تعودت على سياسة القفز من المركب قبل الغرق حفاظا على مصالحها، فمنذ عام وعندما اشتد الحصار على التنظيم الدولى للإخوان لفظت حركة النهضة الإسلامية والتى تعد ذراع التنظيم فى تونس، الإسلام السياسى، وبدأت تروج إلى أنها حركة وطنية مستقلة ، ومع خروج الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما من الحكم وتولى دونالد ترامب الذى تبنى سياسة متشددة تجاه التيارات الإسلامية لجأت إلى تدشين مصطلح جديد وهو "الإسلام الديمقراطى" لتبتعد عن أى شبهات قد تُفقدها الإنجاز الذى تحقق لها بعد الثورة بالوصول الى الحكم.
واليوم وبعد أن تعالت الأمواج الإقليمية ضد قطر الحاضن الأول للحركات الإسلامية والجماعات الإرهابية ، لم تختلف سياسة الحركة الاخوانية حيث أدارت ظهرها للدوحة بعد أن تيقنت من أن النيران المشتعلة بين إمارة الإرهاب ودول المنطقة ستنال منها، وبدأت بالفعل تواجه أزمة داخلية واتهامات بعلاقاتها المشبوهة بقطر وتلقيها تمويلات لتنفذ أجندة الدوحة فى منطقة شمال أفريقيا.
الجامعة الاسلامية تحتفل بالغنوشى
لم تتعثر النهضة كثيرا لإيجاد حضن جديد لها خلافا للدوحة التى تواجه مقاطعة فى إقليمها العربى والإقليمى من جراء سياستها الداعمة للإرهاب، فما أن هب الرباعى العربى " مصر والسعودية والإمارات والبحرين" ضد سياسة قطر حتى انشغلت إمارة الإرهاب بأوضاعها الداخلية والخسائر التى منيت بها خلال الشهر الماضى، فجفت الروافد التى كانت تقدمها لأذرعها فى المنطقة وفى مقدمتهم حركة النهضة، ما جعل الحركة تتحرك سريعا لإيجاد بديل.
وبعيدا عن المنطقة ومشاكلها آثر راشد الغنوشى الشيخ العجوز رئيس الحركة التونسية أن يتوجه إلى آسيا بحثا عن معقل جديد وحضن له نفس الأيديولوجيات، فكانت زيارته الحالية لماليزيا الدولة الإسلامية التى برز اسمها مؤخرا واقترن بالتنظيم الدولى لما للإخوان فى ماليزيا من نفوذ ورغم أنهم فى المعارضة وليسوا فى السلطة إلا أن الجماعة هناك تتمتع بمكانة قويه، وأكبر دليل على ذلك ما تردد بعد تفاقم أزمة الدوحة حيث أوضحت مصادر أن أغلب القيادات الإخوانية والحمساوية التى أُجبرت على مغادرة قطر ستتوجه إلى تركيا أو ماليزيا التى أصبحت ملجأ مناسبا لقيادات الإسلام السياسى.
الغنوشى خلال تكريمه فى ماليزيا
وفى ظل ما تواجهه الحركة من أزمات داخلية جراء علاقاتها المشبوهة بقطر والتنظيمات الإرهابية فى ليبيا ترك الغنوشى الأوضاع على وشك الانفجار فى زيارته الحالية، وهى الزيارة التى طرحت علامات استفهام عديدة حول الوجهة الجديدة للغنوشى الذى دأب على طرق أبواب الدوحة وتركيا.
زعيم إخوان تونس برر زيارته برفقة وفد من حركة النهضة يتكون من رفيق عبد السلام ورياض بالطيب وأحمد قعلول بأنها تأتى فى إطار الديبلوماسية الشعبية وتلبية لدعوة من رئيس الوزراء الماليزى، حيث عقد فور وصوله لقاءا مطولا مع رئيس الوزراء محمد نجيب عبد الرزاق، ووصف الغنوشى اللقاء بأنه كان مناسبة للتأكيد على علاقات الأخوة والصداقة بين تونس و ماليزيا والرغبة فى تطويرها إلى أحسن المستويات وفى عديد المجالات.
صورة تذكارية للغنوشى والمسئولين فى ماليزيا
وأبدى الغنوشى فى اللقاء إعجابه وتقديره الكبير للتجربة الناجحة لماليزيا فى التقدم والتنمية والتى يضرب بها المثل فى العالم، منوها بأن تونس يمكنها أن تكون وجهة جذابة لاستقطاب الاستثمارات الماليزية فى القطاع التكنولوجى والصناعى والمالى والفلاحى، وذلك بما تتميز به البلاد من موقع استراتيجى كبوابةٍ لأفريقيا وشريك اقتصادى لأوروبا .
وفى تجاوز سافر تحدث الغنوشى وكأنه ممثلا للحكومة التونسة على الرغم من أنه لا يحظى بأى منصب حكومى، حيث دعا زعيم إخوان تونس الحكومة الماليزية الى تعزيز التعاون والتبادل العلمى بين تونس وماليزيا وتبادل البعثات الطلابية بين البلدين بما يعزز فرص التعاون المستقبلى بين مشرق الأمة الإسلامية ومغربها، وقدم الشكر لرئيس الوزراء الماليزى بخصوص القضية الفلسطينية وقضايا الأقليات المسلمة فى شرقى آسيا .
من جهته عبر محمد نجيب رئيس الوزراء الماليزى عن إعجابه بالتجربة التونسية فى الانتقال الديمقراطى وبالدور الكبير الذى قامت به حركة النهضة فى إنجاح هذا الانتقال وفى تجنيب تونس المآلات التى وصلت إليها بعض التجارب الانتقالية العربية ، كما أثنى على نموذج التوافق والتعايش الذى تعرفه تونس بين تيار الإسلام الديمقراطى والتيارات الأخرى فيها، مبديا استعداده للتعاون مع تونس فى شتى المجالات التى تحقق المصلحة المشتركة للبلدين والشعبين الشقيقين .
لقاء الغنوشى ورئيس وزراء ماليزيا
ويبدو أن الغنوشى استغل موقف الحياد الذى ألتزمته كوالالامبور من أزمة قطر وتمويلها للإرهاب، فى محاولة لاستغلال نفوذ الإخوان هناك لاستمالتها نحو التيارات الإسلامية فى منطقة الشرق الأوسط والتى أصبحت تعانى تضييقا على تمددها بعد انكشاف وجهها الحقيقى وعلاقاتها بالإرهاب.
وكان رئيس الوزراء الماليزى أعلن مع بداية الأزمة أن بلاده تتخذ موقف الانتظار والترقب، قبل أن تقرر ما إذا كانت ستحذو حذو بعض الدول العربية التى قطعت العلاقات الدبلوماسية مع قطر، وقال فى تعليقه على آخر تطورات منطقة الشرق الأوسط "ننتظر ونترقب، لأن علاقاتنا مع دول الخليج العربى وطيدة، ونحن لا نعرف حقيقة القضية فى الوقت الحالى، وسنراقب تطوراتها".
الغنوشى يبحث عن بديل لتميم
واحتضنت الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا والمعروفة بخضوعها لإشراف وإدارة قيادات إخوانية بارزة حفل إسناد شهادة الدكتوراه الفخرية فى مجال الفلسفة فى الحضارة الإسلامية للشيخ راشد الغنوشى، وذلك تقديرا لجهوده المعرفية والعلمية، وتثمينا لكتاباته العديدة فى مجال الفكر الإسلامى ولمساهمته فى نشر فكر الاعتدال فى الإسلام- على حد زعمها .
وقد شهد الحفل مداخلات للدكتور رايس يتيم، رئيس الجامعة ومستشار الحكومة الماليزية للشؤون الثقافية والاجتماعية، ومديرتها الدكتورة زليخة قمر الدين ، كما قدم الغنوشى محاضرة افتتحها بتوجيه الشكر إلى الجامعة الاسلامية ومنوها إلى أنه يهدى هذه الدكتوراه الفخرية إلى تونس وشعبها وإلى شهدائها الذين أضاءوا بدمائهم درب الحرية.
محاضرة الغنوشى لم تتطرق بشكل مباشر إلى الأزمة العربية مع قطر ممولة الإرهاب، إلا أن زعيم الإخوان أدعى أن الإسلام فى وحالة ضعف ووهن تعانى منه الأمة بالكامل، قائلا: "إن العالم الاسلامى يعانى من صراع تأويلات للإسلام وأن التجربة الناجحة للمسلمين الديمقراطيين هى الكفيلة بملء الفراغ الذى احتله أهل الغلو والتطرّف وأصحابُ التأويل الخاطئ للإسلام".
الغنوشى يحاول انقاذ الإخوان
مؤكدا على فكرة الحرية ومركزيتها فى إدارة الخلاف فى المجال العام، وعلى أهمية الديمقراطية التى تقوم على أساس التوافق والتعايش وتغليب المصلحة الوطنية على المصالح الحزبية ، مبينا أن التجربة التونسية غدت مثالا حيّا على أهمية التوافق بين المعتدلين من التيار الإسلامى والمعتدلين من التيار العلمانى فى الحفاظ على المصلحة الوطنية وإنجاح تجربة الانتقال الديمقراطى.
وتأتى زيارة زعيم إخوان تونس لماليزيا فى وقت حرج للغاية بعد أن انتفضت المنطقة على قطر وحكامها الذين ساندوا الإرهاب لسنوات وغذوا الجماعات المتطرفة فى المنطقة لإسقاط الدول وإحداث الفوضى، حيث يتساءل الجميع عن الوجهة الجديدة لقيادات الإرهاب من الإخوان وحماس وغيرهم فهل يتمكن إخوان ماليزيا من توفير الملاذ لنظرائهم المطرودون من منطقة الشرق الأوسط.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة