بعد ثلاثة أشهر فقط من اتهام الولايات المتحدة الأمريكية النظام السورى باستخدام الأسلحة الكيميائية وشنها لغارات جوية على قاعدة الشعيرات، والتى وصفت بـ"الانتقامية"، قرر اليوم الرئيس الأمريكى دونالد ترامب إغلاق البرنامج السرى لوكالة الاستخبارات المركزية لتدريب وتسليح المعارضة السورية التى تقاتل الرئيس السورى بشار الأسد، وهى خطوة كانت تطالب بها روسيا حليفة الرئيس السورى بشار الأسد.
وقال مسئولون أمنيون أمريكيون، لصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، إن القرار جزء من مساعى الإدارة لتحسين العلاقات مع موسكو التى نجحت إلى حد بعيد فى الحيلولة دون سقوط حكومة الأسد فى الحرب المستمرة منذ 6 سنوات، وجاء القرار بعد مشاورة مستشار الأمن القومى لترامب ومدير وكالة الاستخبارات المركزية الـCIA قبل اجتماع ترامب مع نظيره الروسى فلاديمير بوتين على هامش قمة مجموعة العشرين فى السابع من يوليو الجارى.
بوتين وترامب
ما الموقف الداخلى بأمريكا من قرار ترامب؟
ج. يصف بعض منتقدين سياسات ترامب الخارجية الخطوة بـ"التنازل" أمام روسيا، فيما يرى مراقبون أنها خطوة طبيعية بعد انتصار سوريا على الأرض وتقدمها ضد تنظيم داعش الإرهابى والمعارضة المسلحة التى رفعت السلاح فى وجه مناصرى النظام السورى والشعب.
هل دعم أوباما الإرهاب فى سوريا؟
ج. كان برنامج المخابرات الأمريكية السرى لتسليح المعارضة السرية جزء من خطط الرئيس الأمريكى السابق بارك أوباما للإطاحة بالنظام السورى والزج بالدولة السورية الى مصير قاتم وافتراضية التقسيم كانت تطفو على السطح، ثم جاء تدخل القوات الروسية فى عام 2015 ليقلب الموازين ويرجح كفة الجيش السورى فى مواجهة الجماعات المسلحة تنظيم داعش الإرهابى، فى المقابل كان هناك نداءات بتسليح الجماعات الإرهابية المتطرفة السورية بمضادات الطائرات ولكن تراجع أوباما عن الفكرة حتى متخوفًا من تصاعد الصراع مع القوات الروسية.
أوباما
متى اعتزم برنامج تسليح الغرب لما يسمى بالمعارضة السورية؟
بدأ البرنامج فى 2013 مع بداية العام الأول من ولاية بارك أوباما الثانية التى بدأت فى عام 2012 ، ولكن مع قرب نهاية ولايته الثانية كانت هناك نداءات من قبل بعض المسئولين فى إدارته لإنهاء البرنامج بحجة أن المعارضة المسلحة لم تأتٍ بالنتيجة المرجوة فى سوريا.
وقال مسئول سابق فى البيت الأبيض، إن وكالة الاستخبارات بدأت التفكير فى إنهاء البرنامج، لكن ذلك لم يكن ليحدث دون مقابل، مضيفًا أنه من السذاجة أن يتم وقف تسليح المعارضة دون الحصول على شئ فى المقابل.
وعلى الرغم من الاعتراف الأمريكى بفشل مخططاتهم على أرض الواقع فى سوريا، أكد إيلان جولدنبرج المسئول سابق فى إدارة أوباما ومدير برنامج الأمن فى الشرق الأوسط فى مركز الدراسات الأمنية، على أن تنازل الولايات المتحدة عن البرنامج هو على الأرجح إشارة إلى الواقع، لافتًا إلى أن المعارضة المسلحة فشلت فى الإطاحة بنظام الرئيس الأسد، وتفوق قوات الجيش العربى السورى على الأرض.
وأضاف جولدنبرج، أن التخلى تمامًا عن المعارضة المسلحة فى سوريا يعتبر خطأ استراتيجى كبير، مشيرًا إلى أن التخلى تمامًا عن الجماعات المسلحة من أمريكا فى سوريا يعلن بدوره عن خسارة الولايات المتحدة لأى ورقة ضغط فى الصراع المتعدد الأطراف على الآراضى السورية.
وفى دفاع إدارة ترامب عن إنهاء برنامج تسليح الجماعات فى سوريا، قال ريكس تيلرسون، وزير الخارجية الأمريكى الحالى، إن إدارة أوباما تسببت فى مقتل أكثر من نصف مليون سورى، وتسببت فى أكبر ازمة لاجئين فى العصر الحديث، وسمحت لداعش بالظهور، متابعًا: "لدى إدارتنا رؤية لإعادة الاستقرار لسوريا وهو ما نتفق مع روسيا فى شأنه".
جندى سورى حاملاً للعلم
هل فاز الرئيس بشار الأسد؟
على ضوء إنهاء برنامج تسليح المعارضة السورية من قبل واشنطن اليوم، يرى بعض الخبراء فى الأوساط الأمريكية أن تلك الخطوة هى بمثابة اعتراف بموقف الأسد الراسخ فى سوريا، كما ورد فى صحيفة الواشنطن بوست.
ويرى مراقبون، أنه بعد الانتصارات المحققة من الجيش السورى فى استعادة المناطق التى كانت فى قبضة داعش والجماعات المسلحة الأخرى فى سوريا، خاصة انتصاراته فى استعادة بؤر النفط فى المدن السورية، سارعت الولايات المتحدة إلى الاتفاق مع روسيا على وقف إطلاق النار فى الجنوب السورى ومناطق خفض التوتر فى مناطق متفرقة فى سوريا.
ما هى اتفاقية وقف إطلاق النار وما الفرق بينها وبين مناطق خفض التوتر؟
أبرمت الولايات المتحدة وروسيا فى الـ7 من يوليو الحالى اتفاقا على وقف إطلاق النار فى جنوب غرب سوريا، حيث اجتمع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب مع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين على هامش قمة مجموعة العشرين فى هامبورج، ويعد هذا أول جهد أمريكى روسى تحت رئاسة ترامب لوقف الحرب المستمرة فى سوريا منذ 6 سنوات، وهو ما يعرف باتفاقية وقف إطلاق النار.
وأشار ترامب، إلى أن هناك اتفاقا آخر قيد المناقشة مع موسكو؛ وقال: "نحن نعمل على وقف إطلاق النار فى جزء كبير جدا من سوريا".
وفى شأن أخر، اتفاقية مناطق خفض التوتر بين كل من تركيا، والولايات المتحدة، وروسيا، حيث اتفقت الأطراف المذكورة فى مطلع مايو الماضى فى الجولة الرابعة من مباحثات جنيف، وتأتى الموافقة الإيرانية عليها فى مباحثات الأستانة الأخيرة، والاتفاقية معنية بإقامة مناطق خالية المعارك بين الجيش العربى السورى والجماعات المسلحة.
ومن جانبه قال كيفورك الماسيان، زميل بمعهد الدراسات اليورو- آسيوية بألمانيا: "كل من روسيا وإيران وتركيا والولايات المتحدة اتفقوا على إقامة مناطق خفض التوتر فى الجنوب السورى فى حمص، درعا، وإدلب، وبعض أجراء من حلب بين الجيش السورى والجماعات المسلحة".
وأضاف الماسيان، فى تصريحات خاصة لـ" اليوم السابع"، أن تركيا هى الداعم لإتفاقية خفض التوتر حتى لا يكتسب الأكراد أرضاً فى سوريا، مشيرًا إلى أن مشكلة تركيا مع الأكراد حيث يطالب 20 مليون كردى فى تركيا بالاستقلال على جزء من الآراضى التركية.
ويرى الماسيان، أن الولايات المتحدة وروسيا لن يتفقوا 100% على كل ما يتعلق بالأزمة السورية.
ساحة الأمويين
لماذا تعترض إسرائيل على وقف إطلاق النار فى سوريا؟
تشارك كلا من الأردن واسرائيل الحدود مع الحدود الجنوبية لسوريا، وتشعر إسرائيل بالقلق إزاء انتشار العنف على تلك الحدود، فضلا عن تجمع للقوات الموالية لإيران.
وفى هذا الصدد، قال بعض المسؤلين بإدارة ترامب للواشنطن بوست، إن قرار وقف التسليح للجماعات المعارضة حاصل على الدعم من الأردن، حيث تم تدريب بعض المتمردين، ويبدو أنه جزء من استراتيجية إدارة ترامب هو التركيز على التفاوض حول وقف إطلاق النار مع روسيا.
وتتدخل إسرائيل فى الاعتداء على سوريا، حيث ضربت منشآت عسكرية سورية عدة مرات خلال الأسابيع القليلة الماضية بعد سقوط قذائف على الجانب الذي تسيطر عليه إسرائيل من مرتفعات الجولان.
نتنياهو
ولهذا السبب تعترض إسرائيل على اتفاقية وقف إطلاق النار التى توصل إليها كل من الجانب الروسى والأمريكى، وتتحجج بإن تلك الاتفاقية تمس مصالحها المباشرة فى الجولان، وهو تسيطر على ثلثى المنطقة.
وفيما تعتبر الخطوة لوقف إطلاق النار فى سوريا هى إنجاز دبلوماسي ما بين أمريكا وروسيا، ترى إسرائيل خطر فى مراقبة روسيا الهدنة، كما أنها لا توافق على مناطق خفض التوتر، حسبما جاء فى صحيفة "هاراتس" الإسرائيلية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة