الفنجان، وقلت لها «إن هناك شخصية كبيرة بتتقرب منك يا ناهد هانم وشكله معجب»، ورغم أنى لا أعلم شيئا فى قراءة الفنجان فإن كلامى تحقق مع الملك فاروق

أتقصدين أن هذه الصداقة كانت بداية لمعرفتك بقصة الحب بينها وبين الملك فاروق؟ 

بالفعل، فبعد أن قرأت لناهد رشاد الفنجان أخذتنى معها إلى قصر عابدين لأقرأ الفنجان للأميرة فايزة، وكنت أرتدى الزى الرسمى، وأثناء صعودها سلم القصر كان الملك نازل ووقف سلم عليها وضحك معها بضربة خفيفة على كتفها، فأشارت إلىّ لتخبره بتواجدى فقدمت له التحية العسكرية، ومن هنا بدأت أشعر بوجود شىء بينهما.  ألم تحكِ لكِ ناهد رشاد شيئا عن قصة حبها والملك فاروق؟ 

تحدثت معى فى هذا الأمر أكثر من مرة، وفى أولها قالت لى إن هناك إشاعة على مولانا بأنه «بتاع ستات»، مؤكدة لى أن هذه مجرد شائعة، وقالت لى «فاروق بيستلطفنى أنا»، ولكنها أنهت حديثها معى قائلة: «بقولك إيه أنا مقولتلكيش حاجة». 

ألم تتحدث معك فى تفاصيل علاقتها بالملك وأسرارها معه؟ 

تحدثنا كثيرًا فى هذا الموضوع وعندما علمت بحب الملك لها رغم زواجها من الدكتور يوسف رشاد طبيب الملك، سألتها: ماذا عن الدكتور يوسف؟

كان ردها عليا «ولا حاجة هو يعرف يقف قدام فاروق»، حيث نشأ بين ناهد وفاروق حب وصداقة كبيرة، ولكنها لم تتطور كما جاء فى الأفلام إلى علاقة جسدية، وكان الملك يحكى لناهد مشكلاته مع زوجته الملكة فريدة، وكانت تلك الأخبار تصل إلى فريدة، ومنها اصطحابه لناهد فى معظم رحلاته للخارج، كما كان دائم الشكوى من إنجاب فريدة بنات.  وماذا عن طباع الملك فاروق الذى اشتهر عنه أنه يهوى الخمر والقمار والنساء؟ 

ناهد رشاد أخبرتنى أن الملك فاروق قمارتى، ويكره الخسارة فى اللعب، ويحرص من يلعبون معه على ألا يخسروه وإلا قلب عليهم الترابيزة، وكان لا يحب شرب الخمور، كما يروج الكثيرون، وكان يحب الطعام ولكنه لا يتناول 30 حمامة على الإفطار كما تداول البعض

وما لا يعرفه الكثيرون عن الملك فاروق أنه كان يخترق البروتوكول الملكى فى تناول الطعام، وكان كبير الطباخين يقول له البروتوكول يا مولانا كذا، فيتفاجأ بالملك يلقى عليه عظام الحمام ليتركه بحريته

علمنا أنك تربيتِ مع سيدة الشاشة فاتن حمامة فى شارع واحد..فحدثينا عن ذكرياتك مع نجوم الزمن الجميل؟ 

فاتن حمامة كانت تسكن فى أول الشارع الذى أعيش به بمنطقة عابدين، وعند زفاف أختى أقمنا فرحها على سطح المنزل وأحضرنا مطربة شهيرة وقتها اسمها سيدة حسن، وعلمت من فاتن أنها تريد أن تحضر الفرح ولكن والدها يرفض، مما دفعنى للذهاب إليه وإقناعه بأنها لن تتأخر وقلت له «والنبى يا عم حمامة الله يخليك هى ساعة فاتن تحضر الزفة وسأحضرها لك». 

وبعد هذا الموقف اعتدت اللعب مع فاتن فى شقتهم لرفض والدها مجيئها إلينا فى المنزل، وكانت علاقتى جيدة بعايدة كامل وزوزو ماضى ومحسن سرحان، وفاخر فاخر، حيث كانوا من أعز أصدقائى وتعرفت عليهم من خلال حضورى للحفلات الكبرى مع زوجى

أما كوكب الشرق أم كلثوم فاستضفتها فى المكان المخصص لى أثناء مباراة كرة قدم لزوجى الضابط محمد حبيب، حيث كانت الأماكن قد امتلأت، وجلست معى وقالت لى إنها سعيدة بلقائى وشاهدنا المباراة معًا، وشكرتنى على استضافتها

وكان بيتى ملتقى لفنانى الزمن الجميل وقيادات قوات السودان، الذين كانوا يتجمعون هنا أول كل شهر للاستماع لحفلات أم كلثوم، كما أن «أونكل» محمد نجيب «ياما أكل من إيدى، وعندى ذكريات حلوة أوى ولو قابلت السيسى هحكيله عن حاجات كتير». وعلى سبيل المثال أخى الأمين محمد عبد الله ألقى القبض على يهوديين قتلا اللورد موين المندوب السامى البريطانى عام 1942، ولأنها قضية شغلت الرأى العام حينها قام الملك فاروق بتكريمه وتحولت القضية إلى فيلم سينمائى

وماذا عن علاقتك القوية بالرئيس الأسبق اللواء محمد نجيب.. وإلى أى مدى كان ارتباطك به وذكرياتك معه؟ 

أونكل محمد صديق لعائلتى، ولجأت إليه فى موضوع زواجى بعد أن رفض أخى العريس، فأقنع أخى به بعد أن سألنى «أنتى بتحبيه يابنت؟»، فقلت له «أخلاقه كويسة يا أونكل»، وتزوجنا وجلسنا فى فيلا خاصة بالدكتور يوسف رشاد زوج الوصيفة ناهد رشاد، لمدة ثلاث سنوات حتى نكمل تجهيزات شقتنا

وما سر الحقيبة التى منحها لك اللواء محمد نجيب قبل ثورة يوليو بيوم واحد؟ 

فى إحدى الليالى تفاجأت بأونكل محمد نجيب يدق باب الفيلا التى أعيش فيها، ومنحنى حقيبة وأكد علىّ أن أحفظها فى مكان أمين وألا أخبر أحدا بأمرها، وكان ذلك فى الساعة الثانية صباحًا، وبإصرارى على معرفة ما بها قال إنها أوراق خاصة بانتخابات نادى الضباط، ولكن بعدما أخذها بليلة واحدة قامت الثورة على الملك فاروق وأعتقد أنها كانت تحتوى أوراقا خاصة بخطط الثورة

وإذا تركتِ شهادة للتاريخ عن الجيش الملكى فماذا ستكون؟ 

هذه الأيام لا يمكن تعويضها، ورغم أننى قضيت خمس سنوات فى الخدمة وكنا متطوعات بدون أجر، وكل ما نحصل عليه الملابس وهى عبارة عن بدلتين شتوى وصيفى وحقائب وأحذية، فإن الجيش كان دائما يحفظ أرواحنا ونحن معرضون للموت، وعندما جاءت الثورة وتركنا الخدمة لم نتقاضَ أى رواتب، ولكن تعلمت الكثير وحصلت على العديد من الخبرات والذكريات وتعلمت من ناهد رشاد علمتنى الكثير من أصول البروتوكول الذى أتبعه حتى اليوم.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة