قام الضابط جمال عبدالناصر بتغيير ملابسه العادية، وارتدى ملابسه العسكرية، وقدم التحية لزوجته، السيدة تحية كاظم، وتناول معها الإفطار ثم خرج، صباح يوم 22 يوليو «مثل هذا اليوم» من عام 1952 حسبما تؤكد «تحية» فى مذكراتها «ذكريات معه» عن «دار الشروق - القاهرة».
كان «22 يوليو» هو اليوم، الذى يضع فيه تنظيم الضباط الأحرار اللمسات الأخيرة للحدث الكبير بالانقلاب على الملك فاروق فى اليوم التالى 23 يوليو، وترتب عليه أن «وثب جيل جديد إلى السلطة يعبر عن شىء جديد فى مصر»، وفقا لرأى أحمد حمروش فى كتابه «ثورة 23 يوليو» عن «الهيئة المصرية العامة للكتاب - القاهرة».
يروى «محيى الدين» فى مذكراته «والآن أتكلم» عن «مركز الأهرام للترجمة والنشر - القاهرة»: «فى الساعة الثانية بعد ظهر 22 يوليو عقدت «لجنة القيادة» لتنظيم الضباط الأحرار اجتماعها الأخير فى بيتى، التقينا: جمال عبدالناصر، حسن إبراهيم، عبدالحكيم عامر، كمال الدين حسين، عبداللطيف البغدادى، خالد محيى الدين، وتغيب جمال سالم وصلاح سالم وأنور السادات، وحضر معنا زكريا محيى الدين وحسين الشافعى، وعبدالمنعم أمين، وإبراهيم الطحاوى، وكان حضورهم مبررا ومنطقيا، وإن كان جمال قد دعاهم للحضور بمبادرة منه، فزكريا شارك فى إعداد خطة التحرك، ومن الطبيعى أن يحضر ليشرحها لنا، والطحاوى كان سيقود تحرك سلاح الجيش، والشافعى سيقود تحرك الفرسان».
يضيف محيى الدين: «عندما تحدثنا عن خطة التحرك التفت بغدادى إلى زكريا، وقال له: «اقرأ الخطة» وعرض زكريا الخطة، وكانت بسيطة، وعندما انتهى الاجتماع كانت الساعة الثالثة والنصف بعد الظهر، وتقرر أن لا نتصل مع بعضنا تليفونيًا، وأن تعد كل مجموعة نفسها للتحرك، واتفقنا أن تكون كلمة السر «نصر»، وانصرف الزملاء الأربعة: زكريا والطحاوى وعبدالمنعم أمين وحسين الشافعى وتركونا لتواصل «لجنة القيادة» آخر اجتماع لها، وأول ما فعله جمال عبدالناصر أنه عاتب بغدادى بشدة لأنه طلب من زكريا أن يقرأ خطة التحرك، وقال جمال: لقد وضعت الخطة وساعدنى زكريا فى ذلك، فماذا يقرأها هو؟ ويعلق خالد على ذلك: «أتذكر هذه الواقعة البسيطة لأوضح أن جمال كان حساسًا للغاية حتى فى الأوقات الصعبة إزاء مكانته كمسؤول عن الحركة.
ينقل حمروش، على لسان عبداللطيف بغدادى، أنهم فى أثناء المناقشة الأخيرة للخطة توقعوا النجاح بنسبة 10 % والفشل بنسبة 90%، ولم يكن هناك مفر من الإقدام، ويقول «محيى الدين»: «أعود بذاكرتى إلى هذه اللحظة الصعبة وأسأل نفسى: «هل كنت خائفا؟، وتأتى الإجابة سريعا وبلا تردد: ولا قطرة واحدة من خوف، ولو للحظة واحدة، الحماس لفنا جميعًا، ونسينا مخاوفنا من احتمالات تدخل الإنجليز، وبدأنا استعدادا متعجلا لإنجاز كل شىء».
كادت الحركة أن تفشل قبل أن تبدأ، والسبب كما يذكره «حمروش» أن موعد الثورة وحركتها سرب من ملازم أول حسن محمود صالح، الذىأبلغ زملاءه فى المدفعية أنه عندما ذهب إلى المنزل لتغيير ملابسه فهمت والدته أنه مقدم على عمل ما فى هذه الليلة، فأبلغت أخاه لواء جوى متقاعد صالح، الذى أبلغ بدوره حيدر باشا تليفونيا، وعرف ضباط المدفعية بذلك فى الساعة السابعة مساء يوم 22 يوليو، فأعادوا الضابط إلى والدته ليقنعها بأنه ليس هناك شىء جدى، ولكن الخبر قد وصل إلى السراى».
يؤكد «حمروش» أن ثغرة أخرى حدثت قبل الحركة بساعات فى سلاح الفرسان، عندما اتصل أحد الضباط «ممدوح شوقى» بضابط آخر ليس عضوا فى تنظيم الضباط الأحرار وهو يوزباشى فؤاد كرارة، الذى أبلغ ذلك إلى اللواء أحمد طلعت، حكمدار العاصمة، الذى أسرع بإبلاغ القصر، حيث استدعى اللواء حسين فريد، رئيس أركان الجيش، إلى عابدين ومنها توجه إلى القيادة، ويؤكد مرتضى المراغى وزير الداخلية وقتئذ فى مذكراته «شاهد على حكم فاروق» عن «دار المعارف - القاهرة» أنه أجرى اتصالات حول نفس الموضوع برئيس الأركان فرد عليه: «الذى أعرفه أن كل شىء هادئ»، واتصل برئيس الوزراء نجيب الهلالى، وكان يمارس أول يوم عمل كرئيس للحكومة فرد عليه: «يعرف شغله الملك، وإحنا نفلق نفسنا علشان إيه يا مرتضى، أنا قرفان واللى يحصل يحصل»، واتصل بالملك، لكن الملك كان مشغولا منذ الصباح مع وصيفة القصر السيدة نهى «اسم رمزى أطلقه مرتضى على شخصية حقيقية»، وتناولت معه طعام الغداء وعامت معه فى البحر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة