عندما حدث إعصار كاترينا كتبت فى تويتر: اللهُمَّ الطف بعبيدك.
قالوا: كيف يدعو لهؤلاء الكفار؟ هذا انتقام من الله عز وجل.
عندما مات نيلسون مانديلا أثنيت على إنسانية الرجل وسيرته.
قالوا: كيف يثنى على مسيحى؟!
عندما أكتب اللهُمَّ فرج عن المسلمين.
يقولون: أوَتترك غيرهم للهلاك؟!
المسألة هنا فيما إذا كان ثمة تناقض بين مفهوم الإنسانية ومفهوم الخصوصية الدينية، فهل توجد رابطة خاصة بين المسلم والمسلم لا تمتد إلى غيرهم من البشر؟
فهل لو قلتَ: اللهُمَّ احفظ أمى، يقول لك عاقل: وهل تدع أمهاتنا للضياع؟!
هذه الأمور لا يلزم منها التناقض ولا التعارض بالأساس، فهى قابلة للاجتماع والاستيعاب مع تعدد دوائر انتماء الإنسان وصلاته.
توهم تعارض الدوائر وصل إلى فهم القرآن والسنة.
ففى مقابل قول النبىِّ: «حقّ المسلم على المسلم خمس: ردّ السّلام، وعيادة المريض، واتّباع الجنائز، وإجابة الدّعوة، وتشميت العاطس»..
قالوا: لو مرض غير المسلم ألن تعوده؟!
هذا التلازم بالتضاد غير صحيح.
ألم يزر سيدنا رسول الله غلامًا يهوديًا كان يخدمه؟
قالوا: لو مات غير المسلم ألا نتبع جنازته؟!
ألم يقم النبىُّ لجنازة مرت به، فقيل إنه يهودى، فقال: أليست نفسًا؟!
الاختلاف لا يعنى التعارض بل التنوع حين يُرجَع إلى القيمة الإنسانية الأعلى.
قالوا: ألا نرد على تحية غير المسلم؟!
ألم يقل النبىُّ للرجل الذى جاء يسأله أى الإسلام خير: «تطعم الطعام وتقرئ السلام على مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لم تَعْرِفْ»؟
أليس عدم إلقاء الرجل السلام والتحية على مَن يعرف من علامات الساعة؟!
قال عمار بن ياسر: ثلاث من جَمَعَهُنَّ جمع الإيمان: الإنصاف من نفسك، والإنفاق من الْإِقْتَارِ وبذل السلام للعالم!
وفى حديث النبىِّ: «مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاَحَ فَلَيْسَ مِنَّا، وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا»..
قالوا: هل هذا يعنى أنّه يجوز غش غير المسلم وترويعه؟!
لا بالطبع، لكن هذا يقع ضمن إطار خصوصية المجتمع المسلم.
ففى رواية جعلها عامّة لأنّ السوق يدخله المسلم وغير المسلم فقال: «مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنَّا»؛ وذلك حين مر النبىُّ على صُبْرة طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللًا، فقال: «ما هذا يا صاحب الطعام»؟ قال: أصابته السماء يا رسول الله، قال: «أفلا جعلته فوق الطعام كى يراه الناس»؟
يقول الله تعالى: «وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا».
وقال: «من قتل نفسًا معاهدًا لم يرح رائحة الجنّة، وإنّ ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عامًا».
والميزان فى قوله تعالى: «مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا».
فهل يوجد تعارض بين قوله تعالى: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ»؛ وقوله تعالى: «بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ»؟
وقد أُثير لغط كبير حول قوله: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا»، «إذ أغفلوا تتمة الحديث»، «قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا؟ قَالَ: تَمْنَعُهُ مِنَ الظُّلْمِ تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ فَذَاكَ نَصْرُكَ إِيَّاهُ».
يقولون: هل أقف مع المسيحى ضد مسلم حتى لو كان الأخير ظالـمًا؟
نعم دفاعى عن مواطنى المسيحى الذى يعتدى عليه وعلى كنيسته جهاد فى سبيل الله، والذى يُقتل من المسلمين فى حراستها، فالمرجو أن يلقى الله شهيدًا، لأنه يؤدى واجبًا شرعيًا، وهو يمنع أخاه الظالم من الظلم.
من حق المجتمع الدينى أن تكون له علاقات بينية خاصة، لكنها ليست بالضرورة على حساب علاقاته الإنسانية.
فلا تضاد ولا ازدواجية معايير فى التعامل، إلا عندما يوجد خلل فى فهم التدين.
يقول الله تعالى: «ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِى الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة